هنا اللحظة الروسية: سقوط دمشق يعني سقوط موسكو، ويعني سقوط طشقند في أسيا الوسطى، وسقوط غروزني في القوقاز بيد دواعش الماما الأمريكية، وفي الذاكرة الروسيّة الحيّة: ذكرى مدرسة بيسلان وذكرى مسرح موسكو حاضرتان، وموسكو وبلغه عسكرية متدرجة جديدة جديّة هذه المرة ومباشرة قالت: تعالوا نضع قواعد النظام العالمي الجديد، وأي خيار آخر يعني دوّامة الوهم التي تبتلع الكلّ في الكلّ بالكلّ، وفي لحظة الضياع الأمريكي(التواطؤ الأمريكي)الروس قالوا كلمتهم صراحةً كالشمس، وتبعهم جلّ الأوروبيون، فمتى يلحق بهم البعض العربي المتردد؟
يبدو أن العالم ذاهب إلى الصراع عبر الحدث السوري، الأصولية تنتشر كالنار في الهشيم في كل المذاهب والأيدولوجيات وتغزو العالم، وثمة هلال سلفي تبدأ ملامحه من مشيخات الخليج وصولاً الى شمال أفريقيا، الانسان يريد أن يقتل أخيه الانسان لأنه مّل دعوات المحبة والأخوة والمساواة في الخلق، ويريد أن يعود إلى طباع جده الأول قابيل القاتل المنتصر على أخيه هابيل، فما يشهده عالمنا اليوم من قتل وانتهاك واستعداء وكراهية يدل على ذلك، في حين أن هذه الأشياء تعتبر الغذاء الأشهى للنزعات الأصولية، لتتقوى ويشتد عودها في كل الأديان و المجتمعات، والمتابع اللمّاح يدرك هذا جيداً، حيث أنّ انحباس الأحقاد وكبت الكره أصبح ظاهرة خطيرة تهدد العالم، أكثر من ظاهرة الاحتباس الحراري، ويمكن تلمّس أثارها بدءً من شمال العالم، مروراً بالشرق الأوسط، وصولاً إلى جنوب الكرة الأرضية. وأمريكا تعود بقوّة إلى سلفيتها و أصوليتها المعهودة، وتخصصها في مجال الإبادات الجماعية وإراقة الدماء، أنّهم مولعون بإشعال فتيل الحروب، قاموا بإبادة الهنود الحمر معلنين بداية جديدة، واليوم يسعون وراء إبادة جماعية أخرى لشعب ما، علّهم يعلنون بداية عالم جديد بدأوا يتحسّسون أنه يخرج عن سيطرتهم، أجدادهم الأوربيين حدّث ولا حرج، يلهثون اليوم لخوض أي حرب تحفظهم من التشتّت والتفتّت وضياع دولهم(خاصةً بعد تصويت الشعب البريطاني على الخروج من الأتحاد الأوروبي، مما يعجّل من مخاطر تقسيم بريطانيا، انّها لعنة سورية قلب الشرق)، لذلك هم يصرّون بقوّة على تخريب سورية قلب الشرق وتاجه، ودعم الأصوليين والسلفيين مشابهيهم في الطباع والصفات.
الفدرالية الروسية ومنظومات حكمها ومؤسساتها، تعمل على انهاء مشروع ضخم وخطير ويعد الأخطر بعد مشروع سايكس وبيكو على المنطقة، حيث يتموضع هذا الأطار الفيروسي الأخطر، في قيامته وفعله على اعادة الهندسة الأجتماعية للمنطقة برمتها عبر الأستثمار في مصفوفات الأرهاب الأممي واستراتيجياته وعصابة داعش في مقدمتها، حيث نرى أنّ الأمريكي عبث بأمن واستقرار العالم انطلاقاً من دمشق، والعالم الحقيقي يخوض معركته الأممية الرابعة الآن بين قلاع دمشق وأسوار موسكو وسور الصين ومنحنيات الطبقة الوسطى الأيرانية، ذات الأفاق السياسية والتي يمكن الرهان عليها ايرانيّاً لنهوض طهران ونحت مصالحها في مجالاتها الحيوية، متزاوجةً مروحة العبث الولاياتي الأمريكي مع استراتيجيات الأستدارة نحو أسيا للعبث بأمن الصين وروسيّا، وللتغلغل داخل مفاصل الدولة الأيرانية عبر سياسات التطبيع الناعم مع طهران، فجاءت الرؤية الروسيّة الجديّة الآن في قيامها بمروحة واسعة من الأسلحة النوعية والكميّة والذخائر عبر الجو والبحر باتجاه الدولة الوطنية السورية ونسقها السياسي، معلناً فلادمير بوتين: لن أسمح بسقوط الأسد وستبدو السماء(كفروة)خاروف.
