ما زالت قضية الطلبة الأردنيين في السودان تتفاعل، ومن فصولها اعتصامهم في محيط السفارة الأردنية في الخرطوم؛ لثني وزير التربية والتعليم الأردني عن قراره بعدم الاعتراف بشهادة الثانوية السودانية!
يرى هؤلاء الطلبة أن القرار لم يكن مدروساً، علما بأن القرار لا يحتاج إلى دراسة مستفيضة مع وضوح أسبابه ومقاصده، ونتائجه على مستوى التعليم في الأردن .
ويقول هؤلاء الطلبة إن هناك عواقب خطيرة للقرار؛ لأن مئات الطلبة الأردنيين سيدمّر مستقبلهم التعليمي- حسب قولهم- والأصل أن مستقبل طالب التوجيهي في وطنه بين أقرانه إلا إذا كانت هناك ظروف خاصة غير سهولة الامتحان أو شراء الأسئلة...
يعترف هؤلاء الطلبة بأن التوجيهي هناك أسهل، وبالتالي فإنهم يحصلون على معدلات عالية ينالون فيها مقاعد في الجامعات دون وجه حق؛ لأن الأصل أن يكون التنافس في ظل امتحان عادل يُظل الجميع، وإلا فإن طلبة التوجيهي الأردني هم من سيدمر مستقبلهم حسب تعبير الطلبة المحتجين، وأضرب مثالا على ذلك بطالب توجيهي أردني كان معدله مرتفعا ويريد دراسة الطب على قائمة أبناء العاملين في الجامعة، وسرعان ما فقد الطالب فرصته حينما نافسه طالب خريج دولة عربية تقدم عليه بأعشار العلامة علما بأن الفرق بين مستوى التوجيهي فيها والتوجيهي الأردني يقدّر بعلامات كثيرة، فضاعت الفرصة على الأول، وفُصل الثاني من البرنامج بعد سنتين لضعفه!
هذه واحدة من حالات كثيرة تتكرر في جامعاتنا لاسيما أن قصة التوجيهي غير الأردني ليست بجديدة، فكثير من الأسر ترسل أبناءها إلى دول مجاورة لتقديم التوجيهي، ومن ثم الحصول على معدل يؤهلهم لدراسة الطب او غيره على حساب قوائم الاستثناءات أو الموازي! ولكن الإجراءات التي اتخذت لضبط التوجيهي الأردني في السنوات الأخيرة دفعت الأسر لفتح أسواق جديدة، والتوسع في الأسواق الموجودة!
ما كان لهؤلاء الشباب الصغار أن يفكروا بهذه الآلية إلا بتوجيه وتشجيع من أولياء أمورهم الذين ساندوهم باعتصام مماثل أمام مجلس النواب الأردني رفضا لقرار الوزير الذنيبات، وهذا مثير للحزن والأسف معا؛ لأنه يتوقع من الأسر أن توجه أبناءها إلى نقيض ذلك!
قد يقول قائل إن الفساد المجتمعي بكافة أطيافه، وغياب العدالة المجتمعية... هي التي تدفع الأهل إلى أي وسيلة للاطمئنان على مستقبل أبنائهم، والخلاص من دراستهم على حساب الموازي طالما أن غيرهم لا يوفر فرصة في سبيل ذلك، وأهل هؤلاء الطلبة ليسوا استثناء في ذلك، من هنا لا بد من سعي الدولة لتوفير الأمان والمساواة والعدالة حتى لا يلجأ الناس إلى أساليب ملتوية حتى في تربية أبنائهم، ولا يتحول الناس إلى مزيد من قوانين شريعة الغاب التي باتت متفشية بصورة كبيرة في مجتمعنا وشوارعنا، فيعمل كل واحد منا على حل مشلاته على حساب الآخر.
التوجيهي السوداني ليس الفصل الأول من الرواية، فقد سبق ذلك الشهادات الجامعية العليا، إذ يغيب الطالب هناك شهورا قليلة، ويرجع بشهادة دكتوراه سودانية يبدأ بعدها بالتوسط للتدريس في الجامعة، وإلا فالاعتصامات قائمة!
المفارقة الكبيرة فيما يحدث، وما يُطالب به المسؤولين عن التعليم من قبل الأهل أو النواب، وما يوجه إليهم من رسائل تحذيرية... أنها متناقضة بصورة ملفتة، ففي حين يطالب الجميع بإصلاح التعليم، وإحقاق العدل والمساواة بين الناس نجدهم ينتفضون إذا تعارض أي قرار مع رغباتهم!
عدم اعتماد شهادات الثانوية العامة الصادرة عن الجمهورية السودانية أو غيرها هو خطوة مهمة في طريق إصلاح التعليم، وإنصاف لطلبة التوجيهي الأردني وهم الغالبية، وأما المضطر لتقديم توجيهي في غير بلده، وأراد الدراسة في الجامعات الأردنية، فمن حق وزارة التربية والتعليم أن تخضعه لامتحان يساوي بينه وبين حملة التوجيهي الوطني.