في الوقت الذي لم تجف فيه دماء شهدائنا، ولا دموع ذويهم، وما زال جرحانا يرقدون على سرير الشفاء.
يخرج علينا الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله ليقول بلغة فيها قدر من السخرية والفرح بما أصاب جيشنا: إن الأردن دفع ثمن بعض أخطائه في دعم الجماعات المسلحة في سوريا، وذلك في كلمته بمناسبة الذكرى الأربعين لمقتل أحد قيادي حزبه، وقال: إن المركبات التي استخدمها الانتحاريون ضد الجنود الأردنيين، هي من الحكومة الأردنية التي سلمتها إلى الجماعات المسلحة'، مضيفا بسخرية هذا جزاء الإحسان إن كان إحسانا، وهذا رد الجميل مستدركاً 'على ذمة أحد التلفزيونات.
اتهام الآخرين يحتاج إلى أدلة وبراهين، ولا يمكن الاعتماد على أقوال الفضائيات فحسب، وليتذكر نصر الله أن الفضائيات تبالغ، وقد تكذب وتزور الحقائق، وحزب الله من أكثر المتهمين لهذه الفضائيات بالكذب والمبالغة في بداية الأحداث في سوريا، وكنا معه نتهم عددا منها بذلك.
تختلط الأمور في الحروب، وتكثر التهم، ويكثر المتهمون، والأمثلة على ذلك كثيرة، فمن ذلك: السؤال المطروح: مَن وراء داعش؟ قيل النظام السوري، أو الإيراني أو التركي، أو إسرائيل، أو أمريكا خاصة والغرب عامة، ومنهم من قال: إن من أوجدها هو أنظمة مخابرات عربية، فمع أي الإجابات السيد نصر الله؟!
لا شك بوجود عدد من الأردنيين المتطرفين في سوريا، وما زال عدد منهم هناك، ولكن هل ذهب هؤلاء بمحض إرادتهم أو أن الحكومة أجبرتهم، وإذا كان الجواب الثاني لماذا لا يخرجوا على الفضائيات ويقولوا من أرسلهم؟
وإذا كانت الحكومة الأردنية زودت المتطرفين بالسيارات كما يقول السيد نصر الله، فليس بالضرورة أن يعودوا لقتل جنودنا بها إذ السيارات في سوريا كثيرة، وبعضها من إيران ولبنان وغيرهما؟ وإذا كان الأردن دفع ثمن أخطائه فمن سيدفع ثمن أخطاء نصر الله؟! وهي جميعها ثابتة، وقد اعترف هو بجلها ومنها ما يأتي:
1- في بداية الثورة السورية اعترف بمشاركته في الحرب من باب الدفاع عن قبر زينب، والسؤال هل القبور هي من يحتاج إلى الحماية أو الشعب السوري، والحي أبقى من الميت؟ وهل السيدة زينب رضي الله عنها يرضيها قتل النساء والأطفال بحجة حماية قبرها، ثم عاد واعترف أن حزبه يشارك في العمليات العسكرية في سوريا دعما للنظام السوري في مواجهة الثورة المسلحة للإطاحة بحكم الرئيس بشار الأسد، وفي خطاب آخر قال: إنه يحارب إلى جانب النظام السوري في وجه قطر والسعودية، ثم المد الوهابي، ثم بعد ذلك في مواجهة المؤامرة الكونية ضد سوريا، وفي خطابه الأخير قال: إن قتال حزب الله في سوريا يأتي ضمن الدفاع عن الأردن ولبنان والشعب السوري!.
1- زج حزب الله بخيرة الخيرة من جنوده في الحرب المشتعلة في سوريا وهم الذين كانوا سيدافعون عن لبنان ضد المعتدين، وقُتل منهم المئات، والسؤال لمصلحة من هذا ؟! لمصلحة المقاومة؟ أم لمصلحة لبنان أو سوريا أو إسرائيل، والجواب لا يختلف عليه اثنان، ويعرفه السيد نصر الله: إنه لمصلحة إسرائيل.
2- وقف السوريون إلى جانب نصر الله في عام 2006وما قبلها، وفتحوا بيوتهم وقلوبهم فبماذا كوفىء هؤلاء سوى بالقتل والتشريد والغرق والاغتصاب والجوع من قبل جنود نصر الله والإيرانيين والروس وجيش النظام؟!
3- استبيحت سوريا من قبل الطائرات الإسرائيلية، فهل أوقفوا تلك الاستباحات؟
4- اغتيل عدد من المقاومين ومنهم عميد الأسرى سمير القنطار على الأرض السورية، فماذا كان يفعل هناك، ولمصلحة من تشويه صورة هذه المناضل وغيره؟
5- دمرت البراميل المتفجرة سوريا وحولتها إلى أكوام من الأنقاض ومنها المساجد، فماذا كان موقف السيد نصر الله وهو الذي صرح بأنه يريد حماية المقدسات.
6- اليوم يعترف بأن كل ما يملكه من إيران، وبعيدا عن الانزلاق في الحديث الطائفي، كيف يتسق هذا مع قتل الشيعة للعرب في سوريا والعراق.
7- إذا كان حزب الله قادر على كل ما يتحدث عنه في خطاباته من قوة عسكرية، فلماذا لم يقم بحماية حدود سوريا مع الأردن، ومنع دخول المتطرفين منذ بداية الثورة السورية بدلا من قتل المدنيين السوريين، وكيف استطاع الآن منع دخول 90 بالمئة من هؤلاء؟ ولم يستطع في بداية الثورة.
كنا نأمل من السيد نصر الله أن يقف إلى جانب السوريين جميعا كما كانوا يقفون معه جميعا، ولا ينحاز إلى فئة دون أخرى، ويقوم برأب الصدع بينهما، ليقفوا جميعا في وجه المؤامرة لا أن ينحاز إلى النظام على حساب الشعب، ولا ينزلق في منحدرات الطائفية.
إن قول السيد نصرالله عن الأردن: (بعض أخطائه) ينطوي على تهديد؛ أي أن عملية الركبان هي ثمن بعض الأخطاء، ولا أدري ما هو ثمن الأخطاء الأخرى برأيه؟!
كنا في الأردن ننظر إلى حزب الله باعتباره النقطة المضيئة في عالمنا العربي من حيث المقاومة، والقدرة على صد الاعتداءات الإسرائيلية، وتحرير جنوب لبنان... ولكن سرعان ما تحول إلى حزب طائفي، وانكشف أمره بالوقوف إلى جانب أنظمة من طائفة واحدة مرة بحجة الشرعية، ومرة بحجة المؤامرة الكونية، ومرة باسم الشعب المظلوم في اليمن، فيحرض شعب البحرين بالثورة على حكامه، ويستكثر ذلك على الشعب السوري، بل يساهم في قتله وتشريده، فلا هو بالمظلوم، ولا يجوز له الثورة على الظلم في تناقض عجيب كان على السيد نصر الله الترفع عن السقوط به.
لسنا في الأردن أقل من حزب الله شعورا بالمؤامرة الكونية على سوريا والعراق... وفلسطين، ولسنا أقل منه وطنية وعروبية، وليس هو أكثر منا تمجيدا لشهدائه، بل إن شهداءنا مرابطون يدافعون عن حدودنا ولم ينزلقوا في طائفية، ولم يتورطوا في قتل السوريين، ولا تشريدهم، ولا نسمح لأحد بإيذاء ذكراهم بسخرية أو شماتة، ولا نرضى بتهديد لوطننا أو جيشنا.