بداية فليعذرني أهلي و أبناء عشيرتي على الاستعانة و الاستشهاد بتجربتهم الانتخابية (دون الرجوع إليهم ) كمثال أطرحه في مقالي هذا و أدعمه بها وأعممها على باقي أطياف المجتمع وعشائره لكونهم جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع يحملون تاريخه وصفاته وعاداته وتقاليده، هذا المجتمع الذي تشابه تجاربه الانتخابية بعضها البعض، وكوني أحد أفراد هذه العشيرة الكريمة وعاصرت الانتخابات في الدورات السابقة وتأثرت كالبقية بتبعات قانون الصوت الواحد و أثاره علي شخصياً وعلى العائلة بأكملها، ارتأيت أن أستعين بهذه التجربة كي يكون كلامي مبنياً على وقائع وحقائق حدثت وليس مجرد استنتاجات.
لقد فرض قانون الصوت الواحد المتخلف أثاره المدمرة على نتائج الانتخابات في النسخ الثلاث الماضية وعلى العملية الديمقراطية برمتها وأوجد حالة غريبة من التشرذم والانقسام على مستوى المجتمع بأكمله وصولاً للأسرة والبيت الصغير وهذه نتيجة مؤكدة وحتمية لقانون رجعي صنع بأيدي عابثين أبداً لم يكن هدفهم وسعيهم النهوض والأخذ بيد هذه التجربة الفتية والوصول بها لمصاف الدول المتطورة أكثر مما سعوا لتفصيل قانون بدائي يحيدون به ويحجموا من يريدون ممن يعارضهم ولا يركع عند أقدامهم ، فأنتجوا قانوناً عقيماً مزقوا فيه جميع الروابط الاجتماعية وانهوا الحياة الديمقراطية وحطموها وافقدوها معناها وهي مازالت في نشأتها، ونتج عن هذا القانون الرجعي ظواهر غريبة على مجتمعنا قللت من قيمة الناخب و أهانت العملية الديمقراطية برمتها، فبرزت إلى الواجهة ظاهرة المال السياسي وما تبعها من عمليات لشراء الأصوات والذمم قادها مرشحون أطلقوا العنان لأبواق المال السياسي لتصدح وتشتري النجاح لأشخاص لم يحلموا بأن يحصلوا على أصوات غير أصوات أولادهم، لا يفقهون شيئاً ولا يجيدون سوى شراء النفوس الرخيصة وإذا بهم في فضل هذا الوضع المزري يحصدون معظم مقاعد المجالس ويكتسحون أناس افنوا حياتهم في الخدمة العامة والحزبية والنقابية والاجتماعية، كما أجبر هذا القانون الناس على اختراع طرق وآليات تخفف من آثار هذا القانون الكارثية، فبرز ما يسمى بمرشح الإجماع ومرشح الدور و......
لم تكن عشيرتي بمنأى عن هذه الكارثة ففي البداية انقسم أفراد العشيرة الواحدة كل حسب قريته ودعم كل منهم مرشحهم بناءً على معطيات عنصرية بحتة، ولم يكن انحياز كل فئة مبنياً على أي أساسات أو دوافع غير دافع العنصرية العمياء لإبن قريته، فانقسمت العشيرة على نفسها وكل واحد أصبح يشعر بأنه الأحق بأصوات العشيرة والأحق بالترشيح ويحرم على غيره هذا الحق دون وجود أسباب مقنعة تمنحه هذا الحق، وأصبح كل من يعارض ابن قريته ويدعم الآخر خائن وانهزامي، باع قومه فأصبح أمام خياران أحلاهما مر إما أن يختار ابن منطقته دون قناعة فتفقد الديمقراطية معناها وهدفها وإما أن يطارده شبح الخيانة لأربع سنوات قادمة ويلتصق به عار الخذلان ونكران الجميل.
