للبحث في أهداف الكيان الصهيوني في المفاوضات لا بد ان نستكشف الاسباب التي جلبت نتنياهو الى طاولة المفاوضات ، فالطرف الصهيوني بعيد كل البعد عن حاجته للسلام مع السلطة الوطنية الفلسطينية وحتى مع العالم العربي ، فهو لا يخشى أي هجوم أو انتفاضة أو ثورة من الطرف الفلسطيني في الضفة الغربية أو غزة ، فهو يملك الامكانيات لسحق الشعب كله ولكنه يحتاج لاقناع العالم بمبرراته لذلك ، وكذلك لا يخشى حربا عربية وله اسبابه في ذلك .
عدونا يحتاج الى ادامة التناقض الدائم مع الطرف الفلسطيني بصفته رأس حربة للاستقرار العربي ، وبالتالي حتى لا تصبح عملية السلام المنشود خطوة نحو تحرير الوطن العربي من مشكلة اقليمية كبيرة قد تجلب للعالم العربي نوعا من ( استراحة المحارب ) او ابراء طرفا من الذمة ، وهذا بالتأكيد ما لا يشتهيه نتنياهو.
فنظرة الكيان الغاصب كحكومة متطرفة اوحكومة وسط لنا كوطن عربي هي نظرة بعيدة النظر ، وهي نظرة الصياد صاحب الطموح الكبير ، فعدونا يكمّل ما تم تخطيطه حسب (برتوكولات حكماء صهيون) التي أسست للكيان الغاصب منذ أكثر من مائة وعشرة أعوام والتي تحتوي على 24 بندا ترسم فيه هذه البروتوكولات الخطة العامة لاستيلاء اليهود المباشر وغير المباشر على العالم ، ومن خلال انشاء المملكة اليهودية والتي اعتقد الكيان الغاصب بأن نواتها فلسطين وخطى اول الخطوات على هذا الدرب ، وهنا يجب التفكير مليا بمطلب نتنياهو بالاعتراف بيهودية ( اسرائيل ) .
اذا مطلب نتنياهو للاعتراف بيهودية ( اسرائيل ) ليس مطلبا طارئا او مطلبا تعجزيا ، بل هو مطلب حقيقي وهام بالنسبة لهم وستبلغ درجة اصرار نتنياهو عليه بربطه بالمفاوضات المباشرة بشكل دائم ، والمطلب هذا له اهدافه بالنسبة لحكومة الظل من الحاخامات المتطرفين ومراكزالفكر الصهيوني العالمي والذين يسعون الى اعادة سطوة الدين اليهودي على المنطقة واعتباره دين النخبة في الشرق الاوسط كخطوة اولى لانشاء (مملكة داوود) بين النيل والفرات .
وفي الطرف الفلسطيني تتركزالأجندة الخاصة بالارض والحدود والامن واللاجئين والقدس والمياه وحسب المحضر الاخير الذي تم في انابوليس 2007 وكذلك حسب وثيقة بوش التي أودعها قبل رحيله وتعتبر مطالب اساسية للجانب الفلسطيني ، حيث تم وضع الخطوط الحمر حيث لا رجعة عن ما تم التوصل اليه سابقا كنقاط منتهية ولا يحق اعادة الطرح ، بينما في الحانب ( الاسرائيلي ) سيبدأ من اول الصفحة لاغيا مدريد واسلو وانابوليس ومستعدا للحصول فقط على بند واحد هو الاعتراف بيهودية ( اسرائيل ) .
بالتالي نجد ان نتنياهو قدم للمفاوضات للاسباب التالية :
- طرح يهودية الدولة بشكل عالمي وفرض المصطلح على العالم كخطوة اولى نحو ( مملكة داوود ) ، مع محاولة انتزاع اعتراف بذلك .
- مسايرة الضغط العالمي والامريكي بشكل خاص مع محاولة الباس تهمة فشل المفاوضات للجانب الفلسطيني لاعطاء شرعية لاستمرار الدعم الامريكي والاوروبي لهذا الكيان ، مع تبرير استكمال اعمال الاستيطان .
- انهاك الجانب العربي والفلسطيني بقضية المفاوضات وامل السلام وذلك لتشتيب التفكير في البحث عن حلول لهذه القضية ، والعمل للحصول على تنازلات عربية للتطبيع مقابل المحاولة .
- وحسب الفكر الصهيوني الذي يقوم على العلم الشامل والعمل على كل الجهات فان هناك هدف باطني يتمثل باعطاء فرصة لاطراف اقليمية لها شهية أختراق التراث العربي من خلال اضعاف الموقف العربي ايدولويجيا وفكريا من خلال ايمانه بجدوى عمليه السلام وامكانيته .
بينما الطرف الفلسطيني قدم لهذه المفاوضات كخطوة من خطوات صراع البقاء وللمحافظة على التصاقه بالشعب الفلسطيني بالداخل املا في مستقبل اخر للسلام او النضال يوما ما وذلك بعد مأزق ( ما قبل اوسلو) ، وكذلك لابراء الذمة امام الضغوطات العالمية والعربية .
اذا ( اسرائيل ) ستعمل على ايجاد مائة مشكلة لكل حل قد يتم الوصول اليه ، والسلطة الفلسطينية ستعمل على محاولة ايجاد مائة حل لكل مشكلة يحاول ان يثيرها الوفد ( الاسرائيلي ) ولكن ورغم كل ذلك ......... المفاوضات ستنتهي بالفشل .
فمن يعرف الفكر الفلسطيني العام للسلطة يستطيع ان يؤكد أن هذه السلطة لن ترقص رقصة الموت على كيانها التي عمدته قوافل الشهداء بالدم ، ولن تقبل ما رفضه رمز فلسطين ورقمها الصعب قديما .
جرير خلف
ملاحظة : ( ما قبل أسلو ) هي جميع الاحداث والضغوطات والمؤامرات التي أدت الى قبول منظمة التحرير الفلسطينية بالمفاوضات مع الكيان الغاصب في اوسلو .