حماده فراعنه
ما الذي تغير ودفع حركة حماس كي تطلب من عمر سليمان مدير المخابرات المصرية في مكة لإرسال وفد من حركة فتح إلى دمشق لفتح ملف المصالحة ، في وقت تقوم حركة فتح بعمل \"مشين\" يتمثل بإجراء مفاوضات مباشرة مع العدو الاسرائيلي وحكومة نتنياهو اليمينية جداً.
عمر سليمان إتصل مع الرئيس أبو مازن في نيويورك وحثه على إرسال وفد فتحاوي مفوض إلى دمشق إستجابة لطلب خالد مشعل الذي إستقبل الوفد الفتحاوي بالحفاوة والتكريم وجرى لقاء وصف على إنه \" ودي وأخوي \" وأثمر عن تحديد نقاط الخلاف وأخذ ملاحظات حركة حماس على ورقة المصالحة المصرية بعين الإعتبار وتم الإتفاق على مواصلة الإجتماعات الثنائية وتم تحديد موعد لاحق للإجتماع التالي في بداية شهر تشرين الاول المقبل.
أبوموسى رئيس حركة فتح الإنتفاضة المنشقة عن التنظيم الأم وصف موقف حركة فتح أنها تعمل للمصالحة غطاء للمفاوضات المباشرة مع العدو ، فرد عليه صلاح البردويل بإسم حماس من غزة بقوله : \" إن موقفنا واضح من المفاوضات ، وكل ما نريده من المصالحة الفلسطينية هو تصليب الموقف الفلسطيني في وجه الإحتلال ووقف كافة أشكال التنازلات ومنع التدهور في العلاقات الوطنية \" ، كلام طيب ومسؤول وواقعي في نفس الوقت ، و لكن الأكثر واقعية ما قاله إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني السابق في خطبة الجمعة :
\" نرحب بإستئناف الجهود إذا كانت مخلصة وتهدف إلى تحقيق مصالحة وطنية تقوم على أساس تأمين الشراكة السياسية والأمنية \" بين فتح وحماس .
هذه الخطوات المستعجلة والتصريحات المتفائلة والمطالب الصريحة ما الذي أوجدها وفرضها وما هي الظروف التي فرضت النقلة النوعية لدى خالد مشعل وحركة حماس التي وصفت المفاوضات المباشرة مع الإسرائيليين على أنها بيع وخيانة ورضوخ للأمركيين وللإسرائيليين ، قبل لقاء مشعل مع عزام الأحمد في دمشق ، وقبل لقاء مشعل مع عمر سليمان في مكة .
موقف حماس المستجد جاء في أعقاب إشتداد الحملة المصرية ضد حماس وفرض الحصار والتضييق على قياداتها وتحركاتها ، فمنعت عنهم المال والسلاح وحرية تحرك الرجال ، دخولاً وخروجاً من قطاع غزة ، وذلك في أعقاب رفض حماس توقيع ورقة المصالحة يوم 15/ تشرين أول 2009 ، حيث تدهورت العلاقات بين القاهرة وحركة حماس ، بعد أ ن كانت حميمة حتى في ظل الإنقلاب وبعده .
ومنذ الإنقلاب في 14/ حزيران 2007 عملت القاهرة على إستيعاب حركة حماس وتسهيل الإجراءات والظروف لها والتي عززت من سلطة الإنقلاب في غزة عبر السماح لهم بحرية نقل المال والسلاح والرجال ، وتمتعت حركة حماس وقياداتها بالدلال والتسهيلات مع أن باقي أبناء غزة كانوا يفتقدون للمعاملة اللائقة من قبل الأجهزة المصرية ، وكان الحصار مفروضاً على شعب غزة بإستثناء حركة حماس طوال الفترة الممتدة من حزيران 2007 حتى تشرين أول 2009 .
وبعد أحداث قافلة الحرية التركي أواخر أيار 2010 أزال المصريون الحصار عن شعب غزة من طرف واحد وأبقوه بقوة على حركة حماس والمؤيدين لها من جماعات الإخوان المسلمين ، وهذا ما يفسر منع النواب والنقابيين الأردنيين المنتمين لحركة الإخوان المسلمين من دخول غزة ، بينما سمحت السلطات المصرية لكافة المتضامنين الأردنيين والمصريين والعرب والمسلمين من دخول غزة مع مساعداتهم بإستثناء من كان ينتمي لجماعات الإخوان المسلمين .
الضغط المصري والإعتقالات لكل حمساوي كان يحاول التسلل تحت أي إسم وأي غطاء وحينما يتعرفوا على هويته يتم إعتقاله أو منعه من السفر كما حصل مع أحمد بحر نائب رئيس المجلس التشريعي والعديد من القيادات الأمنية والتنفيذية ، ويبدو أن \" العين الحمرا المصرية \" أعطت نتائجها وأثمرت عن قبول اللقاء الودي والأخوي وأين في دمشق !؟ .
لا شك أن الحريصين على مصالح الشعب الفلسطيني سيسعدوا بنتائج اللقاء وما أسفر عنه من تقوية وتعزيز الجبهة الداخلية الفلسطينية في وجه الإحتلال والإستيطان والمشروع الإستعماري التوسعي لحكومة نتنياهو ، وسيفتح الباب نحو تطورات محلية وطنية ستصلب من الموقف الفلسطيني .
الشعب الفلسطيني يحظى بالقبول والإحترام على المستوى الدولي حتى من قبل الولايات المتحدة الأميركية بفعل السياسة الحكيمة التي يقودها الرئيس محمود عباس وبفعل الإجراءات العملية التي ينفذها رئيس الوزراء على الأرض سلام فياض ، ولكن الخلل يكمن في تفتيت جهود الشعب الفلسطيني وبعثرتها بسبب الإنقسام والإنقلاب ، ولذلك جاء الحوار الأخوي الودي بين فتح وحماس إستجابة لحاجة ملحة ومطلب حيوي يخدم مصالح الشعب الفلسطيني ويوحد قواه الذاتية ويسجل لفتح وحماس هذا الإنجاز وللجهد المصري المدعوم عربياً كذلك ، ولا شك ان الخطوة الأولى التي تحققت في دمشق والتي سيعقبها خطوات ستؤدي إلى توقيع حماس على ورقة المصالحة وتنفيذ مضامينها وخطواتها وصولاً إلى ما سماه إسماعيل هنية الشراكة السياسية الأمنية المطلوبة بين الطرفين ، ولصالحهما ، وصولاً لتوسيع قاعدة الشراكة في مؤسسات منظمة التحرير ، وسلطتها الوطنية ، ووصولاً لإنتخابات رئاسية وبرلمانية وبلدية مطلوبة ومهمة ، لتعزيز الشرعية الفلسطينية وصيانتها .
h.faraneh@yahoo.com