مناسبة هذه المقالة تختلف عن سابقاتها التي كتبت فيها عن سلطة منطقة العقبة الإقتصادية الخاصة (السلطة) كونها تأتي مباشرة بعد زيارة ميدانية قام بها فريق وزاري مكون من (11) وزير ومدراء عامين لقضاء وادي عربة في جنوب المملكة برئاسة الدكتور عبد الله النسور، رئيس الوزراء، فما الداعي لهذه الزيارة الهامة بهذا الوقت بالذات.
للتذكير، فإن مساحة المملكة الأردنية الهاشمية تقسم الى (12) محافظة تشكل محافظة العقبة واحدة منها بنسبة حوالي 7% وبمساحة قدرها 6500 كيلومتر مربع. وتقسم المحافظة إدارياً الى لوائين (قصبة العقبة والقويرة) وقضائين (وادي عربة والديسة) وفيها خمس بلديات.
لقد شكل إنشاء السلطة بقانون رقم (32) لسنة 2000 وتعديلاته كيان جديد بصلاحيات على مساحات عرّفها القانون تحت المادة (2) كما يلي:
- المنطقة: منطقة العقبة الإقتصادية الخاصة.
- الإقليم: وهي أراضي محافظة العقبة التي تقع خارج حدود المنطقة ولا تدخل ضمن حدود وادي الأردن بمقتضى قانون تطوير وادي الأردن.
وتشير المادة (11) أ ، من القانون على ما يلي (تتولى السلطة إضافة إلى مهامها في المنطقة مسؤولية تنمية الإقليم إقتصادياً وإجتماعياً ووضع الخطط والبرامج اللازمة لذلك وتمارس لهذه الغاية أي صلاحية مخولة لها بموجب هذا القانون حسبما تتطلبه تنمية الإقليم ووفق نظام يصدر لهذه الغاية) فهل قامت سلطة العقبة الخاصة بتنفيذ القانون؟
لقد استهل دولة الرئيس كلامه في اللقاء مع المواطنين بتوجيه اللوم الى سلطة الإقليم (ويقصد بذلك سلطة العقبة الخاصة لأنها المسؤولة عن الإقليم وفقا للمادة 11 من القانون) لتقصيرها بإحداث التنمية الشاملة بالإقليم. وقد كان الرئيس حذر جداً في إنتقاء الكلمات لكي لا يحول هذا اللوم الى تعزير موجه الى إدارات السلطة المتعاقبة، لأن الفشل والتقصير واضح في قريقرة وبئر مذكور ورحمة وقطر وغيرها، مما استدعى الدولة المركزية الى التدخل بوزرائها لحل المشاكل العالقة هناك منذ سنين، على الرغم من ان سلطة العقبة الخاصة مخولة بموجب مذكرات تفاهم مع جميع الوزارات بالتدخل، ولكن هل فعلت السلطة شيئاً من هذا القبيل.
الجواب كان على لسان دولة رئيس الوزراء (حتى لا نُتهم بالتجني على السلطة) التي لم تقوم بالواجبات الموكلة اليها بأمانة، وذلك بتكليف الوزارات وسلطة وادي الأردن وشركة البوتاس والتي كانت حاضرة بقوة بالقيام بهذه المهمة بالنيابة عن السلطة التي غابت حتى عن هذا اللقاء الهام، وقد تحدث وزير المياه عن المخطط الشمولي للمنطقة، وعن محاوره الأربعة وكيف ستوزع الأراضي على (600) عائلة لغاية الزراعة المروية، وعن حفر الآبار الإرتوازية، وعن استعمالات الأراضي ومناطق التعدين وعن ناقل البحرين وسكة الحديد، فأين سلطة العقبة من كل هذه المشاريع التي تقع ضمن نطاق مسؤوليتها.
إن حضور محافظ العقبة النشيط، ووجود وزراء الحكومة المركزية ورئيس مجلس إدارة شركة البوتاس العربية لهو دليل على أن هؤلاء هم اللاعبين الرئيسين في إقليم العقبة، وأن غياب السلطة وممثليها عن اللقاء ما هو إلا دليل على عدم الرضى عن أدائها المنقوص.
لن أكرر ما كتبناه مرراً عن بيع أراضي الميناء بسعر بخس، ولا عن صغر مساحة الميناء البديل، ولا عن ميناء الغاز بدون بناء مستودعات تخزين مما استدعى استئجار باخرة بمئات الملايين لتعمل كمستودع للغاز المسال، ولا عن المساحات الشاطئية المهدورة، ولكني ساتحدث بلغة الأرقام التي كشف عنها تعداد السكان والمساكن 2015 والتي اظهرت بأن عدد سكان العقبة قد إنخفض عما كانت عليه قبل إنشاء المنطقة الخاصة، أي أنها منطقة طاردة للسكان، وهل يعقل هذا بعد ان دعمتها الدولة وتخلت عن جزء كبير من الإيرادات التي كانت تسدد للحكومة المركزية بغرض دعمها.
إن هذه النتيجة وحدها كافية لأن تؤكد ما لمح اليه دولة الرئيس النسور، ومفاده أن مشروع العقبة الإقتصادية الخاصة قد فشل في إحقاق التنمية في المنطقة والإقليم، كما انه فشل في التشغيل الذي وعِدنا به وهو 200 ألف خلال عشر سنوات، وأن تنثر الرمال ذهباً....!!
لو كنت مكان دولة الرئيس لأستئذنت جلالة الملك عبد الله بن الحسين بالتنسيب لحل هذه السلطة وإلغاء قانونها، لأن التطبيق أفشل الفكرة بعد أن انحرفت عما خطط لها كما في الدراسة الأصلية التي قامت بها مجموعة الخدمات الفنية Technical Service Group فهل هذا ممكن من الناحية العملية بعد ان تشكلت منظومة إدارة وملكية معقدة تدخل فيها شركة تطوير العقبة وشركة الموانيء والمطارات والفنادق والفوسفات والبوتاس والجمارك.
نعم ممكن... حيث يتم تطبيق قانون اللامركزية على محافظة العقبة كغيرها من المحافظات الأردنية، وبذلك يكون مجلس المحافظة المنتخب هو الخلف القانوني للسلطة بعد حلها، ويكون المجلس التنفيذي المحرك الرئيسي للتنمية، وبذلك يتم تعميم التجربة على باقي المحافظات التي استحوذت فيها المناطق التنموية الخاصة على حصة الجمل، بدون إحقاق الغرض من إنشائها، حالها كحال سلطة العقبة، التي اصبحت عقبة بحد ذاتها أمام التنمية المتوازنة.