يغادر بعض الشباب وطنهم في رحلات عمل قد تطول أو تقصر إلى دول عربية أو أجنبية ؛ سعياً وراء لقمة العيش ، ولهذا يزداد شعورهم بالغربة يوماً بعد يوم ، وقد يغادر بعضهم بناءً على توفر وظيفة محترمة ضمن تخصصهم العلمي ، والآخرون يغادرون لتجربة حظهم في الحياة ، فيضطرون للعمل بأية مهنة حتى يحصلوا على دخل ويدخروا لموعد عودتهم للوطن. هؤلاء تكون غربتهم أشد من غربة الفئة الأولى لأنهم قد يعانون بعض المذلة في طلب الرزق عند الغرباء.
أما هنا في أوطاننا ، فالفقير هو الغريب ، لأن الفقر يجعل الناس تهجر الأسواق والمناسبات والتواصل مع الآخرين ، وكل ما يحاولون فعله هو السعي الدؤوب وراء لقمة العيش وحدها !!
في هذا العيد ، رأيت غربة الفقير ، فقد تصادف وجودنا ليلة العيد في أحد أسواق عمان التي غالباً ما تكون مكتظةً فوق العادة في الأعياد حتى تكاد لا تجد لنفسك موطئ قدم لكثرة الناس فيه ، وبرغم أن الشرطة كانت قد أقفلت مداخل هذا السوق أمام السيارات تحسباً للاكتظاظ ، إلا أنّ السوق كان أهدأ من العادة ، والناس تسير في الشوارع دون فرحةٍ باديةٍ على وجوههم ، وأغلب المشترين اكتفوا بشراء غرض ٍأو اثنين فقط للأبناء فكانت أحمالهم خفيفة ، وأنت تعتذر بخجل للباعة الذين يدعونك للدخول وهم يقفون أمام أبواب متاجرهم الفارغة من المشترين !!
أما يوم العيد نفسه ، فأنت لا تجد مكاناً ظليلاً تأخذ إليه أطفالك بعد زيارات الأهل ليلعبوا ، فالحدائق معظمها مكشوف للشمس وأغلب ألعابها قد حطمه الأطفال دون أن تتم صيانته لاحقاً ، أما مدن الألعاب المغطاة فهذه قصة أخرى ، فالأهل يضعون ثمن تذكرة واحدة خمسة دنانير لطفلين ليكون فيها عدد من الألعاب ، على أساس أن كل لعبة بنصف دينار، ولكنهم يتحايلون عليك لتجد أن معظم الألعاب بدينار أو دينار ونصف فلا تكفي التذكرة الواحدة لأكثر من ثلاثة ألعاب على الأكثر ، مدة كل منها لا يتجاوز الدقائق الثلاث ، فلا يمكنك قضاء أكثر من نصف ساعة في هذه المدينة التي استنزفت مالك ووقتك بلا فائدة ولا متعة لأطفالك الذين لم يرتووا من اللعب ، وقد تستنزف أكثر فيما لو خضعت لتوسلات أطفالك بالبقاء أكثر!!
أعياد الفقراء لا تزيد عن كلمة ( كل عامٍ وأنتم بخير ) ، فالصحة هي كل ما يأمل الفقير أن يحتفظ به في هذه الدنيا حتى يتمكن من الركض وراء لقمة العيش المغموسة بالغربة في قلب الوطن ، فكيف لا يحس الفقير بغربة وهو لا يملك أن يزور أسواق وطنه ويشتري حاجاته الأساسية إلا بصعوبة بالغة ، فيمرّ بالأسواق مرورَ الكرامِ حتى لا يخضع لإغراء شراءِ شيءٍ يتمناه ولا يملك ثمنه ، ولا يشتهي طفله شيئاً ما فينكسر قلبه وهو يتهرب من تلبية طلبه ، فيخفّف نزولَ أهلهِ للأسواق حتى لا يشاهدوا فيطلبوا ، ويتهرّب حتى يتألم !!
ومواطننا يتهرب من المناسبات مرغَماً ، فهي بحاجةٍ لمصاريف لم يعد قادراً على تلبيتها ، وربما نقوط العرس وملابس أهله حسب قربهم من أهل العرس والعيديات للأخوات والأرحام والأطفال ، وبُعدُ المسافات في ظلّ ارتفاع أسعارِ المواصلات المستمر ، فيقلّ تواصُله مع الآخرين إلا للضرورة القصوى ، فهل هناك أكثر من هذا غربة ؟؟
ندعو الله تعالى أن يفرج على أمته المسلمة ، فيأتي العيد القادم وقد نزلت الأسعار وزادت الدخول وتوسّعت الأرزاق ، وأقبلَ الجميعُ على الاستغفار وطلبِ الرحمة من الله تعالى حتى يعيد أمتنا العربية والمسلمة إلى طريقه القويم ويرضى عنا ، فلا نظلّ غرباءَ في أوطاننا ، وكل عامٍ والجميع بألف خير .
nasamat_n@yahoo.com