زاد الاردن الاخباري -
حسان التميمي- تقدم لخطبتها، بعد أن وجد فيها مواصفات الزوجة الصالحة، غير أنها اعتذرت بأدب وقالت "أهلي يشترطون زواج شقيقتي الكبرى أولا".
هكذا يروي الثلاثيني قيس محمد، قصة تقدمه لخطبة إحدى الفتيات قبل ثلاثة أعوام، حين شاهدها في مكان عملها وارتاحت لها نفسه، وانشرح صدره لما وجد فيها من صفات صالحة، فتمنى أن يتزوجها.
ويقول "بعد البحث وجمع المعلومات عن الفتاة وأسرتها، طلبت من والدتي أن تفاتح الفتاة بشأن رغبتي في الزواج منها، غير أنني صدمت لردها على والدتي بأن أهلها يرفضون زواجها في الوقت الحالي، لأن شقيقتها التي تكبرها بعامين لم تتزوج بعد".
ويضيف قيس أنه رغم قناعته بأن الزواج قسمة ونصيب، غير أنه تمنى لو كان الرفض للعريس وليس لفكرة الزواج، رائيا أن استمرار رفض عائلة الفتاة للعريس تلو الآخر، حتى تتزوج البنت الكبرى سينتهي إلى النتيجة ذاتها، حيث ان الابنة الصغرى تكبر لتكرر التجربة مع باقي شقيقاتها.
ويعزو قيس، الذي يعمل مستشارا في إحدى الشركات الدولية، اشتراط بعض الأسر زواج البنت الكبرى إلى الصورة الذهنية للخطاب الثقافي والإعلامي للمجتمع بخصوص المرأة ومكانتها، والأسئلة التي يطرحها الناس حول تأخر زواج البنت الكبرى، والتي لا تخلو من التشكيك تارة، ومن الشفقة تارة أخرى، من عيار "لماذا لم تتزوج بعد، وهل هنالك عيوب أو مشاكل حالت دون ذلك؟".
ولا تقف قصة قيس وحيدة في هذا السياق؛ إذ يروي مواطنون العديد من الحالات المشابهة لعائلات اشترطت زواج البنت الكبرى أولا، ما تسبب برفع سن زواج شقيقاتها وساهم بخلق مشكلة اجتماعية ذات تداعيات خطيرة، من خلال رفع نسبة العنوسة في المجتمع.
ويحذر مدير أوقاف محافظة الزرقاء منذر القضاة، من أن لجوء بعض الأسر إلى اشتراط زواج الأخت الكبرى مخالف للشريعة الإسلامية، ومخالف للعرف، وأن الأب الذي يحول دون زواج ابنته لهذه الأسباب آثم، حيث جعل الخالق سبحانه استمرار النوع الإنساني على الأرض منوطاً بالتزواج، واستمرار النوع هدف وغاية للخالق سبحانه وتعالى.
ويشير القضاة إلى أنه قد يحصل في بعض الأحيان انزعاج من أحد أطراف الأسرة لزواج الأخرى، ولكن لو أخذ الأمر من ناحية الرضا بما قسم الله و الأمل بمنه ورزقه، فإن الله لابد و أن يعوضها عن ذلك إن صبرت واحتسبت و فرحت لأختها، ولم تحسدها على فضل الله عليها، وتوكلت على الله في أن يرزقها كما رزق غيرها أو خيرا من ذلك.
وفي هذا الشأن، تقول "ميسون"، التي اختارت هذا الاسم لإخفاء هويتها، إن والدها وضع نظاما صارما يقضي برفض تزويج البنت الصغرى قبل الكبرى، وتضيف أنها بلغت من العمر 38 عاما من دون أن "تفتح" أمامها فرصة للاقتران بالزوج المناسب، بسبب رفض والدها المستمر الموافقة على زواجها قبل شقيقتها الكبرى، حتى فاتها قطار الزواج، حسبما تؤكد.
وتقول ميسون، إن ذنب الفتاة، في حال تأخر زواجها لسبب مماثل، يقع على ولي أمرها لأن لكل إنسان كتابا ونصيبا.
