تتابع الفيلم الوثائقي الذي بثته قناة الجزيرة عن "دلال المغربي" ورفاقها ، والعملية التي تم تنفيذها في تل ابيب ، وتسمع أمها وشقيقها وبعض رفاقها ، يحدثونك حول حياتها واستشهادها.
رموز المقاومة العربية ضد اسرائيل ، وفي ساحاتها ، عددهم كبير ، ولا تجد توثيقا لهؤلاء الابطال وحياتهم وقصصهم ، الا في القليل من الكتب والافلام ، برغم شجاعتهم ، وحين ترى الفيلم الوثائقي الذي ابدعته قناة الجزيرة بكل هذه الحرفية والمهنية والجمالية ايضا ، تعرف ان لا شيء صعبا امام من يريد تخليد هؤلاء في الذاكرة.
فيلم دلال المغربي ورفاقها ، يجعلك تتأكد دائما ان البطولة لا تتبدد مهما طال الزمن ، وجثمان الشهيدة لم تسلمه اسرائيل حتى يومنا هذا حتى في عملية التسليم الاخيرة مع حزب الله ، حيث تبين بعد فحوصات الـ"دي ان ايه" ، ان الجثمان ليس جثمانها.
مقابل هذا الفيلم ، تقلب قنوات الاعلام العربي ، اغلبها لا يختلف عن قنوات الصرف الصحي ، اثارة للكراهية الدينية ، واثارة للخلافات الطائفية والسياسية ، بالاضافة الى سيل قذر منهمر من الافلام والاغاني التي تريد تخريب البيت العربي وهتك حرماته ، وبث الشهوات والرغبات فيه ، من اجل انتاج اجيال جديدة لا تؤمن بوطن ولا قضية ، فتصبح لقطة القتل في غزة او العراق او لبنان ، لا قيمة لها ، لانها محاصرة وسط مئات القنوات التي تسرقك من اجل السهر والفرفشة ، القنوات تمحو الذاكرة التي تشحنها الاحداث ، ودورها يقترب من دور الممحاة ، وفي ظروف اخرى ، تتجاوز هذا الدور نحو تعبئة الذهنية العربية بالاسفاف والرخص ، والعولمة والتغريب ، والتغيير ، بحيث تصبح الاجيال معدومة الوجدان والشخصية والهوية.
الاعلام التلفزيوني العربي خطير جدا في البيوت. غالبية العرب تتشاطر على قنوات القمر الاوروبي وتشفرها ، خوفا من مشاهد الجنس ، وهذا امر حسن. ما هو اخطر اليوم هو انتقال اللعبة الى القنوات العربية ، التي تعرض لك اجساد الشباب والصبايا شبه عراة ، وتُدخل الى البيوت لقطات الحميمية بطريقة غير مباشرة ومباشرة بين الذكور والاناث ، وتجعل تناول الكحول في مجتمعات مسلمة ، امرا يوميا ، كما يجري في المسلسلات التركية المدبلجة الى العربية ، وهي موجة وصلت الى الافلام التي تتم دبلجتها ايضا ، من اجل ايصال موجة التغريب حتى الى الذين لا يجيدون قراءة العربية مترجمة ، ويعوضونهم بالاستماع ، وكأن النسف والهدم يراد منهما ، ان يشملا الجميع.. صغارا وكبارا.
المؤسف ان ردنا على قنوات الصرف الصحي يكون ببعض قنوات دينية جامدة ، لا تجذب ولا تسر حبيبا ، وما زلنا نغرق في هذا المستنقع ، دون قدرة منا على الخروج منه ، وها نحن نرى اجيالا جديدة تلتبس لديها الاشياء ، فالجهاد ارهاب ، والعري والفساد حريات شخصية ، والمقاومة مضيعة للعمر ، واسرائيل لا تُهزم ، وامريكا تحتل الكواكب ولا يهزمها احد ، وحضارتنا تافهة ورجعية والامم التي مقاييسها غير مقاييسنا هي التي سادت وانتصرت ، فأين هي الجدوى لقيمنا؟. هذه هي احدى اهم رسائل قنوات الصرف الصحي اليوم.
فرق كبير بين اعلام يحدثك عن "دلال المغربي" واخر يحدثك عن اخبار هيفاء وهبي واليسا واخواتهما في عالم علب الليل ، مع الاعتذار من روح الشهيدة ، لعدم جواز المقارنة اساسا.
mtair@addustour.com.jo