يعتقد البعض أن الثقافة ليس إلا استكمالاً لنصاب الدولة ومؤسساتها ,وهي ليست سوى حكراً على مجتمعات تحاول خلق أفضل الرسامين والشعراء وطرق لتقديم موائد الطعام المميزة واستحداث رقصات تضاهي الفلامنكو والمازوركا بشهرتيهما وغير ذلك على مستوى الفن والأدب والسلوك, والدفاع هو الوجود والاستمرارية والأمن والهيبة والاستقرار , وكلّنا يعلم أن ما تُخصِّصُهُ الدول العربية تحديداً لوزارة الدفاع يضاهي أضعاف أضعاف ما يُخصص لدعم الثقافة والمثقف.
ولم أتطرق للحديث عن أفراد ومجموعات يسعون للانغلاق الفكري والعقائدي ويهاجمون العولمة الثقافية وكأنها تسونامي التي ستأتي لمحو الهوية العربية التي فقدت ملامحها وعروبتها عند أول هطول لحبّاتِ المطر الغربية علينا, واستحضر قولاً لأستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة د.عاطف العراقي في مقابلة مع مجلة الوطن العربي يقول : \" من يخافون العولمة الثقافية يحاولون ترويج بضاعتهم الفكرية الفاسدة \"
وعند الرجوع لذاكرة التاريخ يعلم الجيل المنكوب حجم المؤسسات والمجلات الثقافية العربية التي أُغلقت بالجملة بعد حرب حزيران 1967 وهذه بحد ذاتها هزيمة تستحق الاعتراف لا وبل تحتاج التصديق فذاك كله قد عُكِسَ على الجيل الحالي الذي لم يرث سوى مكتبات تفتقر للكتب وكتب تستجدي القارئ مسح الغبار من عليها, وسلوك ولفظيات تحتاج لإعادة إنتاج
وهذه مسألة عليها أن تؤخذ بمحمل الجد فالحصة الثقافية في العالم العربي تحتاج لحصتين , ولا أدري حال الأمة آو حال دولة قررت الحرب دق أبوابها كيف سيكون حال شعبها لو كان محدود التثقيف ...
ولو نهبط عن السلم المصائب عشر درجات وننظر لحالنا عند الإعلان عن حالة جوية صعبة أو ثلج سيستمر بالتساقط ليومين , نبدأ بتحويل الثلاجة إلي بقّالة صغيرة تكفي لإطعام عائلة مدة شهر أو اثنين.
ومن البديهي أنَّ ارتقاء المستوى الثقافي لدى الأفراد سيؤدي إلى النهضة والإنتاج والاختراع والإبداع ,وأيضاً ارتقاء ثقافة السلوك ستؤدي بطبيعة الحال إلى حاجة أقل لوزارة العدل وضغط اخف على مراكز الشرطة وسجون أقل اكتظاظاً ومصروفات ومخصصات متناقصة لوزارة البيئة والتنمية والإنشاء وبالتالي مجتمع يعيش بمبدأ كل فرد في المجتمع هو شُرطي ضابط لنفسه في سلوكه, وهذا ما يجب أن يكون الحال عليه.
أعتقد أن الثقافة بكل أنواعها هي التي تحسم الصراع على المدى البعيد وحين تظن الدولة أن تقليص الحصة الثقافية لصالح وزارة الحرب هو أمر طبيعي فهي مخطئة تماماً والثمن سيدفع إما أثناء الحرب أو بعدها ..وما نتفق عليه جميعا أنَّ القناص مهما حصد من أرواح وممتلكات فان الثقافة تبقى خالدة وبعيدة عن مرمى الرصاص ...
emadfuad@hotmail.com