زاد الاردن الاخباري -
بعد قرابة خمس سنوات من عهد حكومة رئيس الوزراء الأردني، عبد الله النسور، تضمنت قرارات حكومية رفعت أسعار سلع وخدمات ضمن ما أسمته الحكومة برنامج "التصحيح الاقتصادي" ومحاولة "إنقاذ الاقتصاد والدينار الأردني"، برزت تحذيرات من إفلاس الدولة الأردنية خلال السنوات القادمة، مع ارتفاع المديونية إلى مستوى غير مسبوق.
وكان رئيس الحكومة قد قاد سابقا حملة "ترويجية" الفضائيات، مخيرا الأردنيين بين "الوقوف مع الوطن" أو "انهيار الدينار الأردني"، إلا أن اقتصاديين يقولون إن المواطن لم يلمس نتائج هذا "التصحيح" عمليا، بعد أن أظهرت أرقام ومؤشرات رسمية تراجع نمو الاقتصاد الأردني وارتفاع الدين العام ومعدلات البطالة وهروب الاستثمار وتآكل الطبقة الوسطى وارتفاع معدلات الفقر.
فتحت شعار إنقاذ الموازنة، رفعت حكومة النسور أسعار المحروقات والكهرباء والسلع المختلفة ابتداء من عام 2012. فارتفع سعر أسطوانة الغاز المنزلي من 6.5 دينار إلى 10 دنانير، بنسبة وصلت إلى 35 في المئة، بينما ارتفع سعر البنزين بنسبة 20 في المئة، إلى جانب فرض رسوم وضرائب عديدة.
ورغم كل هذه الإجراءات، حذر نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق، مروان المعشر، في ندوة "مستقبل الأردن في ظل التحديات الإقليمية والداخلية" الأسبوع الماضي، من "المملكة يمكن أن تصل لحالة الإفلاس بحلول عام 2020".
وقد وصلت المديونية العامة للبلاد لأرقام "تاريخية"، حيث بلغت 32 مليار دولار، وهو ما يشكل 90 في المئة تقريبا من الناتج المحلي..
أرقام ومؤشرات
وبحسب نشرة وزاة المالية الأردنية، ارتفع الدين العام الأردني، الداخلي والخارجي، حتى نهاية شهر شباط/ فبراير الماضي، إلى 23.2 مليار دينار أو ما يعادل 33 مليار دولارـ مقارنة مع 22 مليارا و848 مليون دينار في العام 2015.
وأظهرت الأرقام الرسمية في المقابل؛ ارتفاع معدلات البطالة، حيث سجل تقرير دائرة الإحصاءات العامة ارتفاع البطالة إلى 14.6 في المئة، مقارنة بـ12.9 في المئة خلال الربع الأول من العام الماضي، في ظل تراجع النمو الاقتصادي والقدرة على توليد فرص العمل وتراجع الاستثمارات بنسبة 28 في المئة.
كما تراجع تصنيف الأردن الائتماني من مستقر إلى درجة "بي بي سالب"، حسب تقرير مؤسسة "ستاندارد آند بور" لخدمات تصنيف ومعايير الائتمان الدولية.
ويفسر الخبير الاقتصادي والرئيس السابق لجمعية المحاسبين الأردنيين، محمد البشير، سبب الأزمة الاقتصادية وارتفاع المديونية في الأردن بلجوء الحكومات الأردنية إلى استخدام هذه الديون لسد عجز الموازنة.
وقال: "الخمسة والعشرون عاما الماضية شهد مستوى النفقات الجارية فيها ارتفاعا هائلا على حساب النفقات الرأسمالية، وذهبت هذه النفقات بنسبة 70 في المئة إلى الرواتب والمكافآت وخدمة الرواتب".
ويوضح البشير أن السياسة الحكومية الاقتصادية أدت الى "استمرار النفقات وانكماش الاقتصاد وتدني الإنتاجية، وبالتالي حدوث نمو وهمي في الطبقات العليا أو الخدماتية"، معتبرا أن الفساد المالي والإداري و"توطنه في الأردن" كان له "دور في الأزمة الاقتصادية، من خلال إخفاق الكثير من المشروعات".
ويصف خبراء الاقتصاد الأردني بـ"الريعي"، فهو يعتمد بشكل أساسي على المنح والمساعدات، الأمر الذي يضعه في مواجة التغيرات الإقليمية.