هي أعمق من حرب باردة، ان لجهة الرأسي، وان لجهة العرضي، هي هكذا بكل بساطة العلاقات الروسية الأمريكية، بفعل ومفاعيل وتفاعلات وعقابيل وتداعيات الحدث السياسي السوري منذ بدئه، وكنتاج للعبث بدم الجغرافيا والديمغرافيا السورية، وصولاً لهندسة ديمغرافية جديدة للمنطقة عبر معركة الجغرافيا والكانتونات، مسنودةً بعبث آخر أشد خطورة من الأول، وهو العبث بكيمياء ودم الأيديولوجيا.
انّ نواة الجيوش الأمريكية بوجود الجنرال البحري جو دانفورد رئيس أركان الجيوش الأمريكية الجديد، والذي كان قائداً للقوّات الأمريكية في أفغانستان، تعتبر أنّ مجموعات القاعدة ومجتمعات الدواعش خياراً قابلاً للتحالف مع واشنطن لضرب روسيّا، كون الأخيرة خطرة جدّاً على الأمن القومي الأمريكي، هذا ما قاله ديفيد بترايوس رئيس وكالة الأستخبارات الأمريكية السابق وقائد القيادة الوسطى الأمريكية، صرّح وبشكل واضح وقبيل سويعات من بدء الفعل العسكري الروسي في جلّ الجغرافيا السوريّة قبل أكثر من ثمانية أشهر.
والسؤال هنا: لماذا أفصح الديفيد هذا عن مكنونات نواة الجيوش الأمريكية بشكل سافر؟ أعتقد كون الأستهداف الروسي السوري المشترك للقاعدة ومشتقاتها، ومن مجتمعات الدواعش في الداخل السوري والعراقي لاحقاً، سوف يلحق بالغ الضرر بالمشروع الأمريكي للتحالف مع هذه الزومبيات الدينية لضرب هياكل الأمن والأستقرار في روسيّا والصين وايران وجلّ قارة أسيا. انّ الصراع في الشرق الأوسط الآن صراع ديني سياسي جغرافي في آن واحد ونتائجه: أرخبيلات الدول الفاشلة، حيث أمريكا تقتضي مصالحها الأبقاء على أنظمة متناقضة لتسهل السيطرة عليها، فهي لا تريد فعلاً عودة سنيّة قويّة الى مراكز الحكم في المنطقة، ويجيء وزير الدفاع الأمريكي ويقدم تفسيرات سفسطائيه طائشة لقرار وقف اطلاق النار في الداخل السوري عبر القرار 2268 مع الروس، علماً أنّ الهدنة كانت خيار الضرورة للجميع في بداياتها.
الجميع عاد ويعود كرهاً أو حبّاً الى الثابتة السورية والمسنودة من الروسي والصيني والأيراني وحزب الله، في أولوية محاربة الأرهاب المصنوع في أقبية الغرف السوداء لمجتمع المخابرات الأمريكي، والمصنّع بعضه في بعض الدواخل العربية المجاورة عبر دعاة مبرمجين بفكر محدد راديكالي، بجانب أسباب ظروفها الأقتصادية الخاصة، وغياب العدالة وحقوق الأنسان والبطالة والفقر والجوع، هذا الأرهاب المدخل الى الداخل السوري من جهات الأرض الأربع، حيث الجميع عاد الى الثابتة السورية أو ان شئت الثلاثية السابق ذكرها.
