زاد الاردن الاخباري -
نادية سعد الدين- يلقي شظف العيش وضيق سبله بظلاله القاسية على مناحي الحياة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، مردفاً بإجراءات خدمية تقشفية لوكالة الغوث الدولية "الأونروا" ضاعفت من تردي وضعيتها غير الحصينة أمام معدلات الفقر والبطالة المرتفعة.
فيما تفرض الضغوط المجتمعية تبعاتها السلبية على واقع المخيمات بحيث تشكل مرتعاً خصباً لبروز مظاهر سلبية تأخذ منحى أكثر سوءاً داخل المخيمات مقارنة بخارجها.
وترتكز سجلات الأونروا على المعطيات الرقمية لحالات العسر الشديد المدرجة ضمن الفقر المدقع والمسجلة لدى شبكة الأمان الاجتماعي والمقدرة بنحو 55 ألف لاجئ، يشكلون 3 % من 2 مليون لاجئ مسجلين لديها في الأردن، من دون أن تعني حساب نسبة الفقر.
وتنحصر المساعدات الغذائية للوكالة ضمن تلك الفئة من اللاجئين، وفق معايير جديدة تعتمد على متغيرات دخل الأسرة وحجم إنفاقها بغض النظر عما إذا كانت تضم فرداً عاملاً، خلافاً للسابق.
وتتضمن المساعدات مواد غذائية أساسية مثل السكر والأرز والزيت والبقوليات والحليب، فيما جرى استبدال مادة الطحين بمساعدة مالية رمزية تبلغ سبعة دنانير للشخص الواحد تصرف كل ثلاثة أشهر، إضافة إلى المنح النقدية الطارئة والمأوى المناسب للشرائح الفقيرة والفئات المعوزة.
ويخرج من حسابات الفقر المدقع والمطلق المعتمدة لدى الأونروا في تقديم المساعدات الغذائية والعينية زهاء 60 % من اللاجئين يعيشون تحت خط الفقر، بينما ترتفع نسبة البطالة بين صفوفهم إلى 45 %، وفق تقديرات لجنة الدفاع عن حق العودة في الأردن، في وقت تعول فيه النساء قرابة 14 % من مجموع الأسر المعيشية من السكان اللاجئين، و46 % من حالات العسر الشديد، بحسب أرقام الوكالة.
وتعمل غالبية اللاجئين في الأردن في معظم المجالات الاقتصادية والمهنية، وبحسب المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين "بديل" فإن نسبة تشغيل اللاجئين في المخيمات في الأعمال المهنية والإدارية والتقنية تبلغ 6.9 % فيما ترتفع إلى 12.6 % في الحقل الوظيفي و17.2 % في التجارة والخدمات و30 % في مجال التصنيع والأعمال المهنية الأخرى فيما تبلغ نسبة العمالة غير الماهرة بين صفوفهم حوالي 33.1 % من مجموعهم الإجمالي.
وتجد بعض الفئات المتعلمة في المخيمات صعوبة في الالتحاق بعمل مناسب داخل نطاق حدودها، بينما تشكو قلة فرص العمل خارجها، مثل إبراهيم عبد المنعم (25 عاماً) الذي ما يزال عاطلاً عن العمل منذ تخرجه من الجامعة رغم "بحثه المضني عن عمل".
بينما يشكو جهاد محمد (27 عاماً) ضيق العيش وصعوبة الالتحاق بعمل دائم رغم تدرجه في "مهن حرفية عديدة اكتسب مهارتها بحكم الخبرة وليس التحصيل العلمي"، من دون أن يدفعه ذلك "للتفكير في الهجرة أو الانتقال إلى مكان آخر خارج حدود المخيم الذي يشكل معلماً بارزاً لقضية اللجوء".
ويرى أحمد عبد اللطيف (19 عاماً) في المخيم "عالمه الوحيد الذي يرغب في البقاء داخل حدوده وتحقيق طموحاته عبره"، فيما يحاول حاتم سالم (23 عاماً) الخروج من ما وصفه "بالواقع البائس" الذي يسود المخيمات، من خلال "الدراسة والالتحاق بعمل مناسب يدر دخلاً للإنفاق على عائلته".
ويفاقم من آثار البطالة حالة الفقر التي يرزح أعداد كبيرة من اللاجئين تحت وطأتها، بحسب إسماعيل عبد المجيد (28 عاماً) الذي انتقد "حصر مساعدات الوكالة في فئة معينة من اللاجئين، بينما يترك غالبية اللاجئين رهينة العوز والفقر من دون توفير الدعم والعمل لهم، رغم أنها من المهام الرئيسية لولاية الأونروا".
التخفيض الخدمي
وطاولت الإجراءات التقشفية للوكالة جانباً مهماً من خدمات الإغاثة الاجتماعية، في وقت طالبت فيه مجالس العاملين في الأونروا "بإلغاء الشروط الجديدة التي اعتمدتها إدارة الوكالة في تحديد الأشخاص المحتاجين للخدمات الاجتماعية من نساء حوامل وأطفال حديثي الولادة، وإعادة النظر في معايير الفقر بخاصة في ظل ظروف غلاء المعيشة الراهنة".
وأكدت رفضها "لقرار إدارة الأونروا بإلغاء برنامج تقديم المؤن والمساعدات الغذائية للسيدات الحوامل اعتباراً من الشهر المقبل للتسجيلات الجديدة، ما سيلحق ضرراً فادحاً بالأطفال والأمهات".
