الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هي أحدى المنظمات الفلسطينية التي أفرزها القوميين العرب قبيل حرب حزيران 67م بعد تأكدهم من تصميم المجانيين الفلسطينيين ـــ كما وصفهم الكثيرين ـــ ونجاحهم بإطلاق حركة فتح للبدء بالكفاح المسلح لتحرير فلسطين ، حيث انضم القوميون بالبداية لموقف جماعة الإخوان برفض فكرة الكفاح المسلح لتحرير فلسطين خارج الرسمي العربي الذي كان زعيمهم عبد الناصر يقوده ، وكان دافع القوميين لرفضهم الكفاح المسلح التي خطت طريقها حركة فتح ، خوفهم من ردّات الفعل الصهيونية التي كانت كلها متجهة وتستهدف الموقف المصري القومي الذي كان برأيهم المنقذ الأوحد والملجأ الأكبر لقضية وشعب فلسطين ، ولعدم تلقيهم الأوامر من قائد ورائد القومية العربية آنذاك الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي لم يلتفت فور انطلاقة الثورة الفلسطينية 1965م لإرادة الشعب الفلسطينية الاستقلالية والنضالية ، وإن كان مسك كافة أوراق اللعبة القومية وشارعها آنذاك ، ولرفضهم الخروج عن الصف والإجماع الرسمي العربي ما دام كان القوميين العرب هم الممتلكين لقراره ، حيث سجل عليهم لا لهم إيمانهم بالخصوصية المصرية والخصوصيات العربية الأخرى ورفضهم المطلق للخصوصية الفلسطينية ، ورفضهم لمنهج الاستقلالية الفلسطينية التي خطتها وأرست ركائزها حركة فتح التي تؤمن بوجوب تحرير فلسطين كمدخل للوحدة العربية وهو من علم الممكن ، في حين أنهم يؤمنون بفرضية تحقيق الوحدة العربية لتحرير فلسطين ، وهي من فرضيات المستحيلات لا علمه .
وبينما كان رفض القوميين العرب لأسلوب الكفاح المسلح الذي رافق وعنون انطلاقة فتح وجهة نظر تتعلق بالتوقيت والقيادة والأسلوب ، كان رفض الإخوان المسلمين لها مبدئيا وتاما ، لرفضهم من حيث المبدأ مقارعة إسرائيل لسببين مهمين ،: كرههم وعدائهم الشديد لخط القومية العربية الذي مثله جمال عبد الناصر العدو الذي صنعه لهم الاستعمار البريطاني والفرنسي وإسرائيل ، لنجاحه بجذب الشارع العربي الذي أدى لتقوقعهم وبإفشال خططهم للسيطرة على الحكم في مواطن كثيرة وخاصة في معقلهم الأول والأساسي مصر ، والثاني هو عدم تلقيهم الأوامر من بريطانيا الواجدة والداعمة لهم ولإسرائيل ، للالتفاف نحو فلسطين وقضيتها وحركاتها الوطنية ، مما دفعهم للانكفاء في الساحة الفلسطينية رغم هول الكارثة وبشاعة الاحتلال ، والعمل السلبي السياسي والعسكري في الساحة العربية ، لإفشال الانطلاقة الفلسطينية الهادفة لتحرير فلسطين خارج علم الجماعة وأجندتهم وسيطرتهم ، ولاهتمامهم في تلك الفترة بمحاولة قلب أنظمة بعض الدول العربية المستهدفة من قبلهم ، لظنهم قدرتهم على إمساك لعبة الخيوط الجماهيرية التي تفننوا بها ونجحوا بها ، عدا فلسطين التي التفت شعبها بالكامل لمنهج وأجندة وفلسفة وقيادة حركة فتح بمن فيهم أبناء غزة ، مما أربك مخططاتهم وأخرها حتى العام 1982م عندما اعتقدوا أن الريح جاءتهم على طبق من ذهب للسيطرة على الحياة السياسية الفلسطينية وإعادة تدوير منظمة التحرير الفلسطينية أو إلغاءها بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وتبعثر القوات الفلسطينية .
