من عادات الأردنيين وغيرهم من الشعوب العربية والإسلامية تبادل التهاني والدعوات الطيبة لبعضهم بعضا في صباح الأول من رمضان، لكن يد الغدر باغتتهم بالهجوم على مركز مخابرات البقعة، فأنستهم عاداتهم الإيجابية تلك مثلما أنستهم مشقة الصيام، لاسيما في اليوم الأول من الشهر الفضيل، فالتفوا حول قيادتهم ووطنهم، ولهجوا بالدعاء للشهداء بالرحمة، ولذويهم بالصبر، وهذا هو ديدن الأردنيين في كل مصاب عام أو خاص!
أخذ الحماس والغضب بعض الناس لاسيما على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أحاديث تثير الفتن والعصبيات أكثر مما تخدم الوطن وتحميه من العواصف؛ والأصل أن نحكّم العقل في كل ما يحدث، ونتعظ بما يحدث في دول الجوار؛ لننجو بأنفسنا ووطننا، علما بأن خطورة إثارة الفتن والدعوة إليها ليست أقل من الحدث الإرهابي نفسه.
المصاب كبير والملفت فيه أننا فقدنا 5 شهداء من أبنائنا على يد غدر واحدة مما يشي بأن الهجوم كان مخططا له تخطيطا دقيقا، وأن اليد الخبيثة التي نفذته مدربة تدريبا عاليا، وهذا يدعونا للتفكير جديا في أهمية الكشف عمن خلف القاتل أكثر من الاهتمام بالقاتل نفسه؛ لأن الأمر قد يتكرر في أماكن مختلفة من قبل خلايا نائمة رأت الوقت مناسبا للاستيقاظ لا سيما في الشهر الكريم حيث تكثر التجمعات في أماكن محددة مثل الأسواق والمساجد، وحيث التأثير على المغرر بهم بأن أبواب الجنة مشرعة في رمضان للقتلة، والأجر فيه مضاعف لمن يقوم بقتل الآخرين من الأبرياء.
جهود الجيش الأردني بكافة قطاعاته عظيمة في حماية الحدود الخارجية الخطرة الممتدة على الجبهتين العراقية والسورية الملتهبتين، وقد أعلن عن محاولات تسلل كثيرة باءت بالفشل، ومثلها محاولات إرهابية في الداخل أحبطتها أجهزة المخابرات أعلن عن بعضها، وهذا كله يعني أن الخطر محدق بنا وبين ظهرانينا وعلينا جميعا اليقظة والحذر لاسيما مع تزايد أعداد السكان، فقد يكون المواطن قادرا على كشف أمور لا تصل إليها أيدي رجال الأمن؛ إذ من الصعب وضع رجل أمن في كل شارع وكل حي، فهذه مسؤولية الجميع، وهذا أفضل بكثير من الانشغال بهوية القاتل وأصله وفصله، فلا حاجة بنا لتحميل جنسية ما أو أسرة ما أو حتى شخص ما بريء مسؤولية ما حدث، فهذا يندرج في تسفيه الحدث وتقزيمه وهو ليس كذلك، لاسيما ونحن جميعا نعلم أن الإرهاب لا دين له ولا جنس أو جنسية، وأن لا أحد مسؤول عن العمل الآثم إلا من خطط ودرب ونفذ فقط لا غير!
هناك دروس وعبر كثيرة سيأخذها المسؤولون بعين الاعتبار مثل وجود مكاتب عمل المخابرات بين التجمعات السكنية، وعند تزاحم الأقدام مما يسهل على المجرمين الوصول إليها، وضرورة تحصينها أكثر من أي وقت مضى، وأن لا يكون تغيير ساعات عمل الأفراد جماعيا، أو ذو مواعيد ثابتة ومعلنة ...الخ، وضرورة مراقبة من لديهم سجلات أمنية؛ لأن مثل هؤلاء يسهل جذبهم إلى خلايا الإرهاب، وقد يسهل عليهم اقتراف الجرائم أكثر من غيرهم.
أذكر في مرحلة الطفولة أن الحديث بشكل عام، وطرح الأسئلة بشكل خاص كان ممنوعا إذا كان رب الأسرة أو أحد أفرادها يعمل في أي من قطاعات الجيش، ولكن للأسف اليوم وبتوافر وسائل الاتصال السهلة قلما يحفظ سر للوطن أو الجيش أو الأسرة .... فكثير من الأمور باتت مكشوفة ومتداولة بصورة كبيرة.
مصابنا جلل بأبنائنا الذين فقدناهم ونحتسبهم عند الله شهداء، وقلوبنا مع ذويهم، ويجب أن يدفعنا ما جرى إلى مزيد من اليقظة والحذر، وإعادة صياغة كثير من التدابير التي تحفظ وطننا وأبناءنا.