كثيراً ما يمر على الواحد فينا قضايا شائكة وخطيرة جدا تدعونا إلى الانزعاج، احد أهم القضايا،تلك التي تتعلق بهيبة الدولة بعدما يتم ربطها بقضايا عادية جدا وتضخيمها حد الفتنه من قبل البعض. من الأمور التي ارتبط اسمها خلال الآونة الأخيرة بهذه الصورة هي زيارة عدد من الوطنيين الأردنيين ضريح الشهيد وصفي التل - في منطقة صويلح الكمالية – ثاني أيام عيد الفطر وربطها بالأمن الوطني الأردني.
هذه الزيارة قادت دائرة الإفتاء العام للتدخل فأصدرت،فتوى هي الأولى من نوعها في تاريخ المملكة.،تحرم بموجبها الخطب السياسية عند القبور كونها تدخل باب التسييس،ولما لها من كبير الأثر على زعزعة استقرار البلد. خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية.
ما بين زيارة وصفي وتدخل دائرة الإفتاء تكمن هناك صورة غريبة الملامح،فمن هو الذي قام بسؤال الدائرة،ولماذا جاءت في هذه الفترة،التي تحمل في رحمها قضايا مثل عملية السلام واستمرار حصار غزة،وسرقة أموال الشعب بحجة الخصخصة،أمور أكثر أهمية من زيارة ضريح ما لرمز وطني ما او تحويل زيارة لضريح ما الى منبر للخطب السياسة.
دائرة الإفتاء أفتت بعدم جواز إلقاء الخطب السياسية عن القبور،في حين لم نجدها قد طرحت لنا من ذي قبل رأيها في عملية السلام،ومعاهدة وادي عربة،لم تقل لنا وجهة نظرها الشرعية في حصار غزة او بمشروعية المقاومة ودعمها،لم تبين موقفها من إغلاق قناة السويس،وتضييع ثروات العراق بعد احتلاله،لم تقل لنا رأيها في سرقة أموال الوزارات والمؤسسات العامة،لم تقل لنا.
نتفق مع دائرة الافتاء فيما ذهبت اليه فتحويل زيارة القبور الى ميدان للخطب السياسية في الأوقات العادية،لكننا لسنا معها ان كانت الزيارات في أوقات غير عادية،ما هو قولها عندما يصاب المجتمع الأردني بشرخ عنوانه عدم الثقة بالحكومة وبرامجها المشبوهة بمقابل إصرارها على ازدراءها للشعب الذي أصيب بمرض اليأس لا شفاء منه،في حين نسيت او تناست ان الحكومة بجلال قدرها وعظمتها سلطانها وجبروتها ترفض السماع والاستماع لمطالب الشعب،خاصة المصيرية المتعلقة بالملف السياسي الرافض شكلا ومضمونا حل المشكلة الفلسطينية على حساب الأردن،والرافض تحت تفريغ فلسطين من أهلها،لإنجاح خرافات وأوهام ما يدعى بالسلام. فهل تستطيع دائرة الإفتاء ومن وراءها ان يلوم الشعب إن هو أصيب بجنون جعله يخاطب الأموات والأضرحة والقبور وفق قاعدة الضرورات تبيح المحظورات.
بذا سأقول : لعمري ان التوجه الى القبور ومخاطبتها وساكنيها لهي أفضل من مخاطبة إحياء لا يسمعون ولا يكترثون لأمر احد،فالحديث الى أمواتاً أحباب حتى ولو كان ضربا من الجنون لهو أفضل من الحديث الى أحياء أعداء.
هل مطلوب منا اليوم ان لا نستذكر احد من رموز أردننا الغالي،وإنكارهم كونهم يمثلون إحراجا للحكومة ومن سار دربها خاصة اننا نعلم بان الحكومة مقصرة باتجاه الشعب
في عين السياق جاءت مقالة الأخ حسن بلال التل في غير مكانها ،مع إنني لا اعتبر ما اكتب اليوم بمثابة رسالة له،بل هو شعور وإحساس رافقني طيلة ذلك اليوم الذي تكلل بزيارة ضريح الشهيد الحي وصفي التل،واخذ عدة صور أولا : الزيارة حتى وان كانت لضريح واحد من أهم رجالات الأردن الذين لهم بصمه واضحة باقية لا تنمحي بيد النكرات،ثانيا :الحضور يعلمون تمام العلم ان القضية الأسمى من الزيارة لا علاقة لها بالضريح بل برسالة واضحة أريد إيصالها انطلقت ذي بدء على يد وصفي التل الوطني الأردني،هذا يعني ان المشاركين يسيرون وراء القضية الوطنية الأردنية بكافة تفاصيلها،لا وراء أشخاص هم ألان في دار الحق،حتى ولو كانوا أصحاب قامة باسقة كما وصفي التل او هزاع المجالي.
