أقدر عالياً الجهود العظيمة التي تبذلها وزارة التربية والتعليم بكوادرها الضخمة في مركز الوزارة ومديريات الميدان في سبيل تحقيق الأهداف التربوية لصناعة جيل واعٍ منتمٍ مدرك. والنقد البناء لا يقلل من قيمة المنتقَد، بل يلقي الضوء على عثراته وزلاته، ليتداركها مستقبلاً، حتى لا تصبح حفرة عميقة قد لا يخرج منها!
إنَّ التخطيط من أهم عوامل نجاح أي مؤسسة، وهو لوزارة التربية والتعليم ألزم وأوجب؛ لأنَّ عملها كله قائم على التخطيط، وبغيره لن يُتقن عمل، ولا يتحقق هدف، ولن يرى أي مشروع النور إلا أنْ يخرج مشوهاً. والدليل على ذلك أنَّ الخطط السنوية والفصلية واليومية هي من أهم متطلبات العمل لكل إدارة ومديرية وقسم، بل إنَّها من أهم واجبات المعلم في الميدان، وخصصت الوزارة لذلك جيشاً من المشرفين بالإضافة إلى مديري المدارس ورؤساء الأقسام لمتابعة تخطيط المعلمين الفصلي واليومي، ورصدت للتخطيط علامات ترفع تقرير الأداء للمعلم أو تخفضه.
ولكن المراقب لأداء مركز الوزارة يتبين له أنَّ هناك تخبط تربوي لا تخطيط تربوي، ولعل مرد ذلك ضخامة الأعمال وتنوعها وتداخلها وتناقضها أحياناً، ولكن ذلك لا يعفي الوزارة من المسؤولية، وأن تكون في قمة التخطيط الواعي المتبصر الذي يستبق الأحداث ولا يتورط فيها وبها!
تقرر أن يكون يوم 4-9-2010 بداية دوام المعلمين في المدارس، ولعل من وضع التقويم لم ينتبه أنَّ هذا اليوم يصادف يوم سبت الذي يعتبر يوم عطلة رسمية، ولا مبرر للدوام فيه خاصة وأنَّ هناك خمسة أيام عمل (غير السبت) تسبق دوام الطلبة وهي كافية تماماً، وتتوافق مع المعتاد في السنوات السابقة. وللأسف أنَّه لم يتجرأ أحد ليقول أنَّ بداية الدوام غير مناسبة، وبقي الخطأ وتحمل مائة ألف أو يزيد وزر خطل في التخطيط. ولم يتوقف الخطأ على ذلك، بل لم تستيقظ الوزارة إلا بعد ظهر الخميس 2-9-2010 إلى ضرورة دوام موظفي المديريات يوم السبت أيضاً، فاشتغلت الهواتف والفاكسات والخلويات لإبلاغ جميع المديريات، وبعد ذلك قامت المديريات بورشة اتصالات على كافة الجبهات لإبلاغ المعنيين في آخر نصف ساعة من الدوام، وزاد التخبط أنه لم تحدد ساعة الدوام إلا في وقت متأخر جداً، فوقع القوم في حيص بيص، وغاب يوم السبت من غاب لأنه لم يبلغ، وتأخر من تأخر لأنه لم يعلم، واشتغلت من جديد ورشة الاستجوابات للمتغيبين والمتأخرين لتحاسبهم على خطأ لم يقترفوه، وكل ذلك بسبب خلل في التخطيط لم تتكلف الوزارة عناء تعديله، ومما يثير الأسى أنَّ الوزارة بكل تطورها وفي عهد الحكومة الإلكترونية، وسيادة وسائل الاتصال الحديثة لم تلجأ إلى التلفزيون الرسمي والإذاعة للتبليغ ببداية الدوام وساعته وإن على شكل خبر في الشريط الإخباري المتحرك.
ما سبق مثال صارخ على غياب التخطيط السليم، وتحوله إلى تخبط بامتياز، والأمثلة كثيرة مثل تحديد موعد اجتماع قبل الموعد بساعات، أو وصول كتب رسمية بعد موعدها أو قبيل موعدها الأخير بوقت لا يسمح بتعميمها، وعقد دورات في الوقت الضائع، ووجود أكثر من جهة للتدريب كما حدث مؤخراً حيث تنازع التدريب كل من مديرية الإشراف وشركة كادر، وعدم توفر مواصلات للقيام بالمهمات المطلوبة رغم موعدها المحدد مسبقاً، إلى غير ذلك من تخبطات لا تحسد عليها وزارة التربية والتعليم.
ولعل التخبط الأكبر يتمثل في النقص المزمن في المعلمين، وتبقى المدارس وخاصة المدارس البعيدة تعاني من نقص معلمين، يغطى عن طريق التعليم الإضافي الذي لا يستقر، وتبقى حركة التعيينات نشطة طوال الفصل الأول وشطراً من الثاني، في دلالة قوية على غياب التخطيط المتقن، وإلا فما يمنع تعيين عدد كافٍ دفعة واحدة؟ فما دمنا نعرف أن نسبة الاستنكاف عند الذكور هي 50% مثلاً، فلنعين ضعف العدد المطلوب وأثناء العطلة الصيفية، وإذا قلصنا من إجراءات التعيين المملة، وتحديد وقت محدد للمراجعة، فإن الوزارة قادرة على تحديد النواقص بسهولة، وتلافيها بسرعة، ورغم أن هذه المشكلة مزمنة، إلا إن الوزارة لا زالت تعاني منها كشعائر سنوية لا بد منها!
ومن أمثلة التخبط الماثلة للعيان تأخر عمليات صيانة المدارس، وعدم توفير المقاعد والتجهيزات أثناء العطلة، ومع أن جهوداً كبيرة تبذل في العطلة الصيفية، إلا إن الخلل يبقى سيد الموقف!
وتعتبر إجازات مديري المدارس السنوية في بداية العام الدراسي وفي وقت الذروة وشدة الحاجة لوجودهم عيباً كبيراً في التخطيط التربوي الذي لا يراعي الأولويات والضرورات.
مما سبق يتبين أن التخطيط التربوي هو تخطيط روتيني غير مبني على أية دراسات، ولا يستشرف أي مستقبل، وأغلب الخطط هي خطط هزيلة مكررة لسنوات سابقة. والمطلوب ثورة في التخطيط التربوي، وتغيير جذري في آلية التخطيط، واعتماد أسس علمية وعملية في التخطيط وتنفيذ الخطط، ومراجعة مستمرة لما يُخطط له، ومحاسبة لكل مقصر، وتعزيز كل محسن.
أخيراً، إن أي عمل بلا تخطيط هو عمل فاشل، وأي تخطيط غير سليم يؤدي إلى نتيجة مشوهة ممسوخة، وقبل أن نطالب المعلم بالتخطيط ومحاسبته عليه فلتحسن الوزارة التخطيط، ولتبتعد عن أسلوب الفزعات والاستيقاظ في آخر لحظة، ولتدرك أن فاقد الشيء لا يعطيه، وإعطاء الحقوق للغير مقدم على مطالبتهم بتأدية واجباتهم.
mosa2x@yahoo.com