تلك المرأة التي تهتم بأدق التفايل ..
لا أكذب عليكم ولا أجامل إن قلت لكم أنها كانت بمثابة مضاض للحزن والكآبة وأنها معطيات للفرح أو أكثر بقليل !
تلك الجميلة .. فقدتها منذ أكثر من أسبوع ، ولم أعد أراها .. قلقت وأرقت ،
فليس من عادتها الغياب بهذه القسوة وبهذا العمق المؤلم ، فمضت تلك الأيام
بصعوبة كنت أعاني فيها من وضجر لا ينتهي ! وبرغم هذا البعد إلا أني ما زلت
أسمع وقع قدميها على بلاط المكان وبلاط القلب أيضاً .
بحثت عنها كثيراً في .. الأروقة القريبة ، وفي تلك الممرات التي تأخذك الى
بعيد ..ودلفت في جميع الاتجاهات ، لكن لم أكن لأهتدي إليها أبداً ، ولم
تعد تشغل ذلك الركن الهادئ الذي أصبح يعج بالصمت ويكاد يُسمع له أنين جراء
هذا الفقد المفاجئ.
أختفى فجأة ذلك البريق الجميل والظل الأنيق ، ولم يعد يُبهرني شيء .!
وقتها وصلت إلى قلبي رسالة مستعجلة مثل صفعة قوية مفادها أن أكف عن مزاولة
ذلك الخوف والجبن ولو بمقدار \"سؤال\" يمكنني من اخماد مواطن الفضول في
قلبي واهتدي إلى مكانها.
زميلتها كانت تجلس في ذلك المكتب القريب ، وقد وضعت (رِجلاً على رجل) ..
يا تُرى من هو أول من اخترع تلك الجلسة التي تبعث بالتوتر والملل؟
اندفعت نحوها يرافقني ترددي ، ولا أدري إن لمحت هي ذلك الارتباك الذي كان يحتل ملامحي ؟
اعتذرت لها عن المقاطعة ورحت اسألها بخجل عن سبب غياب زميلتها ..\"تلك الجميلة\" ؟
صمتت للحظات شعرت أنهم دهوراُ طويلة ، حتى أنني هممت بالجلوس جراء التعب
الذي دبّ في قدميّ .. ثم عادت لتصبّ اجابتها السريعة المقتضبة في فنجان
أذني مثل نصلٍ غُرز فجأة في خاصرتي وسُحب بذات السرعة ، ثم ابتعدت برأسها
وعادت لحديثها السابق وتركتني وسط علامات تعجب كثيرة!
تراكم الحزن في عينيّ وغمرني قهري وتبدلت ملامحي ..
تمنيت لو أني أمتلك الجرأة كي أشتمها ، أو أصفعها ، أو ألقي بها من نافذه
مكتبها، أو أقذفها بأبشع الألفاظ لأصرف ذلك الكمد الذي تجمع في مآقيّ. ألا
أنني تردت وعدلت عن فكرتي !
أنسحبت من أمامها دون أن أنبس ببنت شفة ، ودلفت إلى الجهة الأخرى قاصداً مكتبي ..
وصلت مسرعاً لاهثاً ، سفقت الباب خلفي وألقيت بجثتي على الكرسي الجلدي وأنا أشعر بالاعياء !
وددت لو أنها أخبرتني قبل أن تستقيل ، لو أنها استشارتني ، كنتُ سأنزل عن
رغبتها ، وأستقيل أنا أيضا ، فلا يعد يلزمني عمل لا أجد فيه ضوضائك ،
وأرواقك الكثيرة المُبعثرة ، وعباراتك المختصرة وملاحظاتك الدقيقة ،
وشروحاتك الأنيقة على المعاملات التي تقع ضمن اختصاصك ، والأهم من ذلك هو
عطرك الشهي ونبرة صوتك الرقيقة ..
اسمعيني :
لا يغركِ أنني موظف خمول ، كما قيل ، ولا تلتفتي أبدا لتلك الشائعات..
فأنا مفيد جداً ، وقد أنفعكِ في تدبير أمورك البيتية إن شئت ، أو في شراء
حاجياتك من السوق ، وأصلح أن أقف \"ناطوراً\" عند مدخل بنايتكِ لأبقى على
تواصل معك .. صدقيني \"فالحياة معكِ أحلي\" ..
وددت لو أنك أمامي الآن .. كنت سأقول لكِ :
لا تعتقدي أنكِ تركت فراغاً في هذا المكان وقلبي ..
أبداً.. أنت الفراغ كله ! .
حمزة مازن تفاحة
hamzeapple@yahoo.com