فنانون ومرشحون يتحدثون عن تمسكهم بالإسلام
من الحكمة أن تواصل الحكومة حوارها مع الحركة الإسلامية
حكوماتنا تتعامل مع الذين ينحازون إليها كالمناديل الورقية
الأردنيون يهتمون بما يجري في زمبابوي أكثر من اهتمامهم بالانتخابات القادمة
بلال حسن التل
من الأشياء التي كانت ملفتة عبر وسائل الإعلام, خلال عطلة عيد الفطر المبارك, إسهاب الفنانين من راقصين وراقصات وطبالين وعوادين.. الخ, في أحاديثهم عن مدى تمسكهم بآداب رمضان وعباداته, وإصرارهم على إتباعه بصوم \"الستة البيض\" من شوال. بل لقد ذهب أكثرهم إلى إعلان أدائه للعمرة في رمضان, أو عزمه على أدائها بعد العيد مباشرة.
في نفس الإطار, وفي نفس السياق قرأنا عبر الصحف, والمواقع الالكترونية الأردنية, كيف كان بعض الذين يعتزمون ترشيح أنفسهم للانتخابات النيابية القادمة, يصرون على الظهور بمآدب الإفطار أو السحور. وكيف ان بعضهم كان يظهر في اليوم الواحد, على أكثر من مأدبة إفطار أو سحور. في حين كان البعض يصر على الصلاة في المساجد, رغم ان رواد هذه المساجد يعلمون علم اليقين انه لم يتجه إلى القبلة يوماً. هذا عداك عن تسابق بعض المرشحين إلى توزيع الصدقات والزكوات, مع ان تاريخه يبرهن على انه من الراشين والمرتشين. ومن الفاسدين والمفسدين. ومن أصحاب الأكباد الغليظة التي لا ترق لآلام الفقراء والمساكين.
ترى ما الذي يجمع الفنانين, مع مشاريع المرشحين للبرلمان في بلادنا؟ هل هو التمثيل الذي قال عنه زعيم عربي (التمثيل تدجيل) وان كليهما, الفنان والمرشح يشتركان بهذه الصفة؟ أعني صفة التدجيل, والظهور على غير المظهر الحقيقي وقول الزور والبهتان, إلا من رحم ربي.
أم إنهما, كليهما, أعني الفنان الذي يمثل على خشبة المسرح, أو أمام الكاميرا, و المرشح الذي يتطلع إلى التمثيل تحت القبة بدلاً من فوق المسرح, وأمام كاميرا الأخبار بدلاً من كاميرا الأستوديو. هل كلاهما يؤمن بأن الإسلام والإسلام وحده هو المحرك الحقيقي لجماهير الأمة, وانه ميزانها عند الاختيار؟ لذلك يحرص هؤلاء وهؤلاء, على الظهور بمظهر من يحترم شعائر الإسلام, وأركانه لينال أصوات جماهيرية, خاصة وقد أثبتت كل الانتخابات التي جرت بحرية ونزاهة في كل بلاد المسلمين, ان الجماهير تختار دائماً الأقرب إلى الإسلام, والأكثر تمسكاً بأهدابه. بدليل هذا الفوز الكاسح لحماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية. وبدليل ما جرى في الجزائر وباكستان. وفي كل بلاد الإسلام والمسلمين. وما لنا نبعد كثيراً, ولا نقدم التجربة الأردنية نموذجاً ودليلاً, أفلم يحبس الأردنيون أنفاسهم خلال الأسبوع الماضي, عندما وصلتهم أنباء بدء الحوار بين الحكومة والحركة الإسلامية. وإمكانية ان تتراجع الحركة عن قرارها بمقاطعة الانتخابات النيابية القادمة. حيث ارتجَّت أركان الكثيرين من الذين يعتزمون خوض الانتخابات القادمة. لأنهم يعلمون يقيناً ان خوض الحركة الإسلامية للانتخابات, يقضي على آمال الكثيرين من المتطلعين إلى قبة البرلمان. لأن هؤلاء لا جذور لهم. ولا أوزان لهم تؤخذ بعين الاعتبار. إذا شارك الإسلاميون في الانتخابات القادمة. لا لشيء إلا لأن الإسلاميين يمثلون بمدى قربهم من دين الأمة ضمير شعبنا. لذلك ينحاز شعبنا إلى المرشح الإسلامي, ويتجاوب مع نداءات الحركة الإسلامية, بصرف النظر عن امتدادات الإسلاميين العشائرية أو الاجتماعية, فليس لهذا يختارهم الناس. لذلك فان من الحكمة ان تواصل الحكومة حوارها مع الحركة الإسلامية, لتصل معها إلى قواسم مشتركة تتراجع بموجبها الحركة عن مقاطعة الانتخابات. وبالتالي تأخذ هذه الانتخابات زخماً شعبياً.
