زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - ثمة «طبخة سياسية كبيرة»، هذه العبارة ترددت خلال اليومين الماضيين وبكثافة على ألسنة الدبلوماسيين الأجانب والمسؤولين الأردنيين بعد رصد «الحراك السعودي» الاستثماري والسياسي النشط في الجوار حيث «جسر الملك سلمان» المثير للجدل مع مصر ولقاء العقبة الدافئ بين عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني والأمير محمد بن سلمان.
على هامش الحراك السعودي المؤثر في إتجاه بلدين مجاورين هما الأردن ومصر تحديداً يمكن قراءة ثلاثة تطورات في غاية الأهمية حصلت بالجوار.
التقارير الواردة حسب معلومات «القدس العربي» من جنوب سوريا تؤكد اليوم بان بين أحضان فصائل المعارضة السورية وتحديداً «الجيش السوري الحر»، «نوعية متطورة ومختلفة» من الأسلحة تعزز القدرات العسكرية للفصائل في مواجهة النظام السوري وتنظيم «الدولة» معاً وتحديداً في منطقة الجنوب حيث الحدود مع الأردن.
التطور الثاني لافت جداً وقوامه تفاؤل الإخوان المسلمين بنسختهم الأردنية على الأقل بأن الميزان الإستراتيجي السعودي لا ينمو في الإتجاه المضاد للتنظيم الإخواني في الإقليم، وبأن زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز الأخيرة و«المهمة» للقاهرة قد تؤدي لتخفيف الضغط عن الإخوان المسلمين ولن تؤدي لتقوية شوكة النظام المصري ضد الإسلاميين.
التطور الثالث له علاقة بالملف العراقي بالتوازي فبعد ظهور إشارات أولية على الحسم في اليمن يبدو أن السعودية التي تتجه استراتيجياً لمرحلة ما بعد «التجاهل الأمريكي» والاستقلالية في إدارة ملفاتها وبهذه الحال فهي – أي السعودية – متصلة بالنقاشات المتفاعلة في العراق تحت عنوان تدشين خطط لإقامة الإقليم السني ضمن إتجاه فيدرالي ثلاثي «سني وكردي وشيعي» يتفرغ بالكامل لمواجهة تنظيم «الدولة» والإرهاب، الأمر الذي لا يتقاطع مع رغبة الإدارة الأمريكية عملياً.
«الطبخة» الجديدة سعودية باميتاز كما يلاحظ كثيرون تحدثت معهم «القدس العربي» مؤخراً خصوصاً في عمان وتركيا.
رئيس لجنة الأمن والاستخبارات في البرلمان التركي أمر ألله إشلر تحدث عن «علاقات تفاهم مهمة» تنمو مع السعودية كشريك محتمل في تحمل مسؤولية ملفات المنطقة، وأشار وهو يتحدث مع «القدس العربي» في ملفات العلاقات التركية – العربية إلى نقاط تقارب وتوافق متعددة مع القيادة السعودية.
في الأثناء وعلى هامش تعليقه على إشارات ما سمي بـ «وثائق بنما» لمح رئيس الوزراء الأردني الأسبق علي ابو الراغب وهو سياسي مخضرم إلى ان الجميع اليوم في غرف القرار يراقب الولايات المتحدة وهي «تترك» حلفاءها والمنطقة برمتها لا بل تسعى لتشويه بعضهم على أساس نظريتها الإقتصادية الجديدة المتعلقة بالاتجاه نحو الصين وآسيا.
ما يلمح له أبو الراغب ينتقل إلى مستوى القناعات والوقائع في بلد خبير بالملفين السعودي والأمريكي مثل الأردن فعلى هامش احتفال رسمي تقدم أحد وزراء الحكومة الأردنية من السفيرة الأمريكية في عمان النشطة أليس ويلز قائلاً: «لا تغضبي… عندما تتجنبين مصافحتي سأصافح غيرك».
