فجأة وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 ضد الولايات المتحدة وداخل أراضيها نفسها، فأشعلت أميركا بقيادة الرئيس جورج بوش الابن فتيل الحرب على أفغانستان.
ثم بالتنسيق مع رئيس الوزراء البريطاني الاسبق توني بلير شكّل بوش تحالف دوليا، وأعلنوا غزوهم للعراق في 2003 بدعوى أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كان يملك أسلحة دمار شامل تهدد المنطقة وإسرائيل.
ولم تبقي القاذفات الأميركية من طراز "بي 52" وغيرها قنبلة قديمة في المخازن إلا وألقتها على رؤوس الأفغان والعرب غير آبهة بطبيعة الأهداف أو بالفرق الواضح والشاسع في القوة بين الطرفين المتحاربين.
وبعد أن تضخمت الفاتورة على حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، أعلنت المخابرات الأميركية أن المعلومات التي وصلتها بشأن أسلحة الدمار الشامل كانت غير دقيقة، وأن صدام لا يملك منها شيئا أبدا، وأن الحرب انطوت على خدعة.
ثم سرعان ما وقف بوش الإبن على ظهر السفينة الحربية "أبراهام لينكولن" ليعلن أن "المهمة قد أُنجزت"، دون أن يدري أن الحرب قد بدأت للتو.
وتسابق مرشحو الرئاسة الأميركية، ومن بينهم مرشح الحزب الديمقراطي باراك حسين أوباما بإطلاق الوعود، فأطلق أوباما وعودا بأنه سيوقف الحروب الأميركية الخارجية وأنه سيعيد أبناء وبنات الوطن من مرتديي الزي العسكري إلى الولايات المتحدة.
ولقد فاز أوباما وأوفي بوعوده على وجه اليقين، فسحب قواته من أفغانستان وضرب ميعادا للخروج منها، وسحبها من العراق على عجل.
وما أن انسحبت القوت الأميركية من العراق قد اشتعلت البلاد في حروب أهلية طائفية بنيران إيرانية، وصارت نيران بغداد تشتعل من طهران وقُم وما جاورهما من المدن الإيرانية الأخرى.
وأما أفغانستان فعادت إلى سابق سيرتها في الاحتراب، وها هو أوباما يأمر بإرسال قواته مجددا إلى هناك، وذلك ربما لأن الحرب لم تنهي.
وأما في العراق، فها هي القوات الأميركية تنتشر وتبني قواعدها من جديد، فيبدو أن الحرب في العراق لا نهاية لها.
أوباما تلكأ عن التدخل في سوريا، فاستعرت الحرب فيها منذ سنوات، وتجاوز الطاغية الخط الأحمر مرارا وتكرارا، وبقي أوباما كما يقولون "أذن من طين، وأذن من عجين".
هنا سال لعاب الدب الروسي وتذكر أمجاد أسلافه وأجداده القياصرة السوفييت، فتدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الحرب الكارثية في سوريا، وأبى إلا أن ينزلق في المستنقع السوري.
وجاء الطيارون الروس كي يجربوا طائراتهم الجديدة من طراز سوخوي24 وسوخوي34 ما بين مقاتلات وقاذفات. وأطلقوا عليها اسم الدلع "سو". هذه الطائرات ظلت تقذف حممها على رؤوس الأطفال السوريين حتى آخر قنبلة عتيقة ورثها بوتين عن أجداده.
وأما الطاغية السوري، فليس لديه من حيلة، فلقد اشتهر بقصف المدنيين السوريين بالأسلحة الكيميائية، وظلت مروحياته العتيق ترميهم بالبراميل المتفجرة وهم نيام، بينما هو يختبئ في قاع سفينة روسية.
وبين هذا وذاك، يجلب الإيرانيون كل شذاذ الآفاق من مليشيات وقُطاع طرق، ويدربونها على عجل ويوهمونها أن مرقد جدتنا زينب عليها السلام في بلاد الشام صار في خطر، حتى أن حزب الله رفع اليافطات عن الطرق، وصار مكتوب عليها تحويلة، "القدس عن طريق القصير وداريا والغوطة والزبداني وريف دمشق وأنحاء سوريا".
وخلاصة القول، ها هو أوباما يوشك أن ينهي فترة رئاسته الثانية، وقد أوفي بوعوده طيلة فترتي رئاسته، ولكنه يترك منطقة الشرق الأوسط بعد أن دفعها تموج في نيران لا تنطفئ. وي، كأن المهمة لم تنتهي بانتظار الرئيس الأميركي القادم.