عندما وعدتنا الحكومة بأن يكون عام 2016 أفضل من العام الماضي، وعدتنا أيضاً أن يكون عام 2015 أفضل من عام 2014 بعدها قالوا لنا: اليوم أفضل من بكرة فاحترنا، هل نصدق المقولة الأولى أم نصدق المقولة الثانية، منذ هذه الوعود ونحن في انحدار اقتصادي شديد الوعورة، وجل ما تقدمه الحكومة هو رفع الأسعار، أو التهديد بتحريرها، والاتكاء على دخل المواطن المتهالك.
صار المواطن يؤمن بموضوع الطفرات، إذ يقضي 29 يوماً من الشهر وهو في حالة ترقيع غذائي، ومصطلح الترقيع الغذائي هو من اختراعي. يجب أن أضعه ضمن المصنفات، وأسجله كبراءة اختراع باسمي، خوفاً من أن يقوم أحد الكتاب بسرقته، وعندها سندخل في قضايا تطول وتطول في أروقة المحاكم.
كان السلف الصالح، وهنا أقصد الآباء والأجداد، ولا أقصد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا يأكلون وفق ما يتوفر لهم من طعام: منسف، مرقة عدس، مجدرة، رشتاية، أذان الشايب، مقروطة، دحاريج، هفيت، تشعاتشيل، مردد، مكمورة، خبيزة، علت، حميض، عكوب، وفي الأيام التي لا يكون فيها القدر على النار؛ يأكلون خبز الشراك، والسمن البلدي والسكر...!
كانت خيرات وأصناف لا تعد ولا تحصى في بيوت الأردنيين، وكانت تحتوي على كواير – مفردها كوارة – لتخزين الطحين. أمهاتنا كن يصنعن من الخبز (العجايب) لتأمين الطعام، فالبيت الذي يمتلك الطحين لا يجوع أفراده مهما بلغ عددهم...!
اليوم لا وجود للكواير في البيوت، موجود فقط 2 كيلو خبز داخل البراد، لأننا نعتمد على نظام الترقيع الذي حدثتكم عنه في البداية، فإذا شحت الدنانير، وهذا حاصل طيلة أيام الشهر؛ اعتمدت النساء على الإستقراض من الجيران، ابتداءً بحبة البندورة، وانتهاءً برغيف الخبز، وأعرف من العائلات في إربد يستقرضون من الجيران جرة الغاز لاستخدامها في تجهيز طبخة واحدة وإعادتها لأصحابها. هل تعرف الحكومة بذلك.
أما موضوع الطفرات فهو عكس الترقيع الغذائي، لأن الطفرة هي حدوث ما لم يكن في الحسبان، أن تعيش أغلب أيام الشهر على مرقة العدس، أو الخبز والشاي، وأنت تفكر جدياً بتخصيص يوم في الشهر الكئيب لتطبخ فيه وجبة متكاملة الأركان؛ على سبيل المثال: مقلوبة (ع جاج).
الترقيع لا يتعلق فقط بالغذاء يا سادة، لأن الغذاء هو جزء بسيط من اهتمامات المواطن. الترقيع الذي تعود المواطن عليه يدخل في كل أمور حياتنا، وربما يدخل في أول مرحلة من مراحل الموت.
هل تعلم الحكومة بأن المواطن الأردني صار يستدين الخبز، والسردين، والفول، والبندورة، والبطاطا، والعدس لكي يمكنه من ملاحقة قرارات الحكومة التي برعت في تجويعه من خلال الضرائب، والمخالفات، والغرامات، لأن المواطن من أهم مصادر دخل الحكومة الأردنية.
هل تعلم الحكومة بأن نسبة كبيرة من أبناء الشعب الأردني مصابين بأمراض نفسية، ربما تكون أخطر من الأمراض العضوية، لعدة أسباب، أهمها: عدم قدرة رب الأسرة على تأمين الأقساط الجامعية، والرسوم المدرسية، وشراء الملابس، والأحذية، وتأمين مصاريف الطلاب.
هل تعلم الحكومة بأن المواطن الأردني تتراكم عليه فواتير المياه، والكهرباء، والتلفونات الأرضية، وهو محاصر بين أن يدفع كل الإلتزامات المترتبة عليه، أو أن يفقد كل الأسباب التي تربطه بالمجتمع والحياة، وإن حاول أن يجتهد ويجد له عمل إضافي يؤمن له جزء بسيط من الدخل، تعمل الحكومة عبر أجهزتها الرسمية على التضييق عليه، فإن اشترى سيارة كيا سيفيا ون، أو باص استخدمه لتحميل الركاب من مكان لآخر مقابل تأمين بضعة دنانير؛ تنهمر عليه المخالفات، وتحجز الرخص، ويطارد في رزقه حتى يبيع السيارة أو الباص للتخلص من ضريبة الرفاهية... قال (الكيا سيفيا ون) عند الحكومة مسجلة رفاهية... شر البلية ما يضحك.
بقي أن نقول إن الكفن ربما يشتريه المواطن بالدين أو بالتقسيط، ويصبح عندها من الديون التي تدخل في ذمة الميت
يا رب لطفك ورضاك..