وزير آخر مطلع جداً وأساسي في المطبخ اسمتعت له «القدس العربي» وهو يلخص ملامح المطبخ السعودي اليوم على النحو التالي ..»الأمير محمد بن سلمان هو مستقبل السعودية وقد يكون الأهم فيها ولديه تصورات استراتيجية لافتة وخطته التي نعلم بها تتضمن استثمار ما يقارب 200 مليار دولار على الأقل في تطوير «صناعات حربية وعسكرية».
المسؤول نفسه لفت النظر إلى ما يلي ايضاً: الإدارة السعودية تتجه إلى الاستقلال تماماً عن الإدارة الأمريكية ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً وقررت ردا ًعلى «اتهامات أوباما» الأخيرة فسلفة الاعتماد على الذات تماماً والإنفتاح على روسيا واتفقت مع موسكو على رفع أسعار النفط بطريقة مهنية وشرعية إلى 80 دولاراً.
وفقاً للمسؤول نفسه الأردن مهتم باحتواء كل الخلافات المسكوت عنها بين الرياض والرئيس عبد الفتاح السيسي.
بعد هذا الحديث بأيام قليلة فقط تحركت «الماكينة» السعودية فزاد فعلاً وبدرجة ملموسة سعر النفط دولياً وبدأت مفاوضات «النزول عن الشجرة» مع الحوثيين في اليمن وقام الملك سلمان بزيارته الشهيرة الأخيرة لمصر وحصل على جزيرتي تيران وصنافير ودشن مشروع الجسر المثيـر للجـدل فيمـا جلس الأمير محمد بن سـلمان في العقـبة قبل مروره على أبو ظبي في زيارة حظـيت بحـفاوة إعـلامية أردنية مبـالغ فيها.
في العقبة أبلغ الأمير محمد بن سلمان الأردنيين باختصار ما يلي: السعودية ستدفع بأقصى قوتها لتطوير التحالف العسكري بين البلدين و»الخبرة الأردنية» مطلوبة جداً في تعاقدات التدريب المستقبلية وصندوق الاستثمار السعودي الذي سينقل مستوى الدعم السعودي للأردن على النار تماماً وسيوضع على الطبق قريبا ًجداً والسعودية مستعدة لتلبية طلب أردني قديم ومهم وأساسي بعنوان الإستثمار في مجالات الطاقة والنقل والأهم اليورانيوم.
في الأردن وفي السياق لافت جداً ان الإخوان المسلمون «يرحبون» بالحراك السعودي ومطمئنون لنتائجه على أساس أنهم في الواقع حلفاء اساسيون للسعودية في اليمن وفي لبنان وعندما يتعلق الأمر بمواجهة النفوذ الإيراني وعلى اساس ان الضغط السعودي الخلفي هو الذي سمح عملياً بتفاهمات مصر الأخيرة مع حركة حماس وأبطأ من منسوب قرارات الإعدام بالقضاء المصري ضد قيادات الإخوان المسلمين.
بهذا المعنى ووفقاً للعديد من المعطيات يمكن القول إن «الطبخة السعودية « الكبرى- إذا جاز التعبير- أصبحت مشروعاً سياسياً ينمو ويتحرك ويمشي على قدمين. وقوامه دعم مصر السيسي، وإغلاق أزمة استهداف الإخوان المسلمين، والانعتاق أو التحرر من البوصلة الأمريكية، والانفتاح المصلحي النفطي الاقتصادي على روسيا، والغوص في مجال الاستثمار الضخم في الصناعات العسكرية تمهيداً لتشكيل قوة عسكرية موحدة باسم الدول الإسلامية تعيد ترسيم اللعبة الاستراتيجية في المنطقة.
على الأقل تلك السيناريوهات التي يمكن التقاطها من قراءات الخبراء والمسؤولين وبعض الدبلوماسيين بدون ان يعني ذلك عدم وجود ما هو مخفي أو لم يتضح بعد أو من دون ان يعني ان الخطة الإستراتيجية السعودية في طريقها الفعلي للنجاح والنفاذ.
القدس العربي