من سنوات انقضت ونحن نتّبع في بلدنا الحبيب طريقة تقديم الساعة ستين دقيقة في نهاية كل ربيع، ونرجعها ستين دقيقة في بداية كل شتاء، والحجة التي نفعل بها هذا هي دائماً ذاتها ( التوفير )... وكم من موضوع علقناه على شمّاعة التوفير !!! ولم نسأل أنفسنا لمصلحة مَنْ يتمّ العبث براحتنا وإقلاقها وتغيير ضبط ساعاتنا البيولوجية الدقيقة التي برمجها فينا البارئ عز من خالق ، وتغيير نمط حياتنا الرتيب المنظم بحجة توفير بضعة قروش (وهمية) لا يتم توفيرها حقاً لو نظرنا للأمر بعين الملاحظ المدقق.. خاصة أن الاستهلاك المنزلي للكهرباء لا يتغير بحدة ؛ فمن لديه مكيّف بالصيف للتبريد سيستخدمه أيضاً للتدفئة بالشتاء ، وإنارة الشوارع ذاتية لا تعترف بتغيير التوقيت بل تتعلق بكمية النور الواردة إلى خلاياها الضوئية من الشمس عند بزوغها فتنطفئ ، وعند غياب الشمس يقلّ النّور الوارد إلى الخليّة فتضيء المصابيح .
وهذا التغيير الكئيب يطال الفئات الكادحة العاملة التي تستيقظ منذ الفجر ولا تبقى في أسرّتها الدافئة حتى تعلن الساعة العاشرة صباحاً كغيرها من الطبقات الرّاقية، هذه الفئة التي لن تشعر بأهمية هذه الساعة - لو تغيّرت - لأنهم أصلاً يستيقظون يومياً والشمس تداعب وجنات السماء. أما نحن : الموظفون والعاملون والمعلمون والأطفال الصغار من طلاب المدارس الأساسية و السائقون وغيرهم الكثير من أصحاب المهن التي تتطلب طبيعة أعمالهم الاستيقاظ منذ الفجر الذي يكاد يقارب الساعة الخامسة صباح كل يوم ..
فنحن الذين ندرك أهميتها !! وعندما يدخل الربيع والصيف فإنّ بعض ضوء النهار صباحاً يتسرّب للبيوت فتبدأ الأمهات بإطفاء الأنوار ( توفيراً ) على جيوب أزواجهن من دفع الفواتير .. ولكن لو تم تقديم الساعة ستين دقيقة ( فكأنك يا أبو زيد ما غزيت) !! فأي بيت هذا الذي ليس فيه أطفالٌ في مدرسة أو موظف أو عامل أو سائق ؟؟؟ وأي بيت عندما يستيقظ مَن فيه لا يقومون تلقائياً بإضاءة الأنوار في الغرفة التي هم فيها والمطبخ والحمام والصالة حتى يتمكنوا من استخدام مرافق البيت في هذا الوقت المبكر من النهار والذي لا يزال فيه من الظلمة الكثير .. فأين هو هذا التوفير وقد حُرِمْنا من حقنا في نور الله الطبيعي ؟؟
أمن أجل توفير ساعة في المساء - نقوم بإنفاقها نحن في الصباح - نقلق راحتنا ونتبع تقليداً غربياً أعمىً ظنّاًً منا أنّ ما يناسب دولة أوروبية يناسبنا ؟؟ ما ذنبنا إن كان اللّيل في تلك الدول أكثر طولا من ليلنا .. وهم وجدوا أن من مصلحتهم استغلال ساعات النهار ، ولكن لماذا نطبق ما يفعلون وهو لا يعود علينا بالنفع حقاً؟؟ وأنا أتحدّى أن يكون استهلاكنا الشهريّ للكهرباء في الشهر الذي يتم تقديم السّاعة فيه قد اختلف ( كثيراً )عن الشهر الذي نعيدها للتوقيت السابق فقد أثبتت الدراسات على كل حال أن نسبة ما يتم توفيره من الطاقة ضئيل جداً يتراوح ما بين (5,. % - 4 % ) على تفاوت البحوث والدراسات البريطانية والأمريكية وفي مختلف البلدان التي تحدثت بهذا الصدد.. وهذا يمكن حلّه بإضافة دينارٍ واحدٍ سنوياً على كل فاتورة لأن الوفر الكهربائي الذي قدرته هيئة تنظيم قطاع الكهرباء خلال عام 2009 مع اعتماد التوقيت الصيفي بين 7 - 8 ملايين دينار، وبالتالي هذا الدينار يغطي معظم الوفر المقصود الوصول إليه ، ويرتاح الجميع من هذه التغييرات المميتة !!
