\"ننتظر منكم الاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي\" هذه العبارة قالها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مخاطبا الرئيس الفلسطيني محمود عباس في واشنطن خلال الحفل الافتتاحي لمباحثات السلام التي انطلقت مؤخرا بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي برعاية أمريكية .
وهذا بحد ذاته يعتبر شرطا مسبقا يطرحه نتنياهو على الفلسطينيين قبل بدء المفاوضات , فالاعتراف الفلسطيني ب(يهودية دولة إسرائيل)إذا حصل , يعني هذا انه انتزاع اعتراف علني صريح من الخصم الرئيسي لليهود في الصراع على الأرض بالشرعية الدينية والتاريخية لكل ما تطرحه الحركة الصهيونية (باعتبار أن اليهود هم أصحاب الحق الإلهي بالأرض الموعودة ), ويعطي هذا تبريرا لكل ما فعلة اليهود بحق الفلسطينيين وفلسطين منذ بدء القضية الفلسطينية وحتى الآن , وهذا اخطر ما يمكن أن تواجهه هذه القضية في المستقبل ... لأنه يقلب الحقائق التاريخية رأسا على عقب , ويريح هذا الاعتراف المفاوض الإسرائيلي , على اعتبار انه صاحب الحق والشرعية للأرض باعتراف العدو الفلسطيني المغتصب لأرض إسرائيل التاريخية , الذي علية أن يذعن ويقبل ويرضى بما قد تتكرم به إسرائيل علية وتقدمه له شاكرا حامدا .
وهذا الكلام عن( يهودية دولة إسرائيل) ليس بجديد ,فقد كان أول ظهور لهذه الفكرة الصهيونية القديمة بوضوح في كتاب ( الدولة اليهودية ) لمؤلفه الزعيم الصهيوني المعروف ( ثيودور هرتزل ) , التي تعمقت من خلال قرارات المؤتمر الصهيوني الأول عام م1897 في مدينه بازل السويسرية بزعامته أيضا ,و يهودية الدولة تعني حسب الفهم الإسرائيلي وحسب معتقدات اليهود أنها دولة سكانها من اليهود فقط لا يشاركهم فيها أحد غيرهم , وأن حدودها هي من الفرات إلى النيل حسب العبارة الشهيرة المكتوبة في الكنيست الإسرائيلي ( ملكك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل ), ويرمز إلى هذا (العلم الإسرائيلي ), فهذه الفكرة إذن هي أهم مقومات الفكر الصهيوني والهدف المستقبلي لطموحه وغاياته .
ومن الملاحظ أن كل سياسات الحركة الصهيونية ومنذ نشوءها تصب في هذا الاتجاه من حيث ابتلاع الأرض الفلسطينية وتهويدها تدريجيا بشتى السبل والوسائل, ثم عملت الحركة الصهيونية على خلق الدولة تدريجيا ,ففي البداية طالبت بإقرار حق إسرائيل بالوجود , ثم سعت إلى الاعتراف العالمي والعربي بها كدوله مستقلة ذات سيادة , و الآن يريدون الحصول على اعتراف العالم والعرب والفلسطينيين , بأن (إسرائيل )أصبحت دولة يهودية خالصة .
كل الساسة و القادة الإسرائيليين من مختلف الأحزاب والكتل والاتجاهات السياسية يجمعون على تبني هذا الشعار, حتى أن الكنيست الإسرائيلي اتخذ قراراً بتاريخ 16/7/2003 تم اقتراحه من قبل كتلة الليكود يقضي بضرورة تكريس فكرة (يهودية الدولة) وتعميمها عالميا ، ومحاولة الحصول على اعتراف الفلسطينيين أنفسهم بهذا القرار, فهذا المشروع لا يكتمل إلا بموافقتهم , وقد حاولت إسرائيل الحصول على موافقة فلسطينية بخصوص ذلك ( رفضها الفلسطينيون ),في مؤتمر (أنا بوليس) تشرين الثاني 2007 , كما تقوم إسرائيل بغرض هيمنة مفهوم يهودية الدولة على الأرض , بِسَن القوانين و تعديل ما هو قائم منها في عملية فرض لسياسة الأمر الواقع على المواطنين الفلسطينيين في الأرض المحتلة .
