هناك نوعان من كتب التاريخ الاول من يكتبه كتبة السلاطين وهو يطفح بالكلام الجميل وحكايات الف ليله وليله ، ولايوجد به ناقصة وتعلوه رسومات من الورد وعروق الياسمين والريحان ، وتقف عنده القلوب ما بين التصديق والتكذيب ، وله باع في ان يجلس على رفوف المكتبات لسنوات دون ان يفتحه احد ، وتعود عليه ايادي موظفي المكتبات العامة كل يوم لتلمعة وتزيد من بريقه ليبقى لامعا مشرقا كمحتواه كما اراد من كُتب له ومن كتَبه ، والنوع الثاني هو من يكتبه الشعب على لسانه وبمداد من دمه وبحكايات الليل الذي لايغطى بزبده لأنه محفور في اليومي وفي ساعات صلوات الفجر مع الدعاء بأن تكون شمس النهار عليه حانية ولا تذيب منه شيء ليبقى حرفا في لوح من الجرانيت ، بين النوعان يقع هامش التاريخ ويضيع المؤرخين وطلاب الجامعات بين السطور ايهم يؤخذ كمصدر وكمرجع للتوثيق ، احد رجالات الفكر الشوارعي والناطق الرسمي باسم زواريب المدينة وفي ساعة ملائكية اراد أن يعيد للشارع مجده المخطوط على لوح من الكرتون بعد ان القاه بائع الشيبس امام دكانه ، وبحثا عن قلم لايجف ولايفنى مداده استشار اصدقائه من المفكرين واشارو عليه بعود القصيب ليصنه منه قلما كما في ايام التاريخ القديمة ، والمداد جاءه احد باعة الخضار وقال له ان البصل مفيد جدا وينفع للكتابة لسبيبن الاول انه لايظهر مباشرة اثناء كتابته بل بعد فترة من الزمن عندما تضربه الشمس ويجف على الكرتون والثاني انه يُسيل دموعه امام المارة وسيجتمعون حوله لسؤاله عن سبب بكائه ، لم يكذب الوصفة المفكر واعد العدة واتخذ له زاوية من زواريب المدينة وبدأ بالكتابة ، واول ما خط هو التاريخ وعندما اراد ان يسجل الفترة الزمنية لما يريد ان يكتب عجز قلمه عن إكمال الكلمة الاولى فهو يبلغ من العمر الخمسين وقد ضاع منها عشرون عاما كان يبحث خلالها عن مستقر له في جغرافية المدينة السفلية ، وكون الحياة لاتقاس بعمر الفرد الواحد جمع حوله عدد من كبار السن ورجالات اسفل المدينة على طاولته المكونة من صندوقين من الخشب ( سحارة ) وكراسي من اطباق البيض المتراصة فوق بعضها البعض وعلى حساب الاجاويد كانت تقدم المشروبات الباردة والساخنة ليل ومساء ، والرجال يتحدثون وهو يسجل على الواح الكرتون بماء البصل كل ما يقال ، وبعد شهور من التسجيل استجمع الرجل عزيمته وبدأ بالكتابة وتوثيق وتفنيط كل ما قيل من الرجال ، وعند اول حرف توقف القلم مرة اخرى عن الكتابة وفاضت عيناه بالدموع التي مصدرها رائحة البصل ، وبعد جهد جهيد من البحث عن حروف الكلمات التي كتبة في ليالي السهر الطويلة لم يجد شيء ليكتبه ودموعه تسيل على الواح الكرتون ويشرب الكرتون الدمع ولم يتبقى منه سوى بقية زاوية لم يشربها الدمع ، وجفت مأقي المؤرخ وتوقف الزمن في اسفل المدينة عن الحركة واعلنت ساعة موته فجرا قبيل الصلاة وفي ذمته قلم من القصيب ورأس بصل ، ولم يتسطع احد ان يعرف ما حوى راسه من معلومات ، واعلنت الجهات الرسمية أن هذا المفكر مات من البكاء بدون سبب ، وكتب على شاهد قبره الكلمات التالية ( ان تاريخ الشعوب لايكتب بماء البصل !!)