من منا لا يعرف نابليون بونابرت, حاكم فرنسا وملك إيطاليا وإمبراطور الفرنسيين ،الذي عاش خلال أواخر القرن الثامن عشر وحتى أوائل عقد العشرينيات من القرن التاسع عشر وكانت لأعماله وفتوحاته بالغ الاثر على السياسة الأوروبية والعالم ,فخلافا لكل الانجازات العسكرية والسياسية التي حققها, ترك نابليون إضافة هامة إلى علم النفس الذي تطور خلال القرون الثلاثة الماضية ، إذ كان برغم كل سلطاته يشعر بعيب خلقي ويظن أنه قصير القامة ..وهذا ما جعله يعوض نقصه الجسمي بحب التسلط والجبروت ، فشغلت ظاهرته العلماء فترة طويلة من الزمن إلى حين إثباتها كنظرية علمية ، ليطلق عليها أخيرا، عقدة نابليون ...
معرفة ألاشخاص المصابين بهذه العقدة سهلة جدا ، فستجدهم يعمدون الى تعليق الصور على حائط منزلهم في مستوى منخفض جدا مقارنة بالأشخاص الذين من نفس طولهم ! ..و أحيانا يحاولون العراك مع أشخاص أكبر منهم بنيانا وأقوى جسماً, أو التشبه بهم فقط حتى يقنعوا أنفسهم ومن حولهم أنهم أقوياء رغم قِصر قامتهم ، إلا أن محاولاتهم هذه للتعويض عن النقص توصلهم الى التعالي والتكبر والغرور, وللأمانة العلمية ليس كل قصير مصاب بهذه العقدة وتنطبق عليه هذه النظرية, والمصاب بعقدة نابليون تجده دائم الحديث عن نفسه وتكثر كلمة " أنـا " في حديثه ..فيتكلم دوما عن إنجازاته دون أن يُسأل عنها .. ولا يتحمل أن يكون مُخطئا أبداً .. ويتحدث بأنه نال إعجاب فلان وعلان ..وتراه دوما يبحث عن عبارات المدح والثناء ..ويهوى مقارنة نفسه بالآخرين, وبخاصة الأذكى والأعظم منه في محاولة لإثبات أنه الأفضل دوما,
إذا .. ما قصة عقدة نابليون و المسؤول و وصفي التل ؟ القصة ببساطة أن مسؤولا في إحدى المؤسسات الحكومية, أمر قسم الديكور الخاص بالمؤسسة بإعداد واجهة صور مرسومة بالفحم لكافة المدراء السابقين وحتى أُولئك الذي شغلو المنصب بالوكالة لفترة من الزمن ، وواجهة اخرى لرؤساء مجلس الإدارة السابقين , المهم في واجهة الصور الأولى أنها ستُقحم صورة المسؤول الحالي قصرا وقهراً, ضمن المدراء السابقين كونه مدير عاما بالوكالة ، وهي سنّة جديدة لا تصب إلا في هدف واحد : البحث عن اي وسيلة تزج بصورته جنبا إلى جنب مع صورة وصفي التل ,التي تزين كل الصور, فهي ليست صورة مرسومة بالفحم, بل هي صورة محفورة في قلوبنا بالدم، فهل يحق له ذلك ؟ تمنيت كثيرا ان أدخل يوما إلى دائرة حكومية واحدة ، فألمح صوراً للشهيد وصفي التل أو الشهيد هزاع المجالي او المرحوم حابس المجالي معلقة على أحد جدرانها ، لكن لم يدر في مخيلتي أبداً ان تتحق هذه الامنية بوجود صورة هذا المسؤول في السياق ذاته ، فهل ينجح (المنشق السابق) أخيراً في إيجاد سياق مشترك يتغلب فيه على تاريخه ، لتأمين مكان يحسن به صورته إلى جانب شهيد الامة والوطن وصفي التل, الذي ما زلنا نذرف الدمع عليه وعلى الشهيد الذي سبقه ؟.
الجدارية الجديدة كلمة حق أريد بها باطل ، فالشهيد وصفي التل زعيم وطني حاضر في ذاكرة الاردنيين جميعا كرئيس وزراء أسبق, ولا يحتاج للتذكير بأنه كان يوما مديرا لدائرة حكومية يرأسها حاليا المسؤول (المنشق السابق ), الذي كان في المعسكر المعادي وفي خندق واحد مع الجهة المسؤولة عن إغتيال التل ، وإذا كان ظاهر الفكرة تكريم الشهيد الذي غاب ، فعلينا أن نكشف باطنها ونقف وقفة رجل واحد لنعبرعن ضمير الغائب الحاضر، فوصفي لا يزال الأكثر حضورا منذ تجرأت آيادي الغدر على إغتياله، فأين كان المسؤول (المنشق السابق) حينها؟ هل كان مزارعا؟ جنديا؟معلما؟موظفا؟مواطنا صالحا؟ هل اهتزت مشاعره لفاجعة الاردنيين؟ هل بكى دمعا حيت بكى الاردنيون وصفي دماً وأقسموا على الثأر له حينها؟ نعم نحن النشامى نسامح بكرمنا وآصالتنا ولكننا لا ننسى أبداً, لا يُكرم وصفي بجدارية , فوصفي هو من يُكرم كل جدار وتراب وأرض وسماء واسم وعنوان وهوية.
وصفي التل صورة حية في ضميرنا ووجداننا ، والعفو الذي ينعم به أعداء الامس كان غاية قانونية ، لطي صفحات و مراحل سياسية خلافية، ولن يغيرالحقيقة ولن يبرئ جراح الإردنيين, أو يكفكف دموعهم التي سالت طويلا على وصفي التل , نقول للمسؤول أنه يلعب بالنار ويستفز مشاعر الاردنيين ، وننصحه بدلا من تعليق عقده ، أن يعلّق صورة الشهيد الأبر بعيدا عن كل الشبهات ، إحتراما لذكراه الطاهرة , وتقدمة منه ليُشعرنا بندمه وأسفه على ما كان منه حين اغتيل الشهيد, دون إتهامه بالفعل ذاته , ولكن المشاعر تفضح الإنسان كثيرا من الأحيان.
أقول منشدا:
يـا صـويـحـبـي يـكـفـي عـتـب يـكـفـي ..........و يا مهدبات الهدب غنن على وصفـي
حوران و شمس الحصايد لوحن لونـه............يـتـوقـد الجـمر يومن تومض عـيـونـه
نادى النشامى يا ربعي حذركوا تخونوا............والخـيـل إن حمحمت ننزف لها نـزف
يـا مـغـلـيـن أرضـنـا و مـرخصن دمـك.............السـنـديـان إستـنـد عـجبـالنـا يـظـمـك
يـا وصـفـي يا رمحنا الموت ما هَـمـك..............قلت يا ارض ارتوي ويا نبع لا تجفي.
حازم عواد المجالي