فمنظمة التحرير الفلسطينية التي أوجدها بادئ ذي بدئ الرسمي العربي ، تلبية لرغبة جمال عبد الناصر الذي نادى بضرورة الاستفادة من المخزون الوطني والنفسي الفلسطيني لتحرير فلسطين ، وبضرورة حشد الطاقات الفلسطينية في بوتقتها ، كان أكثر قادتها المتنفذين في تنفيذيتها وأجهزتها المختلفة من القوميين العرب ، وهم اللذين فرخوا بعد صراع مع النفس وإرهاصات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، إلا أنهم لم يتمكنوا من الإبقاء على قيادتهم لها بسبب ضعف حالهم التنظيمي والجماهيري وبعد سلسلة الانشقاقات الخطيرة في جسم الجبهة التي فرخت ثلاث جبهات قومية متعارضة ومتخاصمة بالمنهج والفلسفة والطريق ، ( الشعبية ، الديمقراطية ، القيادة العامة ) ، ففي حين بقيت الجبهتان الديمقراطية الشعبية داخل أطر المنظمة ، انسحبت منها لاحقا القيادة العامة التي يقودها الفلسطيني السوري الجنسية والضابط السابق في الجيش السوري أحمد جبريل ، وذلك بناءا على أوامر سورية صريحة لها بفعل ذلك ، مع أن الحجة الرسمية هي دائما وأبدا ( اختطافها من قبل فتح ) ، مما هيأ الظروف دائما أمام حركة فتح برئاسة الشهيد ياسر عرفات لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ، والتي تمت بسلسة من انتخابات داخلية نزيهة ، وبعد طلب وإلحاح من أكثرية أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية القومية الطابع آنذاك ، وبغض طرف وموافقة من الرسمي العربي بلا استثناء .
ومع كل الخلافات التي نشأت أحايين كثيرة بين فتح والشعبية التي اختارت دائما أن تكون الطرف المعارض لفتح ، حتى بمعارضة ما تطرحه هي ذاتها داخل المنظمة ، لم تبادر للانسحاب يوما من المنظمة بسبب برنامجها التنظيمي وأيدلوجيتها ونظرتها التي تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية هي البيت الفلسطيني للجميع الفلسطيني ، وبسبب إقرارها أنّ ما حققته المنظمة لها أكبر من انجازاتها ، ولمعرفتها ويقينها كغيرها من الفصائل الصغيرة أنّ بقائها في أطر المنظمة يدعم بقائها الوجودي بالشارع الفلسطيني لخوفها من أنّ حركة فتح التي استوعبت الشارع الفلسطيني وتمكنت من قيادته ولها تأثير عليه ستكون قادرة للتأثير عليه لشطبها وغيرها من الحياة السياسية الفلسطينية فيما لو فكرت فتح باستخدام ذلك ، فالشعبية ومنذ نشأتها ولأنها كانت الأقرب لقطب دمشق بعد تطليقها بغداد رغبت دائما بالتعامل مع فتح والمنظمة من غير قناعة وعلى مضض ، أو كما يقولون ( كانت تضرب مرة على الحافر ومرة على المسمار ) .
وحتى بعد أن سيطرت حماس على غزة لم تفكر الشعبية بالانسحاب مطلقا من منظمة التحرير الفلسطينية ، بل عملت دائما إلى تحييد المنظمة عن صراع التنظيمين الكبيرين فتح وحماس ، ولكن ومع استمرار الوضع الخطير في غزة ونجاح حماس بتمرير انقلابها وجعله الأمر الواقع المتشبث ، نشأ بداخلها موقفان : موقف ينظر لتصرفات حماس على أنها خطر حقيقي يهدد الحياة السياسية الفلسطينية ومسار العمل الوطني النضالي ، مثله قادة وحدويين موجود بعضهم في قلب دمشق ، إلا أنّّ حلف دمشق المعارض لكل شيء اسمه منظمة تمكن من تهميشهم وإبرازهم كمعادين لتطلعات وأيدلوجيات الشعبية ، وتحت الضغط النفسي الكبير الذي وجدوا أنفسهم به لم يصمدوا أخيرا أمام هجوم المعارضة الفلسطينية الدمشقية وضغوط السوري المضيف ، واعتداءات وتهميشات حماس لهم بالكمية والنوعية ، وتحفيزات وإغراءات طهران لهم بالمال ، فقرروا إعادة التمحور في قطب دمشق ، وأطر فيها أقرب للنظرية الميكيافيلية ( الغاية تبرر الوسيلة ) كانت وما زالت تترقب نتائج الخلافات بين فتح وحماس لتقرر إلى جانب من تكون ، وهي الأقوى والأكثر نفوذا وتأثيرا ، وهي القريبة أو المقربة من حلف المقاومة رغم عدم إيمانها بأقطابه ، وتعشق أن تعود ثانية لصف الفصائل العشر الموقعة على وثيقة دمشق المعادية بكليتها لأجندة وبرنامج المنظمة وفتح وللمجلس الوطني الفلسطيني .