أصبحت الحاجة ملحة لإيجاد طريقة تخرجنا من هذا النفق المظلم تفادياً لانشقاقات وأزمات بدأت غيومها ونذرها تلوح في الأفق، وبعد عدة اجتماعات وصلوا إلى آلية جديدة يحافظون فيها على وحدة العائلة وترابطها، وعلى الرغم من أن هذه الآلية في مضمونها أكثر تخلف من قانون الصوت الواحد خاصة في ظل سوء تطبيقها إلا أنها ساعدت في درء خطر المشاكل والفتنة بين الأقارب .
أتى هذا الحل على حساب الديمقراطية وحرية الاختيار ونوعية المرشح ، لكنه بنظر الكثير أحسن السيئ وأفضل المتاح في ظل هذا القانون العقيم الذي شتت عائلات بأكملها وحول الانتخابات النيابية في بعض المناطق إلى انتخابات مجالس قروية وبلدية ولا أبالغ إن قلت أنها أصبحت كانتخابات الجمعيات العائلية في بعض الدوائر المغلقة .
هذا الحل وهذه الآلية مبنية على إجماع العشيرة على مرشح واحد تصوت له كل العشيرة ويسمى مرشح إجماع معتمداً اختياره على نهج المداورة بين القرى واحيانا بين الأفخاذ ، ايجابية هذه الآلية الوحيدة تكمن في تفادي الانشقاق والمشاكل التي تخلق حالة من الخصام والقطيعة تصل أحياناً بين الزوج وزوجته، أما أكبر سلبياتها فهي تقييد حرية أفراد العشيرة ومنعهم أدبياً من منح أصواتهم لأي شخص آخر خاصة وإن باقي المرشحين من العائلات الأخرى هم عشائريون الصبغة لا يملكون أي برامج أو قواعد حزبية، والكارثة الأخرى في هذه الآلية هي في طريقة تطبيقها وطريقة اختيار مرشح الإجماع، فاختيار المرشح في الغالب لا يعتمد على معايير وأسس واضحة أو على مبدأ الانتخابات الداخلية بين أفراد العشيرة لإفراز الأفضل والأكثر شعبية بدل أن تفرض جهة معينة مرشح لا يملك أدنى مقومات النائب أو حتى المرشح بحجة أن الدور لها و من حقها أن تفرض المرشح الذي تريده ومطلوب من البقية أن يصوتوا دون أن يعترضوا آو يحتجوا و إلا حدث الانشقاق، فتصبح العشيرة بأكملها و بجميع أبنائها مرهونة لقرارات مجموعة صغيرة، وكان من الأفضل إن كان لا بد من تطبيق هذه الآلية لحين صدور قانون جديد هي إجراء انتخابات داخلية على مستوى العشيرة تفرز الأفضل و الأجدر و أن يلغى نظام المداورة .
و مع كل هذه السلبيات لهذه الآلية إلا أنني اعتقد بأنها مقارنة مع أوضاع البقية حققت اقل الخسائر، فهناك عائلات ومناطق تم شراء أصواتها و أصبح افرادها كالخراف يساقون دون أن يعلموا إلى أين هم ذاهبون ولمن و لماذا يصوتون، وهناك من تشتتوا ودخلوا في مناحرات ونزاعات حطمت كل أواصر القربى و الجيرة وأصبح موسم الانتخابات موسم شؤم بدل أن يكون موسم فرح، ولا يفتني أن اذكر تلك العشائر الصغيرة التي تاهت و فقدت أي فرصة للمنافسة و أصبحت خارج دوائر الحسبان حتى لو كانت تملك من الطاقات والوجوه القادرة على صنع التغير ما لا تملكه عشائر كبيرة ولكن قانون الصوت الواحد سيئ الذكر أرغمهم على التنازل عن حقهم مكرهين لا راغبين .
