حقائق الأمم المتحضرة كثيرة وراسخة لا يجروء احد الاقتراب منها والتلاعب بها ، فثابت احترام حقوق الإنسان والديمقراطية ومؤسساتها المتعددة نقابية أو عمالية او منظمات مجتمع مدني واحترام الفرد بأفكاره وقيمه ومعتقداته ركائز قوة تلك ألدول وتحظى إلى جانب ذلك باحترام المجتمع الدولي لها ، وكذلك فأن ثابت الأنظمة والقوانين التي تحكم العلاقة بين الدولة والمجتمع وبين فراد المجتمع بعضهم ببعض هي ركيزة أخرى من ركائز قوة تلك الدول حتى لو تخطت بعضا من قوانين المجتمع الدولي باعتداء و احتلال او قرصنة كما تفعل أمريكا أو إسرائيل أو بريطانيا أو فرنسا في العديد من مناطق العالم فهي لازالت تحظى باحترام الدول في العالم لأنها رسخت النظام الديمقراطية من جهة واحترام حقوق الإنسان من جهة أخرى .
الأردن حاول دون جهد ومنذ عقود طويله ولأسباب لا تتعلق أبدا ببناء الدولة الديمقراطية الحضارية أو منح الناس حقوقهم الديمقراطية لتي أقرتها أنظمة العالم وقوانينه ، بل كانت استجابات مؤقتة لمنعطفات سياسية واقتصادية كانت تفرض وجود مجالس نيابية من جهة او تخفيف حدة القوانين العرفية التي عانى منها الناس ما عانوه لسنوات كادت إلى حد ما ان تبدل الكثير من طبيعة نظام الحكم في البلاد ، فكان لا بد من تنفيس الضغط واحتواء الأزمات والمرور بسلام دون تأثيرات لا يمكن التنبؤ بنتيجتها على صعيد داخلي او خارجي !!
الوضع ومنذ عهد الخمسينات لم يتبدل كثيرا والأوضاع باتت من سيء إلى أسوا على كافة الأصعدة اقتصاديا وسياسيا و اجتماعيا ، فلا القوانين التي تؤسس لنظام ديمقراطي حضاري كنت ثابتة او حتى كانت تحظى باحترام الحكومات نفسها التي تتطاول عليها وتنخرها بالتعديلات كلما اقتضت الحاجة الآنية الضيقة لذلك ، فقانون الصوت الواحد ومنذ بدء العمل به عام 1993 تعرض لأكثر من تعديل يخرج علينا بقانون مؤقت لا يشارك احد من الساسة ولا الأحزاب والمستقلين بإعداد نصوصه ، ولم تكن قوانين احترام حقوق الإنسان وحرية التعبير والرأي وممارسات الحكومات حيال المطالبين بحقوقهم المعاشية او النقابية حققت تطورا عما كان عليه الحال منذ عهد الخمسينات بل انها شهدت تجاوزات خطيرة وصلت حد الاعتداء والحبس والرمي من السيارات وإحالات إلى الاستيداع والنقل التعسفي من محافظة الى أخرى كما جرى مع المعلمين المطالبين بحقوقهم النقابية ، وكذلك أبدعت الحكومات بإقرار قوانين عدة وإجراءات قيدت من حرية الرأي والفكر ونجحت الحكومات باسم الديمقراطية من إسقاط قوانين عرفية بغياب البرلمان( المغيب قسرا ) للحد من حرية التعبير وكان أخرها قانون جرائم المعلومات سيء الذكر الموجه إلى المواقع والصحافة الالكترونية الناقدة والكاشفة لمواقع ومكامن ورموز الفساد في الدولة فكان لا بد من إسكاتها بقانون عرفي لم يسبقنا له احد في العالم !
إن كان البعض يبحث عن أمن شخصي أو امن وظيفي في بلادنا وهم الكثر الكثر ، فان الأكثرية العظمى من مواطنينا تبحث عن \" أمن ديمقراطي \" ثابت لا يتزعزع بأهواء وأمزجة رؤساء الحكومات ويجعله مطية لظروف أو حاجة آنية تضعف قوته وتضعه في مهاب ريح تغييرات اقتصادية او اجتماعية او سياسية محددة ، فألاصل ان تستجيب القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمتطلبات الديمقراطية وتعزيز قوتها وثباتها وليس العكس ، فالغالبية العظمى من القوى العاملة في التعليم والصحافة وقطاعات الشباب والطلبة والمراه ومختلف العاملين في المهن التي حرمت الحكومات مهننة عملهم يحلمون بأمن ديمقراطي يوفر لهم مؤسسات وطنية وديمقراطية راسخة وثابتة تحول قوتها من شر التلاعب الحكومي بها وتعريضها للضعف والمهانة كما تعرض له مجلس النواب عماد مؤسساتنا الديمقراطية الذي تم التطاول عليه بقوانين وإجراءات لم تلقى الترحيب من احد وأضعفت همم الناس نحو المشاركة في الانتخابات سواء أكانوا مرشحين ام ناخبين .
تكمن قوة البلاد ليس في قوة الحكم وحده وخاصة في ضل استياء واسع حيال القوانين والأحكام شبه العرفية التي تطل برأسها كلما دعت النزوة لذلك كما تجري الأمور هذه الأيام ، بل إن قوة الدولة محكوم بتوافق الحكم والناس حيال ثبات وقوة القوانين التي تدفع الناس للمشاركة في بناء الوطن ومؤسساته الديمقراطية من جهة ، واحترام حرية تعبيرهم من جهة أخرى ، ودون ذلك مما هو غير متوفر هذه الأيام بسبب ممارسات الحكومة وأفعالها ما هو إلا ضرر بالغ يقع على جدار الوطن ، ولن يؤسس أبدا لأية ثقة ونهجا حقيقيا لبناء الأردن الوطني الديمقراطي الذي طال حلم تحقيقه ..