سورية وروسيّا وحزب الله وايران حاجة اقليمية ودولية، لمحاربة فيروسات الأرهاب التي أنتجتها واشنطن في مختبراتها البيولوجية الأستخباراتية، من دواعش وفواحش وقوارض وزواحف، وأي جبهة اقليمية ودولية لضرب تلك الفيروسات تحتاج الى تسويات سياسية تسبقها في بؤر الخلافات وملفاتها. في حين تعمل واشنطن ومجتمعات مخابراتها ومن تحالف معها، على دعمها للأتجاهات الأسلامية الأنفصالية في روسيّا، مناطق الشيشان داغستان وقوميات أخرى(القوزاق) في كازاخستان، فهي ترى أنّ في دعمها لأي طرف اثني يتجه داخل روسيّا للأنفصال، سيؤدي الى اشغال موسكو بنزاعات داخلية، فتضعف قدراتها على التحرك على الساحة الدولية، ونفس هذا السيناريو تريد فرضه على الصين وفي دعم اثنية الأيغور المسلمين وغيرها في الشمال الصيني. وحتّى لا نغرق في التفاصيل ونتوه بالمعنى التكتيكي والأستراتيجي، لا بدّ أن نطرح ما تعرف باسم نظرية المنطق في السياسة جانباً، مع تناسي علم الرياضيات السياسية وقواعد التفكير السليم في تفكيك المركب وتركيب المفكك، مع تناسي الغوص في التحليل بشكل عامودي وأفقي، لأنّ الأشياء والأمور والمعطيات لم تعد كما يبدو عليها أن تكون، وجلّ الأزمات ان لجهة المحلي، وان لجهة الأقليمي، وان لجهة الدولي، صارت أكثر تعقيداً وترابطاً، والتفاعلات والمفاعيل لمعظم الممارسات الدولية لم تعد تخضع لقانون أو قيم أو أخلاق.
واشنطن الآن ولاحقاً وأيّاً كانت الأدارة فيها، تناقش نفسها بنفسها حول العلاقة بين مصالحها وموقعها من نشر الديمقراطية وحقوق الأنسان والحاكمية الرشيدة، ومتى أصلاً كانت أمريكا تقيم وزناً للمثل والقيم الأنسانية اذا تعلق الأمر بمصالحها الحيوية؟ فكل مغامرة قام بها الغرب في الشرق الأوسط لعبت فيها السعودية دوراً ايجابياً تمويلاً وتغطيةً، امّا علناً أو من وراء ستار ومنذ الحرب العالمية الثانية تحالف السعودية العربية مع الغرب.
والنظام السعودي نظام ثيوقراطي ارتكب خطأ استراتيجي قاتل عندما اعتقد قادة النظام لوهلة ما ومحددة أنهم يستطيعون مواصلة دعم الأسلام الراديكالي والحركات الأسلامية في الخارج بدون ان تصل آثارها للداخل السعودي الملتهب، والذي ينتج التنظيمات والحركات المتطرفة الساكنة حتّى اللحظة.
حيث لم تعد الأخيرة على تخوم السعودية بل في الداخل وفي غرف النوم، خاصةً وبعد العدوان السعودي المستمر على اليمن العربي. الحدث السوري بتجلياته المختلفة والمتشعبة وتداعياته الشمولية، تصدّر ويتصدّر جلّ وسائل الميديا العالمية والإقليمية وسيبقى إلى حين، وخاصة بعد الفعل العسكري الروسي العميق والحقيقي في القضاء على كافة الزومبيات الدينية والفكرية، أبناء وأحفاد ماما أمريكا وبعض وصيفاتها العربيات من الساحات والدول، والمتزامن مع فعل سياسي ودبلوماسي عميق، يؤسّس لحالات من الخلع الأستراتيجي في المسألة السورية وموضوعة مكافحة الأرهاب المدخل والمصنّع، ويستحوذ الان على أحاديث البشر في المعمورة، لا بل ذهب بعضهم إلى القول أنّ الحدث السوري صار حكايات وقصص تروى بين الأفراد في المجتمع الآخر المقابل لمجتمع الأنس، وأعني مجتمع الجن. كاتب هذه السطور وفي أكثر من مرة وحالة ومسألة وعلى مدار حياة الحدث السوري الذي ما زال يستعر، اشتبك تحليلاً وبحثاً وحديثاً وعلى مختلف الفضائيات، في جلّ فنون أدوات الطرف الثالث ووكلائه من بعض العرب المرتهن والخائن في المسألة السورية، بحثنا في موضوع عملاء استخبارات متخصصون بالحرب النفسية والملف السوري، وأتبعناه بتحليل إسناد لجلّ الفكرة الأنفة وتحت عناوين على شاكلة:- صناعة الكذبة في سورية، عمل الوحدات الخاصة الأمريكية، وكلاء الحرب الأمريكية في سورية من بعض العرب المرتهن والخائن، مفاهيم الاغتصاب للنساء وقتل الأطفال ومكافحة الإرهاب لتشريع عمليات الاحتلال العدواني القادم، تماماً كما حدث من قبل في أفغانستان المحتلة، العراق وليبيا المحتلين، ويكاد أن ينجح و\ أو حقق شيء من النجاح الأسود في الحدث السوري.... الخ.