ولكن لماذا اختارت الجبهة الشعبية هذا الوقت لإعلان انسحابها من المنظمة ، رغم أن المنظمة قادت المفاوضات المباشرة وغير المباشرة مع الجانب الإسرائيلي قبل اتفاقية أوسلو وبعدها ، وكانت كلها تتم بعلم وموافقة الجبهة أما بسرها أو بالعلن ؟؟؟ وحتى كان لها الفضل بدخول قادتها لأراضي السلطة الوطنية بهدف المشاركة بإدارتها ، وما زال كوادرها يحصدون المواقع والرتب والراتب بفضلها .
الجواب بسيط وخطير في نفس الوقت ، ولا يبشر بالخير لمسار الوضع الداخلي الفلسطيني ولا لمصير الشعبية ذاتها حال فشل السبب الذي من أجله انسحبت من المنظمة ، فقد تأكدت الجبهة الشعبية من وجود توجه ومخطط إسرائيلي ما يقضي بالتخلص من السلطة الوطنية الفلسطينية حال انسحابها من المفاوضات بعد 27 / 9 / 2010م إذا ما أعلنت إسرائيل انتهاء فترة تجميدها الاستيطان ، كما وتأكدت من تصميم حماس مشفوع بتصميم سوريا وإيران والقيادة العامة والفصائل الفلسطينية المعارضة الأخرى على تنفيذ انقلابها في الضفة الغربية حال موافقة إسرائيل وأمريكا على ذلك وإعلانها مناطق محررة من فتح ، ولتأكدها من قرب إعلان حماس وحلفها نجاحهم بإيجاد وتشكيل مرجعية جديدة بدل منظمة التحرير الفلسطينية كان أعلن عنها مرارا وتكرار رئيس المكتب السياسي لحماس في دمشق ، وهي التي أجلت مرات ومرات بناء على طلب قطري وسوري وبعض دولي ، بسبب قوة ونفوذ فتح في الضفة الغربية ومخيمات الشتات الفلسطيني ، فقد أرادت الشعبية الخلاص من الوضع القادم الخطر ومروها منه بسلام ، والاستفادة من قرب إعلان حماس وحلفها نجاحهم بتشكيل المرجعية الفلسطينية الجديدة ، كان وعدها حلف دمشق بمقعد فيها وكانت هُددت بخسارته إن لم تنسحب من منظمة التحرير الفلسطينية ، رغم أجواء التصالح الوهمية التي يبثها الأفق الداكن المشكل من أقطاب متعارضة التقت على هدف واحد يقضي بالعمل على التخلص من السلطة الوطنية الفلسطينية ومن قوة ونفوذ ووجود حركة فتح في الضفة الغربية ، يفضي للتخلص من منظمة التحرير الفلسطينية للتمهيد لشرق أوسط جديد يخلوا من دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس ، ويضمن للفلسطينيين فقط دويلتين إسلاميتين إحداها في غزة تحكمها حماس أثبتت أنها بردا وسلاما على إسرائيل وتشكل خطرا إستراتيجيا على الأمن القومي المصري ، والأخرى مقطعة الأوصال في الضفة تحكمها حماس أو حلف حماس أو أي جماعة إسلامية أو قومية لا يهم عند إسرائيل ما دامت تكون أيضا بردا وسلاما على إسرائيل وتشكل خطرا على أمن وسلامة وبقاء الأردن ، وذلك مقابل تخلى مجموعة الدويلات عن الحقوق والثوابت الفلسطينية وأهمها القدس وحق العودة ، الذي تعرف إسرائيل أنه سيموت تلقائيا بعد سيطرة هذا الحلف على الحياة السياسية الفلسطينية ، لممارسته التنكيل ضد شعب فلسطين من خلال الحكم الشمولي الدموي الذي تؤمن به حماس وحلفها ، كما وتقبلان بالقدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل .
Alqaisi_jothor2000@yahoo.com