لقد كان لكل ما ذكرت من أثار لهذا القانون الفاشل الدور الأكبر في إنتاج مجالس نيابية ضعيفة، باهتة الأداء، ذات صبغة واحدة، ولون واحد وفكر واحد لا لون لها ولا طعم لها ولا رائحة كالطبخة المصنوعة من مخلفات الخضروات وبقايا الجيف، أنتج نواب همهم الأول والأخير تحقيق أكبر قدر من المكتسبات والامتيازات و المصالح الضيقة، وتسخير موقعهم لخدمة أعمالهم ومشاريعهم وأكبر مثال على ذلك المجلس المنحل وكلنا شاهدنا كيف أن عدد كبير من المقاولين أصبحوا نواباً حتى شعرنا بأن المجلس صار نقابة مقاولين وكيف تقاسموا كعكة السكن الكريم ومشاريع الدولة وأتوقع أن عددهم سيرتفع هذا العام نظراً لحجم المكاسب التي سيجنونها، ولسهولة الوصول إلى جيوب المواطنين التي أنهكتهم الحكومة بالضرائب وأفقرتهم فوق فقرهم وتطالبهم بعد أن أصبحوا يبيعون كلاهم وأعضائهم بأن لا يبيعوا أصواتهم ! أرأيتم بالله عليكم أو سمعتم عن سذاجة سياسية أكثر من هذه ولا أريد أن أقول كلمة أقسى في وصف هذه المسخرة، ووصل الاستخفاف بمجلس النواب ذروته في قضية تهريب الممنوعات بواسطة سيارة تحمل نمرة مجلس النواب .
باختصار لقد أتى قانون الصوت الواحد بأناس كان المجلس وخدمة الشعب ورقابة المسئولين وسن القوانين والتشريعات آخر همومهم وليس لها أي مساحة في جداول أعمالهم وحياتهم، وأكاد اجزم بأنه لو كان هناك قانون انتخاب عصري ونزيه لما استطاع أحد من هؤلاء الدخلاء على السياسة الذين استغلوا هذا لقانون العقيم واستفحال وباء الفقر المستشري , وسخروا مناصبهم ومناصب إخوانهم و آبائهم و أقربائهم للوصول لمجلس فقد احترامه وهيبته منذ زمن وصار عبارة عن نادي اجتماعي أغلب أعضائه من الباحثين عن الثراء والشهرة والجاه والنوم المريح، ولعلنا نشهد في المجلس القادم استبدال الكراسي بأسرة مريحة .
و أخيراً أتوجه لمن وضعوا هذا القانون ومن باركه ودعمه واسألهم :
هل كنتم تتوقعون أن تصلوا بهذه الديمقراطية إلى هذا الوضع المزري ؟
هل عملتم على أن يصل مثل هؤلاء إلى مجلس يمثل الأمة وهم لا يستطيعوا أن يمثلوا أنفسهم ؟
بماذا تحدثون انفسكم عندما تنظرون إلى ما فعلتم وأي خطأ جسيم ارتكبتم ؟
ألكي تبعدوا حزباً واحداً عن المجلس أبعدتم شعباً بأكمله !!!!!
و أقول لعشيرتي ولجميع الأردنيين
ليس من المهم أن توصلوا اسم العشيرة إلى مجلس النواب من خلال أصنام لا حول لهم ولا قوة، فهذه الأصنام لن تخدمكم إن كنتم تبحثون عن نواب خدمات ولن تخدم الأمة لأنها غير مؤهله في الأساس ولا تملك شيء تقدمه سوى هز الرؤوس، ولن تشرفكم لأنها هلامية لا أحد يشعر بوجودها ولن يتذكرها أحد، فعدم و صولهم أفضل بكثير ،و انتخبوا الأجدر حتى ولو كان غريب .
ملاحظة: لو كان هناك قانون انتخابي جيد و وحضور قوي للأحزاب والكتل الشعبية القوية لما كان هناك أي داعي لأن أتحدث مطولاً عن العشائرية و مشاكلها ليس لانني انبذها و لكن لسوء استخدامها من قبل البعض ، لكن هذا هو الحال الى ان يأتي الفرج!