ثالثا:في الثقافات العالمية جمعاء،يتوجه المواطنين الى قبور رموزهم في أوقات العسرة،لشحذ الهمم وللعبرة،فهل يعني مثلا زيارة قبر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الأعظم تسييس،هل قراءه الفاتحة عند قبور صحابة رسول الله تسييس.هل زيارة ضريح المغفور له جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه لقراءة الفاتحة تسييس ونفاق سياسي،هل زيارة ضريح الشهيد صدام حسين تسييس،وهل زيارة قبر صلاح الدين الأيوبي التسييس.
لابد من القول وبمنتهى الصراحة ان القضية الأسمى التي قادت جموع المواطنين الى ضريح وصفي التل هي الأردن،خاصة ونحن نرى صمت أبناءه أمام ما يتعرض له من مساومات تتسلل من أسفل الطاولة. ويراد تطبيقها بالقوة مستخدمين كافة الأسلحة التي بحوزتهم بدعم من قبل أصحاب المشروع الصهيوامريكي في المنطقة الذين يعتبرون كل من لا يسير وفق وصفاتهم القاتلة بمثابة عدو يتوجب تشويه صورته والنيل منه ان أمكن.
لذا كان ولابد ان يقسم الوطنيين الأردنيين على أنفسهم الدفاع عن بلادهم بمهج والأرواح وفلذات الأكباد،حتى لو الصق بهم تهمه العنصرية،فان كان حب الأردن عنصرية كما يدعي البعض فنحن عنصريون،وان كان عشق الأردن إرهاب فنحن إرهابيون،وان كان هوا الأردن نازية فنحن نازيون،وان كان فاشية فنحن فاشيون، مرهوبون الجانب لا نخاف في الله والأوطان لومة لائم،أقوياء بوجه من يعتبروننا هنودا حمر يتوجب استئصال فروات رؤوسهم.
لا أنكر ان اليوم ثاني أيام عيد الفطر السعيد،قادني لشعور مفعم بالايجابية،فقد أيقنت ان في الأردن بقية باقية قابضة على الأردن كمن يقبض على الجمر،وتتمسك بوطنيتها على الرغم من كثرة معارضيها من أصحاب مشروعا ميزته لا وطني لا عربي لا إسلامي،يقوم أساسا على استثمار الوطن باعتباره شركة برجوازية رأسمالية.
وصفي التل ليس برجل عادي حتى يتم ظلمه بهذا الشكل خاصة من ذوي القربى،لقد صفي وصفي بغية ضرب مشروع الحركة الوطنية الأردنية،بمقابل فتح الباب على مصرعيه لأصحاب المشروع الصهيوامريكي في المنطقة الذي تبنته حركة فتح وحملت به سفاحا لتنجب نتائج غاية في السوء ،مازالت ذات اثر نكتوي بنارها الى يومنا هذا.
من هنا لابد من القول ان لا وصاية لأحد على وصفي التل وعلى تراثه ولا حتى ضريحه فهو ليس ملكا لأحد ولن يكون في يوم من الأيام،هو ملك للجميع،كان ومازال وسيبقى.
وصفي التل رجل وطني أردني دفع عمره ثمنا لبقاء الأردن ومشروعه الوطني الذي يرفع من قيمة الاردنة بمقابل الحط من ثقافة الاستسلام والعمالة والتجارة. وصفي التل ليس أيقونة عشائرية ،بل هو أيقونة أردنية عربية أسلامية فكرا وعملا.
وصفي التل صاحب راية اصلاحية تغيرية نيوايجابية وقفت حصنا منيعا بوجه تيارات الفساد والإفساد والاستسلام والتسليم،راية عمت الأردن من عقله الى قلبه ومن رأسه حتى أخمص قدميه. وصفي التل تاريخ واقعي باقي لا يمكن طمسه حتى وان حاول البعض، من الذين يشعرون كما لو انه شوكة في حلوقهم الى ألان. وصفي التل لا يمثل ذكرى ماضية بل يمثل مشروع وطني حاضر فينا وقادمون به،عنوانه الأردن أرضا وقيادة وشعبا ... الله يرحمنا برحمته ..وسلام على أردننا الهاشمي ورحمة من الله وبركاته.
خالد عياصرة
Khaledayasrh.2000@yahoo.com