صباحا ... في السادسة تماما وبلا خجل يبدأ المنبه بالتزمير المهيب وكأنه عاش لهذا الامل .... ناسفا لاغيا وقاتلا لكل لحظة سكون مارستها خلسة في نومي ، أصحوا فأرفع نصف الجسد ، كفي تحبو فوق رأسي تفك إلتحام الجلد والشعر وحين يشتد ضغط اليد على رأسي تدرك عيني ان عليها البدء في النظر ......
يداي تحملان الماء وصفقا على وجهي لفرض اليقظة على كيان استعمر بالقهر منذ الميلاد ، مرة اخرى تلو اخرى فلا مفر ، فتحات كاملة للعيون ، ترتيب الشعر ليفهم منه انه قد تم تسريحه ولو على عجل .
لا قهوة الا ما تم نسيانه في فنجان الامس لم يشرب سهوا ، وخلال طقوس القهوة لا بد من إستغلال الوقت المهدور في ركوب الحذاء وحسب الموضة بلا شراب .
مشية عسكرية لفرض الهيبة على الحاسدين من جيران العدم ، وبعض الكتب التي لم تفلح في رفع راتبي منذ ربع قرن ، أنتظر الباص ودون أن استفقده فهو متحفز دوما لشحني الى المفرمة .
أدخل باب المدرسة محشورا بين طلاب كأنهم كانوا في انتظاري ، الكتب تناثرت وفقدت شيئا من ارتفاع بنطالي ، قد تكون بحسن نية ... ربما لا .... فكل الداخلين معي كانوا يضحكون حين أنهيت من بينهم حصاري .
الحصة الاولى فالثانية فالثالثة وخلال إصراري على روعة التاريخ وحضارة السلف
أفقد نصف نصف إتزاني وأصبح أنا الهدف ... وعند الاستراحة أهرب الى احدى الزوايا أتفقد ما بقي من كياني ... تشاورني العيون للبكاء...... قليلا يا صاحبي.... فقد تعفيك هذه الدموع من جلطة هي في الطريق ... قليلا فقد تنظف العين والقلب واليد التي أنهكتها الطباشير .
اكمل حصصي بالشرح عن الفرس والروم وعن حقنا في الحياة وأصل العلوم ، وعن الأمل وعن اصول صناعة السفن .... وعن النصر وعن ...
اقف مرتعدا .. النصر !! ..... يا لوقاحتي فحتى الأنهزامية اصبحت ليست من صفاتنا المكتسبة ... بل اصبحنا مهزومين بالفطرة ........ يولد الطفل وبيده تعهد بالفشل والاستسلام لكل نكرة ...... تجتاحني كل يوم هذه المعضلة انا كاذب بحكم المهنة .
أخرج من ساحة المعركة الاولى مهزوما بأمتياز أحمل الطباشير التي تناثرت على ما تبقى من هيبتي وترافقني تعليقات الاجيال على خيبتي ... اتأبط كتب التاريخ وبقايا الأنا وأرحل نحو ما تبقى من كحت الساعات القادمة .. لأمضيها بين ناقل ومنقول وسائل ومسهول .
أهرب بين أركان بيتي الذي تم تجميعه على خجل ، أبدل الوجود والوجوه وأغرق بالتدريج بين صراخ الاولاد وهذيان زوجة تاهت بين التاريخ والطبيخ ، هذا يشكوا من قميصه القديم وهذه تطلب بعض المساعدة في حل التمارين وأمرأتي تسب الجارة والحارة وأسباب تعاستها ..... وكما يبدوا إني إحداها .
أسحب من يومي ساعاتي الباقية بكل جوارحي وأجاهد حتى يأتي ميعاد استلام الفراش لجثتي ........ حينها احتفل بيني وبيني بأول يومي الذي لم يأتي ، وفي التصاق جفني بوجنتي أشعر بأول طعم للنصر في مهمتي ولكن .... تصبح الساعة السادسة صباحا ويبدأ المنبه بلا خجل ....
جرير خلف