بقلم: شفيق الدويك
المشهد حقيقي:
جالسٌ في مكتب قديم من الصعب أن تتجرعه الحاوية أو المزبلة فيما لو تم حمله نحوها، و لا تقبل به سوى النار !، كان لوالده الذي تقاعد، و توقف عن متابعة أعمال إمبراطورية أعماله قسرا ...
لقد تجاوز في سوء نمط معيشته العمال الذين يتكدسون في غرفة واحدة صغيرة عند النوم، و هم أشبه بالنمل لا الأسماك، يقال عنهم أنهم متآخين !، الذين إذا ما تأخر أحدهم عن الموعد قليلا إتخذ من الحمّام مكانا لنومه بدل التمدد في العراء و تلحف السماء!. و هذا ايضا مشهد حقيقي!
تعيش معه و مع صفقاته الكبيرة في المكتب، أسلاكٌ عتيقةٌ حزينةٌ أرملةٌ يُرى بعض أسلاك النُحاس من تحت ما قد لُفّت به، طبقاتٌ من الغبار، تُشغل و بلا أية أجرة حيّزها، و هذا فيه من الغرابة الشيئ الكثير، أي أن لا يحاسبها على الأجرة !، مثل تشققات الحيطان، و ما بداخلها من كائنات، بعضها قد تراه العين المجردة، و البعض الآخر لا داعي لرؤيته البتة !
أما رائحة رطوبة المكتب الخبيثة، فقد جعلت الإبن يُدمن مثل والده عليها، و البُقع و غير البقع تشكل بعفوية، و بلا إرادة منها بالطبع، لوحة لا تثير في النفس سوى الإشمئزاز، القرف و الرغبة الأكيدة في التقيؤ أو غيره على أبعد أو أقل تقدير !
حاملٌ بيده التي ترتجف من شدة الشح، و من ظلمه لمن عمل و يعمل عنده، و هذا ما يهمنا هنا، ما يُشبه الفطيرة معجونة برذاذ الزيت الملوّن بالغُش !، غير محفوفة بمنديل ورقي، بالطبع، و ذلك بقصد الإقتصــــاد و الترشيد أو حُسن التدبير الذي إعتادت عليه العائلة !
و أمامه كوب شاي، له طرفٌ، يبدو و كأنه متآكلٌ، رغم أن الزجاج لا يتآكل، كان لونه من الداخل يميل الى اللون الأبيض قبل اسبوعين، فيه شبه كمية من نفس الشاي المنقوعة كميته الأولى للمرة الثالثة في بقايا إبريق تسعيني في كل شيئ، حيث لا حيل فيه أو لديه!
عموما، معظم الإبريق هش، لدرجة أن النار التي تعشق أي شيئ في الوجود تمتعظ و تقرف منه عندما يهوي عليها بغرض التسخين، فالإستحمام موجبٌ حتى للتسعيني و لو صُنع في الصين خصوصا قبل التسخين!، و يحتار المرءُ من أين يمسكه أو يظفر به، فهو يهتز أو يرتج بصورة مفرطة و شبه دائمة!
أما اللوحة التي ترشدك الى إسم الشركة، فقد ذابت معظم حروفها مع مرور الزمن، لدرجة أنك تشعر بأن ما بقي من الحروف يحاول أن يذوب من سوء الجوار!
عندما تنظر الى مكونات المشهد، تسترجع حقيقة أن البشر، أهل الأرض، على صفة الأرض، منها الطيبة و منها الخبيثة، منها الوانها متعددة، و من البشر الوان متعددة كذلك، الأبيض و الأسود و الأصفر، و منها ما يسهل أو يصعب التعامل معها أو حتى المشي عليها !
البشر، متفاوتون في النفع كالأرض، ففي بعض الأرض معادن و جواهر و خيرات عديدة، و هناك أرض خبيثة ، مثل (معظم) المتنفذين و الأغنياء و أصحاب المناصب من البشر ، خصوصا المدراء الذين يتعالون على مرؤوسيهم الأكفاء، و يجمّدوهم بدون وجه حق أو يقصوهم عن مراكزهم، لا تنبت زرعا حتى لو أتاها المطر كل المطر، فهي لا يأتي منها الخير!
ما أحوجنا، يا نواب المجلس السادس عشر، لتشريعات تكفل حمايتنا من خبث أولئك البشر ! shafiqtdweik@yahoo.com