تحت عنوان \"مجتمع الكراهية\" وقبل أربعين عاماً تقريباً, وضع دولة المرحوم \"سعد جمعة\" رئيس وزراء الأردن الأسبق كتاباً صوّر فيه واقع المجتمع وملامحه تصويراً حقيقياً سليماً, وواقعاً ما زلنا نعيشه, من مظاهر انعدام الثقة, والكراهية والأحقاد والضغائن, وضعف الروابط الأخوية وروابط الألفة والمحبة والصداقة الحميمة, وتفشي ظاهرة الإشاعة الفاسقة الكاذبة, والتي قد تصيب \"فلان\" أو \"علان\" من الناس بجهالة,,,
لعل البعض يحتج على هذا العنوان وأبعاده ومضمونه, قد يكون محقاً, وأتمنى معه لو أننا لم نصل إلى هذا الحد من الشكوى والتذمر من مظاهر \"النفاق الاجتماعي\" التي باتت مهيمنة على واقعنا الذي نعيشهُ,,,
وتتجلى مظاهر \"النفاق الاجتماعي\" في مجتمعنا في كل مرةٍ يقتربُ معها موعد الانتخابات النيابية,,, فبدل الحديث عن كفاءة المرشح وقدرته على خدمة الوطن والمواطن وتناول نزاهته واستقامته وأخلاقه,,, يكثر الحديث عن كثرة \"مناسفه\" و \"كنافته\" التي يقدمها,,, وعن كثرة \"ملايينه\" و \"بيوته و بناياته\" و \"سياراته\" وعن اتساع أحجام ومساحات الإعلانات التي ينشرها, والأثمان الباهظة لمغلفات دعواته,,, وفي ظل هذه الأحاديث تبدأ طائفة من الناس بالتحرك والظهور, وهي طائفة مجتمع \"النفاق الانتخابي\" مهمتها \"التطبيل\" و \"التزمير\" و \"التلميع\" و \"الهتاف\" و \"تبيض\" هذا المرشح أو ذاك دون وجه حق, زوراً وبهتاناً وتظليلاً لعباد الله البسطاء والفقراء والمحتاجين الذين لا حول لهم ولا قوة,,, إلا التصديق أملاً في الحصول على مساعدة أو وعد بوظيفة,,,
وفي المقابل, مما يؤلم ويبعثُ على الحسرة أنَّ \"المنافقين\" في مجتمع \"النفاق الانتخابي\" لا يقفون عند هذا الحد,,, بل يعمدون إلى تأليف وإشاعة الروايات الكاذبة التي تسيء و \"تشوه\" و \"تسوِّد\" هذا المرشح أو ذاك مع سبق الإصرار, لا لشيء إنما إرضاءً للشيطان وإرضاءً لمن اشتراهم بثمن قليلٍ بخس,,,
ويزدادُ الألم وتتسع دائرة الحسرة في قلوب ونفوس الأتقياء الأنقياء المشهود لهم بالنزاهة والاستقامة والكفاءة والصلاح والفلاح ممن قرروا خوض الانتخابات النيابية عندما يتحرك \"المنافقون\" في مجتمع \"النفاق الانتخابي\", ضدهم, بحجة أنهم لا يملكون المال ولا يطعمون \"المناسف\" ولا يقدمون الهدايا ولا يركبون السيارات الفارهة. ولا,,, ولا,,, ولا,,,
ويشتدّ الألم عليك – شفقةً على الوطن والمجتمع والناس – من مجتمع \"النفاق الانتخابي\", عندما يتبرع أحد أقربائك, قد يكون \"أخاك\" أو \"عمك\" أو \"خالك\" أو من اعتقدت أنه صديقك الصدوق – إذا ما أعلنت عن رغبتك في الترشح – لينافق عليك ويجاهر بالإساءة إليك ظلماً وجوراً و \"يتفنن\" في قدحك وذمك والتشهير بك لا لشيء إنما حسداً و غيرةً أو مقابل حفنة مال أو \"دُحبيرة\" منسف,,,
ولكن يبقى أشد مظاهر \"النفاق\" إيلاماً ووجعاً وإساءةً للمجتمع والوطن, عندما يتزعم رهط \"المنافقين\" في مجتمع \"النفاق الانتخابي\" فئة من المثقفين والمتعلمين الحاصلين على أعلى الشهادات,,, فيسيرون خلف مرشح غير كفؤ تسلح بالمال, وقد يكون هذا المال من جيوب وأفواه الفقراء والبسطاء والأيتام والأرامل,,, جرياً وراء وعدٍ زائف أو مكسبٍ رخيصٍ قد لا يتحقق, فيوصلون إلى مجلس النواب أشخاص لا يمثلون إلا أنفسهم ولا يخدمون إلا رغباتهم وأموالهم,,, فينعكس ذلك ضرراً على الوطن والمواطن وستكون أنت يا من \"طبلّت\" و \"زمّرت\" و \"هتفت\" أول المتضررين,,,
إن الحديث عن \"نفاق\" أهل \"مجتمع النفاق الانتخابي\" يطول ويطول\", وأختم قائلاً لهم: إنكم إلى الدرك الأسفل من جهنم – بإذن الله – سائرون, والله أسأل أن تعودوا إلى رشدكم وتكونوا مع الله ورسوله ومصلحة الوطن ومصلحة الأمة.
الحادية عشر من مساء الجمعة بقلم:
15/شوال/1431ه. معين المراشده
24/أيلول/2010م.