وقال مروان المعشر في الندوة إن "الأردن ومنذ البداية؛ قد تم بناؤه على أسس الاقتصاد الريعي لا الإنتاجي، حيث تقوم الدولة اليوم بتشغيل نسبة 42 في المئة من القوى العاملة، وتشكل أعلى نسبة في العالم، في ظل فساد في التوظيف وتضخم في القطاع العام وبطالة مقنعة".
إلا أن المحلل الاقتصادي سلامة الدرعاوي؛ لا يتفق مع مقولة أن "الاقتصاد الأردني يتجه نحو الإفلاس".
وأشار إلى أن "الإفلاس يعني أنه لم يعد هنالك دخل ولم نعد قادرين على الإنتاج الاقتصادي وعلى العمل.. هذه كلها مواصفات غير موجودة بالأردن؛ لأن الأردن ما زال لديه دخل، لكنه يعاني من تباطؤ بالاقتصاد وتباطؤ بالدخل بسبب أوضاع داخلية وأوضاع إقليمية ساهمت بشكل سلبي بتراجع عجلة نموه الاقتصادي، مع تراجع حوالات المغتربين، وأثرت على جهود الاستثمارات والتدفقات السياحية".
ويصف الدرعاي الوضع الاقتصادي في الأردن بـ"غير السليم"، مضيفا: "هناك عجز يتنامى في ظل المديونية الكبيرة.. الوضع غير سليم، لكن هناك احتياطات ضخمة للأردن تقدر بـ14 مليار، وما زال المجتمع الدولي يدعم الاقتصاد الأردني، و تقدم الدول المانحة مساعدات، سواء قروض أو منح مباشرة، بالتالي لا نستطيع أن نقول عنه إفلاسا، لكن هنالك حالة غير رشيدة بالاقتصاد"، بحسب قوله.
"الاقتصاد بخير"
من جانبه، يرى رئيس هيئة الاستثمار الأردنية (مؤسسة حكومية) ثابت الور؛ أن المملكة "تجاوزت سابقا تحديات اقتصادية أصعب مما عليه في الوقت الحالي".
ويقول: "الأردن مر بظروف أصعب من الآن، ومر بتحديات أكبر، والبلد كانت أمورها الاقتصادية أيضا أصعب، وخاصة القطاع المصرفي. أما حاليا قطاعنا المصرفي بخير وبظروف مقدور عليها، ونحن مقبلون على مرحلة خير وفيها بوادر واضحة جدا"، وفق تقديره.
وأضاف الور: "الأردن مثله مثل الدول بالمنطقة فيما يتعلق بما يحيط بنا من قضايا، بل على العكس، هناك نقاط قوة في الاقتصاد الأردني، كرأس المال البشري المدرب، وجهازنا المصرفي السليم، واحتياطاتنا النقدية المهمة، ورصيدنا المهم من أصدقائنا في العالم".
ويشير إلى أنه "منذ 2012 وحتى 2014 شهدنا أعلى مستويات لأسعار البترول، كما ارتفعت أسعار الغاز الذي اعتمدنا عليه لتوليد الطاقة، لذا لجأنا لبدائل كانت صعبة وتحديات كبيرة نحن الأقدر على تحويل التحديات إلى فرص" .
لكن أردنيين يحملون النهج الاقتصادي الحكومي، المرتبط بصندوق النقد الدولي، مسؤولية تدهو وضع المواطن المعيشي وإغراق البلاد في ديون يصل نصيب الأردني منها إلى ما يقارب أربعة آلاف دولار، إذا ما قسمت مديونية المملكة على سبعة ملايين مواطن أردني؛ نسبة كبيرة منهم تحت خط الفقر مع تآكل الطبقة الوسطى، وفق اقتصاديين.
وتطالب أحزاب المعارضة ومحللين باستبدال النهيج الحالي بنهج محلي يقوم على الإنتاج الصناعي والزراعي، بعيدا عن تلقي المساعدات والقروض.
ولفت المحلل الاقتصادي محمد البشير إلى "ما زلنا (في الأردن) نعتمد على دعم الدول، وأيضا ما زلنا نراهن عليها بدل الاعتماد على اقتصادنا، وهذا يدعو للخوف".
ورأى أن "المخرج من الأزمة الاقتصادية في الأردن يكمن في تغيير السياسات المالية والسياسات النقدية، والفريق الاقتصادي الذي يديرها منذ فترات طويلة والذي أوصلنا إلى ذلك"، مشددا على "ضرورة وجود إصلاح سياسي كي يقود إلى إصلاح اقتصادي، وبدون ذلك لن تغادر المملكة الأزمة التي تعيشها اليوم".
عربي 21