يلوح لي من خلال ساحة المشهد الواقع ، أنّ الصهيونية قد أَزِفَت على حرف البَوار ، وباتتْ بين عشيّة أو ضحاها ، تتوقع الصّاخة الأخيرة ، والمصرعَ الأكبر ، والانهيار المدوّي ، والتتبير لكلّ علوّ أعلته وعلتْه ، وإنّه لجديٌر بكل من يحث مطيّة العقل إلى منابع التاريخ – لتكون عظة له وعبرة لغيره - أنْ ينظر أعطافها ، ويتدبر أحداثها ، فإنّ في ذلك عَقدَ مقايسة لا تبتعد عن عين القرطاس ، وإنْ لمْ تصِبْ فلا بُدّ أنْ تتموْسقَ مع الحقيقةِ أو تُدنْدِن حوْلها ، ولعمري إنّ كل ذي مِسكةٍ من العقل ، الذي يفضي إلى منابع الحقيقة ، ولا تغره مظاهر الأمور ، ولا تخدعه الأباطيل ولا تخطِف عينيه الزخارف ، ليَتحقّق بعين اليقين ، فيبلغ سامقة اليقين ، إنّ ما كان ضرّا سيعود نفعا ، وإن ما كان هزيمة سيعود نصرا ، وإنّ ما كان خوفا سيعود أمنا ، وإنّ ما كان ظُلما سيعود عدْلا ، وإنّ ما كان شرّا سيعود خيرا ، وإنّ ما كان مدنّسا سيعود مقدسا ، وإنّ الشمس ستطلع من مشرقها ، وإن الأمر سيعود إلى نصابه ، وإن الوقت سيعود إلى ما كان عليه وكما أراده الله ، وإن المؤمنين سيستخلفون الأرض ، ويتبّرون ما علا بنو صهيون تتبيرا ، وسيدخلون المسجد كما دخلوه أول مرة ، ويكبرون باسم الله تكبيرا ، ولقد ضرب الله الأمثال للناس لعلّهم يتفكرون ويتذكرون. وأيْم الحق ، لن ينفع اليهود حَدّ ، ولن يعصمهم مَدّ ، ولن تقيَهم جدرُهم ولا قلاعُهم من أمر الله ، فقد جاء أمر الله فلا تستعجلوه . فكل الدلائل والشواهد ، ماثلة للعيان ، غنيّة عن البرهان ، وهل يحتاج الصبح إلى دليل ، وقد أفضت الأمور إلى ما لا يمكن إنكاره .
أجل أيها السادة :
في كلّ شيء له آية ----------- تدلّ على أنّه واحد .
لقد تلونا الكتب المنزلة ، والأحاديث النبويّة ، وسبرنا أغوار وقائع التاريخ ، وتدبّرنا أمثال الأمم ، وتأمّلنا حِكم الحكماء ، فما وجدنا إلا ما يفضي إلى ما أوْمأنا إليه ، إنّ غاية الظلم والاستبداد ، الندم والآلام ، وإنّ غاية الأهواء الفاسدة الهزيمة والحسرة ، وإنّ غاية الظلم الندم ، وإنّ غاية استعباد الشعوب وقتلها وتشريدها ظلما وزورا وبهتانا الخيْبة ، وإنّ غاية التكبّر والتجبّر قاصمة الظهر ، أجل أيها العرب ، إنّه الظلم والاستبداد والقهر والتكبّر والتجبّر والفساد الكبير الذي تواكأ
عليه اليهود ومن والاهم ،وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون ، وإنّ ناموس الكون يحدثك بحقيقة الخبر ، وينبئوك أين المستقر ، سيصلون سقر ، سيأتي اليوم الذي يتداعى فيه ما علو ، وسيأتي اليوم الذي سينقطع فيه حبل الناس عنهم ، وسيأتي اليوم الذي تتمرد عليهم الأمم الأبية ، وسيأتي اليوم الذي يصبحوا فيه كالبعير الأجرب ، يتحاماه كلّ ذي حصافة وإباء ، فلقد انكشفت سوأتهم أمام الأمم ، ولم يبق لهم إلا ناعق أو عاوٍ أو نابح .
ويْهًا حماة الديار، ويْهًا حرّاس العقيدة ، ويْهًا أمّة خير الأنام ، ومصباح الظلام ، إنّ انتهاء اليهود يتكئ على شرطين متضاديْن ، الأول لهم والثاني لنا ؛ فأّما الأول فهو الفساد الكبير ، وقد تحقق ، ألم ترى كيف فعلوا ، بصبرا وشاتيلا ؟ ألم ترى كيف فعلوا بدير ياسين ؟ ألم ترى كيف فعلوا بغزة هاشم ؟ ألم ترى كيف فعلوا ويفعلون كلّ يوم بل كل لحظة بأبناء فلسطين الأبية ؟ ألم ترى كيف يفعلون بالأطفال الأبرياء والنساء العوازل والشيوخ العجّز ؟ ألم ترى كيف فعلوا ويفعلون بالمساجد والكنائس ودور العبادة ؟ ألم ترى كيف فعلوا بالأشجار والأحجار ؟ ألم ترى كيف .........؟ أجل أيها السادة ،سيأتي اليوم الذي ينقطع فيه حبل الله عنهم ، فوجودهم مرهون بحبلين حبل من الله وحبل من الناس قال تعالى : (إلا بحبل من الله وحبل من الناس ) ، ( إنّ ربّك لبالمرصاد ) ، ( ألم ترى كيف فعل ربّك بعاد ، إرَمَ ذات العماد ) ، وأمّا الشرط الثاني فهو : أنْ ترجع أمّة محمد لدينها ، وتحكم كتاب الله في شرطها ، وبهذا ينطبق عليها قوله تعالى : ( عبادا لنا أولي بأس شديد ) ، وهذا الشرط لا يحتاج إلى وقت ، فالرجوع إلى الله سريع ، \"والصُلْحَة لمْحَة \" كما يقولون ، وما أسرع الصلح مع الله ، لذا لا تيأسوا ولا تقنطوا من روح الله . أليس الصبح بقريب ؟ بلى وربّي إنّه لحقٌ مثلما أنّكم تنطقون ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، وإنّ غدا لناظره لقريب .
الدكتور محمود سليم هياجنه .