إضافة لعيوب هذا النظام الكثيرة وأهمّها أنّ تحويل الساعة قد يضرّ بالنائم بشدّة ويسبّب اضطرابات النوم وتخفيض تأثيره النافع للإنسان ويدوم ذلك لأشهر، كما يسبّب اضطراب الساعة البيولوجية للإنسان فقد أثبتت دراسة سويدية أجريت في عام 2008 أنّ الإنسان يكون أكثر عرضة للسكتات القلبية في الأسابيع الأولى من الربيع بعد بدء تطبيق التوقيت الصيفي ، وتقلّ نسبة التعرض إلى أدنى مستوياتها فى الأيام الأولى من الخريف أى بعد انتهاء التوقيت الصيفي. وقد ذكرت حكومة كازاخستان أسباباً صحية ضمن مبرراتها لإلغاء التوقيت الصيفي عام 2005 ، أيضا يسبب التوقيت الصيفي إضاعة للوقت عند تغيير كل الساعات التى لا تتغير تلقائياً .. وبالتالي يسبب تعقيدات خصوصاً للمسافرين فى مناطق زمنية مختلفة .. ممّا يسبب ارتباكاً واضطراباً للقاءات والمقابلات والأسفار والإذاعات والسّجلات والبنوك وأنظمة الدفع، كما أنه يقلّل من نشاط المزارعين والموظفين حيث يأتون وينصرفون فى وقت مبكرٍعن المعتاد فى الصيف مما يجعل عملهم أقلّ قيمة مما يضرّ بالمؤسسات والشركات المختلفة.
وبالتالي يصبح من الأجدى للجميع أن نبدأ بتوجيه أنفسنا نحو الترشيد باستهلاك الكهرباء ، وأن تبذل هيئة تنظيم قطاع الكهرباء المزيد من الجهود التوعوية لحثّ الناس على التوفير دون الإضرار بصحتهم وتكبيد الخزينة آلاف الدنانير التي يتم إنفاقها على العلاجات والمستشفيات نتيجة تضرر الكثيرين صحياً !
إضافة لما أذكره من تحريم ديننا الحنيف على الناس ما كانوا يفعلونه في الجاهلية عندما كانوا يغيّرون الأشهر الحُرُم ويستبدلون واحداً مكان آخر ( النّسيء) ،حتى يتحكموا في مواعيد الغزو والقتال ، لأن الزّمن لله تعالى خالقه وهو محرّم بنص القرآن الكريم وقوله تعالى : ( إنّما النّسيء زيادةٌ في الكفر يُضلّ به الذين كفروا يُحلّونه عاماً ويحرّمونه عاماً ليُواطِئوا عِدّة ما حرم الله ) فهل يحلّ لنا أن نقترض ساعةً من الليل ونعتبرها نهاراً عندما نرغب بذلك وبعد انتهاء القرض نعيد الساعة الفقيدة لمكانها الذي أقرّه الله لها؟؟ أم بالقياس يُصبح هذا فعلاً محرّماً؟؟ ألسنا ننزع بركةَ يومنا عندما نعبث بما ليس لنا يدٌ فيه ولا حقّ في تغييره ..
أليس مَن حرّم التلاعب بالأشهر يُحرّم التلاعب بالأيّام والساعات؟؟ فهل عُدنا لزمن الجاهلية بعد أن مرّت الأيام ؟؟ نطلب من دائرة الإفتاء العام مشكورةً ، إصدار فتوى شرعية في هذا الموضوع ، لنتحدّ ضدّ هذا الأمر الطارئ على ديننا وأمتنا ليكون لنا كياننا وخصوصيتنا.
nasamat_n@yahoo.com