لم يأتي هذا العنوان اعتباطا ، أو خاليا من منطق داخليّ ، أو بعيدا عن واقع معيش ، بل جاء نتيجة لإرهاصات انبجست من واقع مؤلم ، واقع يعيشه أبناء هذا الوطن ، مع حكومة سمير الرفاعي ، وما تحمله من قتامة في خطابها ، بل في سياستها على أرض الواقع ، وهي بلا شك تسعى حثيثا لتجويع شعب جائع ، ومحق شعب فقير لا حول له ولا قوة ، وفوق ذلك كله ، تضربه بصولجان الضرائب ، التي لم يستطع شيء كبح جماح شهوته في فرض المزيد منها ، لا ضابط عقلي ، ولا ضابط عقدي ، ولا ضابط إنساني ، ولا ضابط مجتمعي ، ولا ضابط عاطفي ، حتى الخروف لم يسلم هو الآخر مما تفرضه الحكومة من الضرائب الجائرة ، وفي هذا السياق تحضرني قصة طريفة ، لكنها في الوقت ذاته مؤلمة ، وهي قصة ذلك الرجل الذي كان يملك فرسا ، وقد كان بخيلا ، لم يقم بإطعام فرسه كما يجب ، بل كان يحاول تعويده على الجوع ، وبعد ردحٍ قليل من الزمن مات الفرس ، فبكاه ذلك الرجل وهو يقول : بعد أن تعود قلّة الأكل مات .
أجل أيها السادة الكرام ، لا شك في أنّ أمير الجوع هو الموت ، أو الانتحار ،أو الانفجار ، إذ كيف يصبر الرجل وهو يرى أبناءه يتضوعون جوعا ؟ كيف يصبر الأب وهو لا يستطيع أن يؤدي لهم أدنى درجات العيش من مأوى ولباس وطعم وتعليم وووووو الخ ، نعم إنّ للصبر حدود ، وقد طال الأمدُ على لُبَد ، والظلمُ اكبر من أن يُعد ، والضرائب تكاثر الحصى عند جمرة العقبة ،إنها العقبة ( وما أدراك ما العقبة ، فكّ رقبة ، أو إطعام في يوم ذي مسغبة ، يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ) ، ومن منا غير هذه - يا يرعاكم الله - شعبٌ أضحى يكابد ُزُؤام المسغبة ، ويرزح تحت أعباء المتربة ، وفوق ذلك عليك أن تدفع ضريبة بل ضرائب تترى ، ضريبة تتلوها ضريبة ، وكأنّ هذه الحكومة تحمل الدكتوراه في التجويع والضرائب ، عجبا وما لي لا أعجب ؟ وا حزناه وما لي لا أحزن ، وا حرّ قلباه ممّن في قلبه شَبِمُ ، ثمّ وا حرّ قلباه ممّن في أذنيْه وقرٌ وصََمَمُ .
فلقد – والله – صفقنا لهذه الحكومة ظنّا منّا أنّها المخلص ، وبخاصة في بادئ أمرها ، عندما سمعنا منها ذلك الكلام المعسول ، وأكبرنا أمرها ، وأعظمنا شأنها ، ورفعناها إلى ساحات الأقطاب ودرجة الألباب ، وإليكم ما قالته الحكومة أمام جلالة الملك المعظم : يا صاحب الجلالة إنّ حكومتي لا لبرالية ولا محافظة ، وإنّما حكومتي أردنيّة ، ...... آهٍ ثمّ آهٍ ُثمّ آه ٍ ....... ما بين القول والفعل بون شاسع ، دهرٌ هاض وجور فاض ، ( هاض : الكسر بعد أن كاد يجبر ) ، ويْهًا حماة الديار، ويْهًا أيها الأحرار ، أيْن عيْش العلم وموت الجهل ؟ أيْن الذين يخبرنا علمُهم عن حلمِهم ؟ أيْن دعائم الوطن ؟ أين ولائج الأمن ؟ أين الذين لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه ؟ فبهم يعلو الحق بهم ويعود إلى نصابه ، وينزاح الباطل عن مقامه ، وينقطع لسانه عن منبته ، أين الذين عقلوا العلم عقل رعاية لا عقل سماع ورواية ؟ أين هم ؟ ؟؟ بعد أن تعوّد قلة الأكل مات .. مات ... مات ؟
الدكتور محمود سليم هياجنه