مع سعي حثيث الآن ومن الطرف الخارجي ومن ارتبط به من العربان، إلى تدويل الحدث المصري وتفعيله ورهنه للفعل الأقتصادي السعودي، حيث القاهرة بأمس الحاجة اليه، مع سعي مماثل لتوريط عمّان وإغراقها لما بعد(الصرّه) باتجاه العنق في مستنقعات الحدث السوري، بالرغم من اجتراح عمّان لنصف استداره ازاء دمشق بمساعدة الروسي، مع نجاحات هنا وهناك لمحور واشنطن – تل أبيب عبر أدواتهم القذرة من بعض العربان في لبنان، لفتح حسابات بنك أهدافهم إن لجهة التكتيكي وان لجهة الإستراتيجي منها.
ولا يختلف اثنان عاقلان ونحن نقترب على نهاية السنة السادسة بنهاية العام الحالي، من بدء المسألة السورية والصراع على سورية وفي سورية، وما نتج عنه من خسائر جمّة لجهة الشق الديمغرافي – الإنسان السوري ومقدرات الدولة السورية المختلفة وإضعافها، على أنّ العنف والعنف المضاد في سورية، قد تم الإعداد له مسبقا من قبل أجهزة الاستخبارات الغربية والأمريكية، ومجتمع المخابرات الصهيوني وأدواته في الداخل الغربي والأمريكي، وبعض دواخل بعض الساحات العربية، والتي لديها الاستعداد للقبول بتنفيذ مثل هكذا رؤى سياسية دموية، لعقد نفسية عديدة لموردها البشري المتحكم والحاكم وما يترافق مع مركبات نقص متعددة له.
وكلّ ذلك قبل انطلاق فعاليات ومفاعيل ما سمّي بالربيع العربي - جدلاً، والذي قد يكون فاجأ(المطابخ)الضيقة والمحصورة جداً، بأشخاص محددين في تلك الأجهزة والمشكلة بطريقة عنقودية عنكبوتيه، في تشكيل الفرق التفكيرية الخاصة بتلك الهياكل الأستخبارية ذات العصف الذهني. هذا وقد ظهر وبان جليّاً زيف "التطلعات الديمقراطية وحقوق الإنسان" في مواجهة الذبح بدم بارد مأفون، وإسالة حمّامات من الدم الطائفي الأثني العرقي هناك، والتي كانت نتاجات تفكير تلك "المطابخ" الموجهة. إنّ رسالة المسؤولين وواضعي السياسات الأميركيين والغربيين النهائية، للفدرالية الروسية بوجود الرئيس فلادمير بوتين، من أجل البدء في تغيير النظام والنسق السياسي في سورية هي بشكل أساسي: سوف يستمر تصاعد العنف بقوة حتى إنجاز تغيير النظام والنسق السياسي السوري - يمكن لروسيا أن تستسلم الآن، ويكون لها رأي في كيفية حدوث التحول، أو الاستسلام في وقت لاحق وستعاني عندها التهميش كما كان الحال في ليبيا المحتلة وقبلها العراق وأفغانستان. مقابل ذلك كان الجواب الإستراتيجي للفدرالية الروسية، كرسائل رأسية وأفقية عنيفة بالمعنى الدبلوماسي والسياسي قادت الى الفعل العسكري بناء على طلب الدولة الوطنية السورية، في هياكل واطارات قانونية شرعيه وتؤسس لحالات خلع استراتيجي متفاقم في المسألة السورية كما أسلفنا، بأنّ شكل العالم الجديد تحدده التسوية السياسية الشاملة في سورية أيّتها الكلاب الإفرنجية !
