التعيينات الأخيرة في مجلس الأمة، وضعت مصداقية مجلس النواب وديوان الخدمة المدنية، والحكومة على المحك، وبات المواطن لا يثق بأي قرار تتخذه الحكومة، والمجلس القادم سيكون بلا ثقة شعبية...؟
كتب تحسين التل:- عند الحديث عن أبناء الوطن، فإننا نقصد أولئك الذين يحرسون الحدود، ويحملون أرواحهم على فوهات البنادق، نتحدث عن الذين قطعت أصابعهم في المعامل، وفقدوا أجزاء حيوية من أجسادهم خدمة للاقتصاد الوطني، نتحدث عن الشرفاء وعن إخلاصهم وتفانيهم في خدمة كل جزء مهم من تركيبة الأردن. أنا هنا أقصد الفلاح في حقله، وما يتساقط منه من حبات عرق حتى يوفر مادة غذائية صحية وسليمة لأبناء الشعب الأردني. أنا أقصد العامل الذي يكتوي بنيران الشقاء، والتعب، والألم من أجل تأمين مقعد جامعي حتى ينهي ولده تحصيله العلمي، ويجلس في البيت دون عمل وهو ينتظر دوره الوهمي في ديوان الخدمة المدنية.
عندما نتحدث عن نشامى الوطن، أقصد هنا الذين ما بخلوا بقطرة دم واحدة، وهم مستعدون في كل لحظة لتقديم الروح رخيصة فداءً لأمنه واستقراره، نتحدث عن معاناة الكبار من الآباء والأجداد الذين ساهموا في بناء الدولة، وجعلوا أرواحهم وأجسادهم معبراً لكل عربي هارب من ظلم الإحتلال، وظلم الإستعمار، وأحياناً كثيرة؛ من ظلم ذوي القربى، فتحنا بيوتنا لكل شقيق وصديق ومسلم، ولكل من يجد في بلدنا ملاذاً آمناً ينعم فيه بالأمن، والطمأنينة، والاستقرار.
لم نبخل على أحد، دفعنا ضرائب كثيرة من أرواحنا، وأموالنا، وحق أولادنا في الصحة والتعليم والحياة الكريمة، أما الوظيفة فقد ذهبت الى غير أهلها، وصار الغريب ينافسنا عليها، وينتزعها من أولادنا بحجة إكرام الضيف، حتى صار الضيف يحمل لنا سيفاً يقطع فيه رؤوسنا.
عندما أتحدث عن التعيينات الأخيرة، والإثم العظيم الذي ارتكبه النواب، فأنا أتحدث عن مائة وتسع نواب أخذوا حقوق غيرهم من أبناء الطبقات المهمشة، والفقراء، ومن لا سند لهم أو واسطة، وكانوا هم وقود المعارك الإنتخابية في كل دورة أو مرحلة من عمر الوطن.
النواب الذين استمرؤوا الرواتب الضخمة، والإمتيازات، والسفريات المدعومة بالمياومات التي يسيل لها لعاب الطامح؛ صار يفصلهم عن الشعب سنوات ضوئية، وهم كذلك أقرب الى الطبقات المخملية من الوزراء والأعيان والشخصيات العامة، صار النائب لا يفكر كثيراً في التقرب من الدائرة الإنتخابية بقدر ما يفكر في حجز مقعد بين كبار رجالات الدولة، لأنه يعتقد بأن كرسي النيابة لا يدوم مقابل رضا المسئول الذي من المؤكد سيؤمن له الوظيفة التي يحلم بها أي متسلق على أكتاف الشعب.
قبل أشهر كنت أتابع عن قرب بعض جلسات مجلس النواب، وكان أحدهم يدعوني لمتابعة جلسات ساخنة من وجهة نظره، يُسأل فيها الوزير أو ربما يتم استجوابه إن لم يجب على أسئلة النائب خلال فترة شهر من إرسال الطلب أو الإستجواب، وخلال تناول طعام الغذاء جلست مع أحد النواب، وإحدى (النائبات)، ومعهم كان يجلس أحد الوزراء، وبدأوا يلتهمون مما لذ وطاب من أصناف البوفيه المفتوح الذي يعد يومياً من قبل أفضل مطاعم عمان، والذي يكلف الدولة آلاف مؤلفة من الدنانير تدفع من جيوب دافعي الضرائب...؟!
خلال الطعام كان النائب يمزح مع الوزير ويقول له: كيف السؤال الموجه لمعاليكم، كيف وأنا أحرجك أمام المجلس. وكأن النائب يضغط على الوزير لتلبية مطالبه وإلا قام بإحراجه تحت القبة.
النائب الآخر وجه ذات السؤال: إذا يا معالي الوزير بتلف وبتدور رح أقدم بحقك استجواب مدمر. وتبادلوا الضحك بصوت عال وأكملا إزدراد الطعام.
أقسم لكم على أنه أصابني الاشمئزاز من هذه الأفلام التي حدثت أمامي والتي يحاولون إقناع الشارع من خلالها بأنهم يحاسبون الحكومة، والدليل الواضح الذي ظهر مؤخراً عملية (تزريق) 109 موظفين وافقت على تعيينهم الحكومة، ولم تلقي بالاً لأبناء الفقراء من عامة الشعب ممن يتمنون وظيفة مراسل أو عامل وطن ولا يجدوها لأن الوظائف صارت عن طريق ديوان الخدمة المدنية...!
بربكم كيف ستستقيم أمور الوطن ولدينا هذه النوعية من النواب جل ما فعلوه خلال السنوات الماضية هو استهزاء بعقول، ومشاعر الشعب الأردني، والالتفاف على حقوقه...