محمد حسن العمري
-1-
البحث عن سباك لوقف تسرب مياه في احدى شقق او فلل غرب عمان ، بالاضافة الى استحالته فانه يكلف بالحد الادنى حال وجوده نحو 20 دينارا (30 دولار امريكي) في فترة عمل تستغرق بضع دقائق ،ونفس الاجر يكلف اجرة كهربائي تصليح عطب كهربائي يستغرق لمسة بسيطة من فني محترف،و ساعة عمل واحدة في بيتي لتركيب ثريات سقف عددها خمسة بلغ 125 دينارا بمعدل 25 دينارا ، الأجرة لتجميع وتركيب الواحدة منها ، فيما تبلغ ساعة عمل استاذ جامعي في غير تخصصات الطب والهندسة في الجامعات الرسمية الأردنية حسب سلم الرواتب اقل من 10 دنانير لا غير..!
-2-
ينفق الأردنيون على التعليم بسخاء غير موجود بنمط حياتهم اليومي ، من الممكن ان تجد موظفا اردنيا بسيطا لا يبلغ كل اثاث بيته الفي دينار ويسكن بالايجار ، من الممكن ان تجد عنده ثلاث طلاب جامعيين يدفع عليهم سنويا عشرة الاف دينار تساوي قيمة ما ينفقه وعائلته في خمس سنوات مثلا..!
لا يمكن اعتبار سلوك الأردنيين في التعليم حالة غريبة ، فهو رأس مال قد يكون فريدا في بلد تشح بالمصادر الطبيعية وتتعاظم في التعليم والتنمية..!
-3-
الحلقة المفقودة مع تهافت الاردنيين على التعليم هي ارتفاع نسبة التعليم الجامعي بالتخصصات الاكاديمية والتربوية ووصولها حد الاشباع وكذلك في اكثر التخصصات الهندسية وباستثناء التخصصات الطبية والتمريضية فلا تجد تخصص واحد لم يصل الى ذروة الاشباع ، يتجه الخريجون بعد ذلك للبحث عن فرص العمل في الخليج والدول الغربية..!
التهافت غالبا لا يخضع لتوجيهات رسمية كما يجب ان يكون ، في بداية الثمانينات كان هناك تهافت كبير على تخصصات الحاسوب وهندسة الحاسوب وكان ثمة حاجة لذلك ثم لحق هذا التخصص بالبطالة حال تخصصات التجارة في ذروة النشاط البنكي التي اصبحت تخصصات فائضة عن حاجة البلد ، نفس الشيء حصل مع هندسة العمارة والهندسة المدنية حال طفرة العقار في الاردن ، وحصل ذلك مع تخصصات ملحقة بها مثل التصميم والديكور ، وكلها تصل الى حالة اشباع يدفع ضريبتها الاردني الذي دفع اكثر ما يملك في سبيل التعليم على تخصصات لا سوق لها بعد ذلك..!
-4-
تعتبر الاردن من اقل دول العالم واقل الدول العربية في الامية الابجدية –اذا جاز التعبير- فباستثناء فئة محدودة من كبار السن تكاد تكون الامية الابجدية معدومة ، وهذا يعتبر نقلة نوعية خلال نصف قرن عمل الاردن عليها ، لكن التعليم العالي الذي اصبح هدف أكثر الأردنيين أدى إلى وجود تضخم كبير في التعليم العالي وغياب واضح للحرفيين سواء المهن الحرفية او المهن التي تحتاج للتعليم والعمل باليد ، وهو ما ينعكس يوميا على حاجة السوق الاردني..!
-5-
ذات مرة اطلق سمو الامير الحسن مصطلح ثقافة العيب يصف فيه حال الأردنيين مع البطالة ، زيادة في الشهادات وعزوف عن العمل في المهن الحرفية والدنيا ، وتعالي الأردنيين عليها ، زال هذا المفهوم نوعا ما ، فصرت تشاهد مثلا مهندسا يمتلك ورشة حدادة او معلما يعمل سائق تكسي لسد البطالة او التفوق على الرواتب غير الكافية للحياة والتعليم ، لكن هذا كان بفعل المضطر لا بفعل تغير الثقافة ، واليوم مع تزايد نسب التعليم والانفتاح النسبي على العمل في الخارج ، وغياب استراتجيات التعليم وغلو الأردنيين في التفاخر ، تصبح الأردن بلد يفتقر للأيادي العاملة في الحرف والصناعات ، لا اقل مما وصفه شاعرها قبل ثلاثة أرباع القرن :\"
وأنّ للجهل فضلا لست صاحبه
بالعلم ، والعلم في عمّان أزياء\