يعني الاعتراف،ب(يهودية الدولة) ، تصفية نهائية للقضية الفلسطينية برمتها وإلغاء كامل وتفريط بكل الحقوق العربية الإسلامية فيها , ففلسطين كانت وما زالت وستبقى عربية وهي أيضا جزء لا يتجزأ من المنطقة العربية , (وهذا من المفترض أن يكون عندنا كعرب ومسلمين من المسلمات وغير قابل للنقاش والاجتهاد والتفاوض) ,نعم هي ارض عربية , هذا هو منطق التاريخ والجغرافيا والواقع , وسكانها الأصليين منذ الأزل هم العرب حتى إلى ما قبل (الكنعانيين و اليبوسيين العرب ) , وما زعم اليهود في توراتهم المزورة في تاريخ أسطوري يعود إلى ثلاثة الآلاف عام انهم كانوا قد (دخلوا أرض كنعان....الموعودة .... بقوة السلاح واحتلوها احتلالا وهدموا القرى والمدن وقتلوا آلاف من سكانها الفلسطينيين وتشريد الباقي ), هو كذب وتدليس وتزوير , فحتى المهاجرون الأوائل من المجرمين الأوربيين إلى القارتين الأمريكيتين وبكل ما يحملونه من أسلحه فتاكة ووحشية وهمجية لم يستطيعوا القضاء على السكان الأصليين ( الهنود الحمر ).
فإسرائيل بإصرارها على الفلسطينيين والعرب بالاعتراف ب( يهودية الدولة ) كشرط مسبق لدخول المفاوضات , هذا في حد ذاته بالإضافة انه يتضمن إلغاء للحق التاريخي والطبيعي للعرب الفلسطينيين في أرضهم , فهو يمحو ويلغي خمسة عشر قرنا من التاريخ العربي الإسلامي المتواصل إلى الآن في فلسطين, بعد معركة تحرير بلاد الشام من الاحتلال البيزنطي ( معركة اليرموك ) و استلام عمر بن الخطاب لمفاتيح القدس من البطريرك صفرونيوس بعد ( العهدة العمرية ..... التي اشترط فيها صفرونيوس عدم دخول اليهود إلى القدس ), وإلغاء أيضا لتاريخ صراع العرب والمسلمين وتضحياتهم وبطولاتهم مع الغزاة المستعمرين فيما بعد مثل الصليبيين والمغول في معركتي حطين وعين جالوت الشهيرتين , بحيث يصبح هذا التاريخ مجرد صراع بين المستعمرين على ( أرض إسرائيل ), هذا الاعتراف يلغي ويمحو كل هذا التاريخ البطولى للمقاومة الفلسطينية والعربية ضد الوجود الصهيوني و يجعل من العرب الفلسطينيين مجرد مغتصبين ( لأرض إسرائيل ),ويعطي لإسرائيل التبرير والحق بكل ما أوقعته بهم من قتل وتنكيل وتشريد , انه إنهاء لحق عودة (ستة ملايين لاجئ فلسطيني) إلى وطنهم (قرار194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1948)، وإلغاء حتى للشرعية الدولية المتمثلة بقرارات ( 181) ( 242) ( 338 ) , ويعطي إسرائيل الذريعة بطرد من تبقى من الفلسطينيين خارج فلسطين بغرض نقاء الدولة اليهودية .
فإذا أراد المفاوض الفلسطيني أن يلعب مع الإسرائيليين ( سياسة) ويستمر بهذه اللعبة معهم , في سلسلة هذا التفاوض الذي لا يكاد ينتهي ؟؟؟؟......ولن ينتهي!!!!, أن يطرح فكرة (الدولة الفلسطينية العربية الإسلامية ) ويطلب اعتراف إسرائيلي بها مقابل الاعتراف بفكرة ( يهودية إسرائيل كدولة )... نعم اعتراف متبادل ... على الأقل ( تعادل ) حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا ؟؟؟؟؟ .... كي يكون ... (التاريخ مقابل التاريخ ) و (القومية مقابل القومية) و( الدين مقابل الدين) و( الشعب مقابل الشعب).... فهل يقبل نتنياهو بذلك ؟؟؟؟؟
طلب عبد الجليل الجالودي
Talabj@yahoo.com