وحذرت من توجه الوكالة نحو "تقليص حجم التبرعات الطارئة التي كانت تقدمها لحالات العسر الشديد، وحصر المساعدة المالية للسيدات الحوامل فقط دون عائلاتهن وضمن نطاق حالات العسر الشديد، خلافاً لما كان معمولا به في السابق، وذلك بعد أن تم تحويلهن سابقاً من دائرة الصحة إلى الإغاثة الاجتماعية".
ويعود التراجع في الخدمات المقدمة للاجئين إلى العام 1982، عندما حصرت الوكالة توزيع المؤن على المصنفين ضمن فئة حالات العسر الشديد.
ويناط ببرنامج الإغاثة والخدمات الاجتماعية في الأردن مهام الاهتمام بالأسر الفقيرة المسجلة في شبكة الأمان الاجتماعي، حيث تبلغ مساهمة الأونروا 95 % من قيمة التكاليف، "محكومة بسقف محدد ومعايير جديدة ستطبق قريباً"، وفق رئيسة البرنامج مها الرنتيسي.
وقالت إلى "الغد" إن الوكالة "وضعت معايير جديدة لتقديم المساعدات الغذائية والتحول من برنامج يعتمد معايير الوضع العائلي إلى أخرى عالمية حديثة تأخذ بعين الاعتبار خطوط الفقر المدقع والمطلق، ومتغيرات قياس إنفاق وحجم الأسرة ودخلها".
وأشارت إلى أن "التركيز الأكبر ينصب على لاجئي الفقر المدقع، وهو فقر الأكل، والعمل على انتشالهم إلى مقاربة الفقر المطلق، أي الافتقار للاحتياجات الأساسية".
وأوضحت أن "البرنامج رصد مبلغ 100 ألف دولار سنوياً ضمن "صندوق الاحتياجات الطارئة والاستثنائية" لحالات العسر الشديد، لمساعدتهم في مواجهة حالات استثنائية".
ولفتت إلى أن "البرنامج يعكف حالياً على تنفيذ مشروع ريادي يعتمد على تكاملية الجهود والبرامج والخدمات من أجل تحسين وتطوير الخدمات المقدمة للاجئين، من خلال إعادة الهيكلة واستخدام الموارد المتوفرة، بناءً على وضع اللاجئين في محورية العمل والخدمة المقدمة".
وتابعت الرنتيسي "لقد وضع خبراء توصيات منذ بداية العام الحالي بناء على دراسة برامج وخدمات الوكالة وتقييمها، ومنها برنامج الإغاثة والخدمات الاجتماعية الذي أخذها بعين الاعتبار لتطوير آليات لتنفيذها".
ويبدي البرنامج اهتماماً خاصاً بالمرأة الفلسطينية اللاجئة، عبر "استحداث برنامج يعمل على تعزيز دور المرأة في الأسرة والمجتمع، حيث يرعى 14 مركزا للبرامج النسائية في أنحاء مختلفة من المملكة، تديرها لجان محلية، تخدم ما يقارب 10 آلاف امرأة سنويا".
وتعمل هذه المراكز على تحقيق هدف تمكين المرأة كإنسان كامل الأحقية والأهلية، وذلك من خلال التأهيل المهني، حيث تشمل الدورات المتاحة مهارات تقنية تلبي حاجة السوق ومتطلبات النساء، وأنشطة إدرار الدخل التي تقدمها المراكز لمساعدة النساء على تحقيق قدرة اقتصادية مثل معارض لتسويق منتجاتهن ومجموعات دعم ذاتي وقروض صغيرة".
كما تقدم التوعية والتثقيف في مناحي الحياة المختلفة، وتشمل مواضيع اجتماعية وصحية واقتصادية بالإضافة لمحو الأمية القانونية، إضافة إلى خدمات مساندة، كالحضانات ورياض الأطفال، وذلك من أجل تيسير مشاركة النساء في أنشطة المراكز وفي سوق العمل، وذلك بالإضافة إلى مكاتب الاستشارات القانونية التي تقدم المشورة والدعم القانوني في مناحي مختلفة.
وتدعم الأونروا 10 مراكز تأهيل مجتمعي، تديرها لجان محلية، تعمل على توعية المجتمع بحاجات وحقوق المعاقين وتزويدهم بالتأهيل الأساسي ومساعدة المعاقين البالغين عن طريق تدريبهم وتوفير فرص عمل مناسبة لهم.
وتسلم ما يزيد على 2000 معاق مساعدات من خلال هذه المراكز، فيما "تسعى الأونروا لتطوير هذه المراكز وذلك بتنفيذ مشاريع بالتعاون مع منظمات دولية لتقديم دورات تدريبية لذوي الاحتياجات الخاصة".
وقالت الرنتيسي إن "البرنامج يعمل ضمن برنامج تمكين المجتمع المحلي على الاهتمام بفئة الشباب من اللاجئين، من خلال بناء قدراتهم ومساعدتهم على تنفيذ خططهم وتطوير دورهم في التوجهات الجديدة للبرنامج بالتعاون مع المنظمات الدولية ذات العلاقة".
وأشارت إلى "تنظيم ورشة عمل في الأسبوع الحالي بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) ومؤسسة حماية الطفل لتبني وضع استراتيجية خاصة لدعم فئة الشباب تعكس احتياجاتهم".
ولفتت إلى أن "الأونروا تعمل ضمن خطط وبرامج حسب إمكاناتها المتوفرة"، حيث تبلغ ميزانية برنامج الإغاثة والخدمات الاجتماعية في الأردن حوالي 7.566 مليون دولار.
الغد