وفي المقابل، يحمل محمد حسن، رأيا مخالفا، بتأكيده أنه لابد من زواج البنت الكبرى أولا، ثم التي تليها، ولا يمكن حدوث العكس، لما يترتب على ذلك من الغيرة والحسد وعدم الوفاء بين الشقيقات، لافتا إلى أنه اشترط عقب وفاة والده أن تتزوج شقيقته الكبرى أولا، وأن هذا الأمر، وفقا له، قد زاد من فرص الحصول على زوج مناسب لجميع شقيقاته.
بدوره، يقول الخبير التربوي قاسم محمد، إن الوصول إلى السن التي يكتمل فيها بلوغ الشباب والفتيات نفسيّا وعقليّا وبدنيّا، يجعلهم أكثر قدرة على تحمل واجبات الزواج،
محذرا من أن تأخر الزواج إلى مثل هذه السن قد يعطِّل الطاقات، وينحرف بها إلى طريق غير صحيح، وربما يساعد على انتشار الفاحشة، كما أن التأخر في الزواج يرهق الشباب والفتيات من أجل حفظ أعراضهم، وردع النفس عن اتباع الهوى.
ويضيف أن الزواج هو السبيل الشرعي لتكوين الأسرة الصالحة، من خلال رابط إنساني وثيق تتحقق به السعادة، وتقر به الأعين، إذا روعيت فيه الأحكام الشرعية والآداب الإسلامية، رائيا أن اشتراط بعض العائلات للترتيب العمري للزواج، هو جزء من بعض عادات المجتمع البالية.
أما المرشدة الاجتماعية في مركز التوعية والإرشاد الأسري إيناس ضرغام، فتقول إن تأخر سن زواج البنت الكبرى يشكل مصدر قلقا حقيقيا للأسرة، فهي تعيش في صراع بين تزويج الصغرى والخوف من أن يصبح مصيرها كالكبرى.
وتضيف أنه يجب الإيمان بأن المحصلة النهائية على المستويين الديني والاجتماعي في الزواج، منوطة بالنصيب والقدر، ويجب أن تعطى كل فتاة تصل إلى سن الزواج الرأي وحرية الاختيار في الزوج الذي ستتزوجه.
وتحذر ضرغام، من أن الأثر السلبي من الناحيتين النفسية والاجتماعية، سيكون مضاعفا إذا كانت الشقيقة الكبرى سببا في تأخر زواج باقي شقيقاتها، سواء كان ذلك بإرادة منها لرفضها أو لرفض عائلتها، مضيفة أن ذلك سيولد الحقد والضغينة تجاه الشقيقة الكبرى وتجاه الوالدين.
وكانت دراسة علمية حذرت من ارتفاع نسبة العنوسة في الأردن والعالم العربي، نتيجة للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في المجتمع.
وبينت الدراسة، التي أعدها العام الحالي أستاذ علم الاجتماع الدكتور إسماعيل الزيود، بعنوان "واقع العنوسة في العالم العربي"، أن عدد الفتيات اللواتي تجاوزن الثلاثين عاما في الأردن، تجاوز مائة ألف فتاة حتى نهاية العام 2007، وأن متوسط سن الزواج في الأردن يصل إلى 30 سنة للذكور، و29 سنة للإناث.
وأوصت الدراسة بضرورة نشر الوعي حول حجم مشكلة تأخر سن الزواج في المجتمع، وتخفيض المهور والضغوطات والأعباء المادية، وضرورة أن يغير الشباب والفتيات من شروط شريك الحياة.
كما أوصت الدراسة بأهمية نشر الوعي الديني، وتهيئة حملة توعية للشباب بضرورة الزواج، ووضع حد للزواج من الأجنبيات، وتيسير أمور الزواج، وتشجيع الأهل للشباب على الزواج.
وكان عدد من مؤسسات المجتمع المدني أطلق خلال الأعوام الماضية حملات إنسانية واجتماعية للحد من ارتفاع نسب العنوسة والعزوف عن الزواج بين الشباب.
الغد