نشرت بعض وكالات الأنباء الأردنية تقريراً كان بعنوان: سفيرة اسرائيل تعد الأردنيين بفرص عمل، فيه إساءات واضحة، وبالغة بحق الشعب الفلسطيني، والقضية الفلسطينية، يتقاطع هذا الخبر مع ذكرى نكبة فلسطين التي مرت على العرب مرور الكرام، الخبر يبرز احتفالات السفارة الإسرائيلية بعمان وقد حضر الاحتفالات شخصيات إعلامية وسياسية وبعثات أجنبية. ما يهمنا في الخبر أن الإعلام الأردني لم يكن بعيداً عن أوجاع وآلام الشعب الفلسطيني الذي عانى وما زال يعاني من وحشية الإحتلال، وبناء المستوطنات، وقتل الأطفال، واقتلاع الإنسان العربي من جذوره، فكيف نقف مع الظالم ضد المظلوم.
نعلم بأن إسرائيل أقامت دولتها على أراض فلسطينية في فلسطين، واعترف العالم بأسره بدولة اليهود، لكن يجب علينا أن لا نغفل عن القضايا العالقة بيننا وبينهم، ونتعامل مع إسرائيل على أنها دولة سددت ما عليها من التزامات تجاه جيرانها العرب، فالحدود العربية الإسرائيلية ما زالت معلقة، وأكاد أجزم بأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي لا يوجد لها حدود واضحة المعالم، بسبب احتلالها لأراض سورية، ولبنانية، وفلسطينية.
إسرائيل تحتل أجزاء كبيرة من الضفة الغربية وقطاع غزة، والجولان، ومزارع شبعا، وأنشأت الجدار العازل الذي اقتطعته من أراضي الضفة الغربية، كما أن قضية القدس من القضايا الرئيسية العالقة بين الأردن وإسرائيل من جهة، وبين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية من جهة أخرى.
إن عملية الإعتراف بما يسمى دولة إسرائيل دون أن تُتوقف الحكومات الإسرائيلية عن المماطلة، والتسويف، وتأجيل الحل النهائي الى ما لا نهاية، يجعل من الاعتراف بهذه الدولة ضرباً من المستحيل، وستبقى القضية تسعى بين متناقضات تجعل من مجرد ذكر اسم اليهود بالنسبة للعرب أمراً منفراً، ويبعث على الاشمئزاز بسبب ما ترتكبه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني وبحق المقدسات الإسلامية، وبالوقت نفسه؛ عملية تطنيش قرارات مجلس الأمن التي تم الالتفاف عليها بمجموعة من المؤتمرات التي أفضت الى توقيع اتفاقيات كان من مخرجاتها؛ سلطة فلسطينية لا حول لها ولا قوة، يجعل أيضاً من إمكانية الحل بعيدة المنال، طالما بقيت إسرائيل تسير على منوال السلام مقابل ما تقدمه من أوهام، وأحلام لا تتحقق على الإطلاق.
أنا استنكر ما قامت به بعض وسائل الإعلام الأردنية من نشر احتفالات السفارة مع أن ذكرى النكبة مرت كلمح البصر، ودون أن يعلم بها أحد، وبصراحة، لقد صعقت من نشر الخبر بهذه الطريقة المؤلمة، لأننا تعودنا على يوم النكبة منذ 68 عاماً ولم نتعود على احتفالات إسرائيلية كانت تتم دون أن يعلم بها العرب، وكانت مقتصرة على الأجانب فقط، بل إن بعض الدول الأجنبية كانت تحترم مشاعر العرب وترفض حضور هذه الإحتفالات، وكنا نلوم بعض الأشقاء الذين كانوا يشاركون اليهود على استحياء.
فلسطين تستحق منا أن نفديها بالمهج والأرواح، وإن لم نستطع أن نقدم ما علينا من التزامات تجاهها، على الأقل أن لا نؤذيها بمشاركات أو بإعلانات فيها إساءة بالغة لأبناء الوطن العربي بشكل عام، فالعرب وأهلنا في فلسطين قدموا الدماء، والأرواح في سبيل أن تبقى فلسطين قلب العروبة النابض، وقبلة المسلمين الأولى، ومسرى نبينا محمد عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم.
ممكن أن نعترف بإسرائيل كدولة مستقلة ذات سيادة، لها علمها الخاص كسائر الدول، ولها احتفالاتها الوطنية عندما يكون الى جوارها دولة فلسطينية ذات سيادة ومعترف بها من هيئة الأمم المتحدة التي تمثل كل دول العالم، وبغير ذلك سيبقى النزاع العربي الإسرائيلي قائما الى ما لا نهاية، وإن وقعت إسرائيل اتفاقيات سلام وتطبيع مع بعض الدول العربية، ومنها الأردن.
الحل النهائي وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس بما فيها المقدسات هو الفيصل الذي يجعل من الشعوب العربية (وليست الحكومات) تعترف بإسرائيل كدولة ذات سيادة، عندما تنتهي مشكلة اللاجئين، وحق العودة، والتعويض، وقبول الشعب الفلسطيني بما يعرض عليه، وتقوم دولته المستقلة، عندها فقط تحتفل كل دولة بعيدها الوطني، أما الآن وما زالت الأمور معلقة ويحتفل اليهود بمناسبات يطلقون عليها مناسبات وطنية، والطرف الآخر يعاني من ويلات النكبة، والقهر على ضياع وطنهم، هذا غير مقبول، لا يقبله العقل ولا المنطق، والعودة عن الخطأ فضيلة..؟