اعلم كم من الذين اسسوا الاعلام في هذا الوطن وقام الاعلام على اكتافهم ما زالوا على قيد الحياة. ولا اذكر اعلاميا واحدا من هؤلاء أو الذين فارقونا الى دار البقاء قد جرى تكريمه أو تخليد ذكراه. اقول قولي هذا وانا اقرأ او اسمع عن مؤتمرات وندوات ومهرجانات وحفلات ولقاءات و \"اووردز..\"؟؟!! اعلامية تعقد بين الفينة والاخرى يتنطح بعقدها اصحاب المصالح من خلال القدود الهيفاء الميساء او الاسماء اللامعة في عالم المال او المعونات المادية ولا يدعى للمشاركة فيها او ضيوفا عليها احدٌ من اعمدة الاعلام و مؤسسيه ، وكأن بهؤلاء الاعمدة وباءً او فيروسا او داءً معديا. او انهم يشكلون خطرا امنيا على هذا البلد الذي خدموه بمهجهم وجازفوا في سبيله بارواحهم. ولا اريد في هذا المقام ان اتحدث عن عمالقة اعلام امثال صلاح ابو زيد وعرفات حجازي ومحمود الشاهد وهند التونسي وميسون عويس وسلوى عنقود او حداد وغيرهم اطال الله في اعمارهم ممن لا اعلم عددهم كما اسلفت ، وعمر الخطيب وام المذيعين عائشة التيجاني ومن سبقها الى دار الخلود، بل ادخل الى صلب مقالتي هذه لأتحدث عن ذاتي لا من باب التفاخر او لمأرب شخصي لا سمح الله بل علني اكون ،مثل غيري من الاساتذة وأمثالي من الزملاء، عبرة لمن اعتبر لهذا النشىء الحديث من الاعلاميين الذين ندعوا لهم بالتوفيق . وابدأ بنبذ مختصرة عن سجلي الاعلامي.
بدأت العمل الاعلامي في اذاعة عمان عندما كان مقرها في جبل الحسين وقبل ان تنتقل الى ام الحيران. انتدبت لتأسيس اذاعة ناطقة باللغة العربية في ايران . ثم عملت مذيعا ومنتجا في هيئة الاذاعة البريطانية في لندن قبل ان استدعى للمساهمة في تأسيس التلفزيون الاردني عام 67 من القرن الماضي. وفي ظاهرة تستحق التأمل انني تسلسلت في عملي من محرر و مقدم لنشرات الاخبار الرئيسية ومرافق اعلامي لجلالة الباني الراحل الحسين العظيم الى مدير للتبادل الاخباري ثم مدير لدائرة الاخبار في مؤسسة الاذاعة والتلفزيون وبعدها عينت مديرا للاذاعة الاردنية ثم مديرا للتلفزيون وانتهى بي المطاف مديرا عاما لمؤسسسة الاذاعة والتلفزيون . وما قصدته \"بظاهرة تستحق التأمل\" انني تسلسلت، ولم اتسلل، في هذه المراكز دون ان يكون ابي وزيرا او امي سفيرة او استخدمت نفوذ اسرتي او عشيرتي او قبيلتي مع احترامي الشديد لكل العشائر والقبائل .
اما مما عايشته في حياتي العملية تغطية حروب الاستنزاف مع العدو الاسرائيلي ومنها غارة عين حزير الشهيرة قرب مدينة السلط يوم اصاب صاروخ سائقنا وهو على مقربة مني فبُترت ساقاه ومزقت كاميرا المصور صلية من احدى الطائرات المغيرة . ثم الدور الاعلامي الهام الذي اسند الي و بعض الزملاء امثال ابراهيم الذهبي وعبدالقادر الكردي رحمهما الله وتركي نصار ابان احداث ايلول وما تعرضت اليه من كمائن ، والتغطية الاعلامية للدور الاردني على الجبهة السورية في حرب تشرين عام 73 واذكر في هذا المقام عندما ضمني سمو الامير رعد بن زيد الى صدره اثناء زيارة تفقدية للراحل الحسين العظيم للجبهة وتحت قصف متبادل شديد بين قواتنا وقوات العدو الاسرائيلي راجيا ان اعود الى بيتي واسرتي واطفالي بدل المخاطرة بحياتي وكان جوابي ان من هو الان بيننا هو رب اسرتنا كلها وكنت اقصد الحسين العظيم.
واعود الى احد المسؤولين الامنيين وقد احيل مؤخرا الى التقاعد لاقول له ولامثاله : ان من يحمل ثلاثة اوسمة هاشمية تشيد بولائي لمؤسسة العرش الذي لم ولن يتزعزع حتى َنفَسي الاخير اشد اخلاصا ووفاء لهذا الحمى منه ومن امثاله.
و اذكر انه بعد ان ازحت من منصبي كمدير عام لمؤسسة الاذاعة والتلفزيون ،ان تقدمت بطلب الى احدى الفضائيات العربية؟ فرُفض طلبي بحجة انني اردني اكثر من اللازم كما ابلغني ممثلها هنا وهو( اردني جواز السفر)!! فقلت له اذا كانت هذه تهمة فانا فخور بان اكون كغيري من المواطنين ،ومن شتى المنابت والاصول ، شديد الانتماء الى الاردن وسيكون لي عودة في مقال آخر الى من هو الاردني المنتمي.
وفي جردة احصائية صغيرة فان عدد نشرات الاخبار التي قدمتها عبر شاشة تلفزيوننا الوطني تزيد عن سبعة الاف نشرة منها ما يربو عن الف نشرة بعد انتهاء عملي كمدير عام لمؤسسة الاذاعة والتلفزيون. وبلغ عدد كلمات جميع النشرات نحو مليار وثمانمائة مليون كلمة. وبلغت المسافة التي قطعتها بين عملي في هذه المؤسسة ومنزلي كالدوران حول الكرة الارضية وعلى خط الاستواء قرابة ثلاث مرات. وبلغ عدد الذين استفسروا عن حالي من المسؤولين مؤخرا صفرا تقريبا
واخيرا استعير عبارة كان يرددها استاذنا الكبير صلاح ابو زيد عندما كان يغيظه امر ما هي \" اخص عليكم \" واختم بان لا يتحول اعلامنا الى \"إِع...لام\"