خلال السنوات القليلة الماضية تكاثرت وتناسخت وتناسلت المجالس والمؤسسات والهيئات الحكومية المستقلة ماليا وإداريا وفي كل المجالات حتى أصبح عددها اكبر من عدد الدوائر الحكومية بل أصبحت قطاع حكومي موازي , كان الهدف منها ترشيق الأداء الحكومي وتسريع العمل والإجراءات وسرعة في اتخاذ القرار بعيدا عن البيروقراطية والروتين والمزاجية , إلا انه وعلى ارض الواقع غدت هذه المؤسسات صورة طبق الأصل عن الدوائر الحكومية في الأداء والإجراءات والقرار ولا تختلف عنها إلا بالرواتب والامتيازات الخيالية والصلاحيات المفتوحة للمدراء والمسئولين فيها .
المعارضة والإعلام وكثير من الصحفيين والشخصيات الوطنية تنبهت مبكرا لهذه المؤسسات والهيئات المستقلة و طالبت بإلغاء أو دمج هذا العدد الكبير منها لأنها لم تحقق الغاية المرجوة منها بالإضافة إلى أنها أرهقت الموازنة واستنزفت المال العام دون جدوى تذكر بسبب استقلاليتها وعدم الرقابة الحقيقية عليها وتحولها إلى حمولة زائدة وعبء إضافي على كاهل الدولة .
الحكومات المتعاقبة السابقة تجاهلت تلك المطالب والدعوات ورفضت الدمج أو الإلغاء لهذه المؤسسات والهيئات على اعتبار أنها الحديقة الخلفية التي تمارس من خلالها فسادها بالتعيينات والتنفيعات والترضيات والمقايضات للمعارف والأصدقاء والمحاسيب دون رقيب او حسيب .أما الحكومة الرفاعية الحالية ولسوء حظها فقد واجهت أزمة مالية خانقة نتيجة العجز المالي الكبير في الميزانية , قامت على أثرها باستنفاذ كل طرق الترقيع والتجميل وزيادة الضرائب والرسوم على المواطنين لكنها لم تنجح كثيرا في تقليص العجز المطلوب , مما أدى الى تزايد الضغوط عليها من قبل المعارضة التقليدية وكذلك تحول شرائح من المجتمع ( كالمعلمين والمتقاعدين العسكريين ) كانت تحسب على صفوف الموالاة الى صفوف المعارضة ومطالبتها بضرورة قيام الحكومة بواجباتها والتزاماتها للحد من النفقات والهدر المالي ومكافحة الفساد وتخفيض العجز المالي , لذا اضطرت الحكومة أخيرا مجبرة الى اتخاذ قرار بدمج بعض المؤسسات والهيئات المتشابهة وإلغاء البعض الآخر .
هذا القرار خطوة على الطريق الصحيح ويحسب لصالح المعارضة ونجاح مساعيها في الضغط على الحكومة لتبني مطالبها وكذلك يمكن حسابه لصالح الحكومة فيما لو تم تنفيذه على ارض الواقع ولم يبقى حبر على ورق خصوصا وانه تم تشكيل لجنة للبدء بتنفيذه خلال شهرين مع العلم أن الحكومة ستكون مشغولة بالتحضيرلاجراء الانتخابات النيابية خلال الشهرين القادمين , ولدينا خبرة كافية عن كثير من اللجان التي تشكل للتخدير والتسكين ولذر الرماد بالعيون , لكن نتمنى أن لا يذهب هذا القرار أدراج الرياح .