وعلى ذكر الزخم الشعبي فقد كان واضحاً خلال عطلة العيد حجم عزوف الأردنيين عن الحديث في شؤون وشجون الانتخابات. فقد حضرت شخصياً خلال عطلة العيد عشرات المجالس مع مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية والتوجهات السياسية. واللافت فيها جميعها ان الانتخابات النيابية القادمة لم تكن محل اهتمام أحد. وانه وإن حدث أن حاول أحد الحضور فتح حديث حولها فقد كان يواجه بكثير من الاستخفاف وهز الأكتاف. وكان الحضور يسارعون إلى تغيير الموضوع, والانتقال للحديث في موضوعات أخرى. وقد قال لي سياسي أردني مخضرم, ومنخرط في الهم العام. انه لم يمر في حياته بحالة تشبه هذه الحالة من تعاطي الأردنيين, واهتمامهم بالانتخابات النيابية القادمة. وأضاف: والله لو ان هذه الانتخابات ستجري في زمبابوي لكان اهتمام الأردنيين بها أكثر؟! بل لقد وصف مسؤول يحتل الآن موقعاً قيادياً في الدولة العملية الانتخابية القادمة بأوصاف مفزعة يخجل أن يقولها اشد المعارضين للدولة.
وعندي ان لهذا الإعراض الشعبي عن المشاركة بالانتخابات, بل ومجرد عدم الاهتمام بها, حالة تنذر بالخطر. وتطرح مجموعة من الأسئلة الحرجة, أولها: هل وصل عدم الثقة بين المواطن والدولة إلى هذا الحد الخطير؟ فرغم كل أحاديث الحكومة وحشدها للمشاركة في الانتخابات القادمة, فان كل المؤشرات والاستطلاعات, تؤكد بأن المشاركة في الانتخابات القادمة ستكون متدنية. ورغم كل المحفزات فان غالبية أصحاب الأسماء الوازنة والذوات المحترمة تحجم عن خوض الانتخابات. رغم ان الطريق أمامها سالكٌ سهللٌ إلى قبة البرلمان. فهل يريد هؤلاء ان لا تحسب عليهم مرحلة من الواضح, انها لن تكون أفضل من التي مضت وانتهت, بحل المجلس السابق؟ أم ان خبرة هذه الذوات المحترمة علمتهم ان الرابح هو من ينحاز إلى ضمير شعبه. وان حكوماتنا تعودت أن تتعامل مع الذين ينحازون إليها كما يتعامل المرء مع المناديل الورقية التي تنتهي وسخة إلى سلة المهملات؟
غير غياب الثقة بين المواطن والدولة. هل نستطيع القول أيضاً ان من دلالات هذا العزوف عن المشاركة في الانتخابات, هو ان الأردنيين وصلوا إلى حالة من اللا مبالاة, لدرجة غير معقولة, وغير مقبولة؟ أم انه الهدوء الذي يسبق العاصفة؟
كل الاحتمالات واردة, وكل عام وانتم بخير وبلدنا بألف خير.