كلّنا نتذكّر الساحة السياسية في السبعينيات والثمانينيات ، وكيف سادت ظاهرة "المناشير" السرية التي كانت توزّع على نطاق واسع ، ولا تستثني قضيّة إلا وتتناولها ، أو شخصية إلاّ وتُشهّر بها ، وإذا كانت إنتهت هذه الظاهرة مع بداية التسعينيات ودخولنا إلى التعددية الصحافية ، ففي تقديرنا أنّنا سنشهد في المرحلة المقبلة ظاهرة "المناشير الإلكترونية".
وبالضرورة ، فقرار محكمة التمييز الأخير سيعني شطب الكثير من المواقع الإلكترونية الواضحة المعالم ، من حيث أسماء أصحابها ومحرريها وكتابها ، باعتبار الالتزامات المالية والقانونية والنزق الرسمي المعروف في الترخيص أو سحبه ، ولكنّ هذا لا يعني أنّ الساحة ستخلو من الوسائل الإعلامية الإلكترونية البديلة.
مواقع الإنترنت هي الإعلام البديل ، ولا شكّ في هذا ، وهي إلى ذلك إعلام الفقراء ، فالقارئ صار كاتباً ومحرراً ومندوباً صحافياً ، ومن خلال هاتفه أو حاسوبه يستطيع تعميم رأيه أو الخبر الذي عرفه ، ومع غياب الحرية عن المواقع الالكترونية سيكون للماء أن يجد مسرباً آخر ، وهذا سيحمل شكل "المناشير" الالكترونية أولاً ، والمواقع الالكترونية مجهولة الحسب والنسب والأصل.
قبل عشر سنوات تقريباً أصدرت نشرة يومية ، على شكل صحيفة ، توزّع عبر البريد الالكتروني ، وكتبت عنها "كريستيان ساينس مونيتر" بأنّها تصل إلى نحو ثلاثمائة ألف قارئ في أنحاء العالم ، وهو رقم تأكّد منه مراسلها في عمّان بالرؤية المباشرة ، وأظنّ أنّ البريد الالكتروني سيكون واحداً من وسائل "المناشير" المقبلة.
ما نقوله إنّ أحداً في العالم لن يستطيع وقف حرية التعبير ، خصوصاً مع هذا التطوّر المذهل في وسائل الاتّصال ، ولعلّ أفضل ما سمعت تعليقاً على القرار الجديد هو ما ذكرته أنييس كالامارد إنّه يحاول أن يخلق جواً من الترهيب ، ونحن نقول إنّه ترهيب لن يُرهب أحداً.