أتفق مع غيري من الخبراء، أنّ العنوان الرئيسي لهذه المرحلة هو الخلع الاستراتيجي من المنطقة وفي المنطقة، و المتمثل في اعادة هيكلة الوجود الأمريكي في أفغانستان وليس بالانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بعد اعادة(هندرة)الوجود الأمريكي في العراق، والذي صار يعود من جديد عبر ما يحدث في الأنبار وتحت عنوان مكافحة الأرهاب، من هنا تأتي أهمية إرباك المنطقة الشرق الأوسطية كحاجة أميركية للخروج من متاهاتها العميقة، عبر اعادة تموضعها وحصر أولوياتها وتنازلات هنا وهناك، للوصول الى تفاهمات مع التكتل الدولي الاخر وعنوانه موسكو. ولسان حال الفدرالية الروسية يقول: بأنّ هناك حصار تحاول الولايات المتحدة الأمريكية ضربه حولنا، من قلب أوروبا وحدودنا الحيوية في مواجهة شبكة صواريخها هناك، حتى آسيا الوسطى.
فالمسألة تبدو بالنسبة إلينا كأنها استعادة أميركية كاملة للأجواء التي كانت سائدة بيننا قبل نصف قرن، لمجرد أن واشنطن أدركت فقدانها لأحادية قطبيّتها العالمية، عادت معالم الحرب الباردة، ثم لدينا مصالحنا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية في المتوسط، لم يعد لدينا موطئ قدم هنا إلا في دولتين اثنتين: الجزائر وسورية، ومن الخطأ الفادح التفريط بأي منهما، خصوصاً في سورية الدولة المركزية المحاذية لكل قضايا الشرق الأوسط والمشرق العربي، فضلاً عن القضايا الملامسة لبعدنا الاستراتيجي في أوراسيا وحدودنا الجنوبية.
ولا يخفي سراً على أحد، أن ما تسمّى "مسؤولية الحماية" الإنسانية وحقوق الإنسان بحدها الأدنى، ليست سوى ذريعة لتغيير النسق السياسي في سورية ومنذ فترة طويلة، تموضعت هذه الصورة عبر مقاربة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها لإسقاط الحكومة السورية والنسق الخاص المنتج لها، وحالة تصوراتها وحلفائها الواقعية لتحقيق ذلك هي مسألة أراء مختلفة في جلسات عصف ذهني عميقة. وما لا يعتبر رأياً بل هو حقيقة كالشمس في رابعة نهار العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي ورابعات نهارات عواصم من تحالف معها من الغرب والعربان، أن الولايات المتحدة الأمريكية ومحورها، قد تآمرت علنا من أجل "استنزاف" سورية حتى الموت أو إلى الحد الذي يمنع استمرار دورها ونفوذها الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط، أو من أجل التعجيل في نهاية المطاف بسقوط الحكومة أي حكومة، تمهيداً لإسقاط النسق السياسي وليس شخص الرئيس الأسد كما تتلطى تلك العواصم.
الولايات المتحدة الأمريكية تخوض وبقوّة حروب سريّة، لم يقرّها ولن يقرّها الكونغرس الأمريكي، وقطعاً ليس للمورد البشريّ السكّاني لتلك الدول، التي ستسحق حياتهم وأجسادهم أي دور في منعها، فمن أجل تحقيق خدمة الأهداف الإستراتيجية للسياسة الخارجية الأمريكية، بل من أجل هندسة نستولوجيا تلك الأهداف، لتصبح أهداف ما فوق إستراتيجية، فانّ وحدات القوّات الخاصة الأمريكية، تقوم بتنفيذ(لب)وجوهر العقيدة الأمريكية ومعتقدها الراسخ والذي لا يخضع لأي ديناميات مراجعات، والقائم على أحقية القيام بالاغتيالات السياسية، التسلل عبر الحدود السيادية للدول، وزعزعة استقرار و\أو تقويض أنظمة الحكم، دون إعارة أي اعتبار لجهوزية مؤسسات الدولة ونسقها السياسي المراد استهدافها وذات السيادة، للتغير أو رغبتها فيه أصلاً. هذا وقد اختارت العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي متمنهجةً عليه، أسلوب قديم بذات الأدوات لبعض أنواع من الحروب، ولكن آثاره وتداعياته وشدّته في الألفية الثالثة للميلاد كبير جداً، ويقلب الأمور رأساً على عقب، ويغير أمزجة الرأي العام الدولي والإقليمي والمحلي بخبر وصورة وخلال لحظات، وعبر عمليات البروبوغندا السوداء وكواليسها.
ومثل الذي يقطع أنفه نكايةً بوجه، صارت واشنطن تستخدم أدواتها الحربية الشاملة من المورد البشري السكّاني للدولة المراد استهداف نسقها السياسي، ومن موارد بشرية من دول جواره المحلي والإقليمي، حيث جميعها تشترك باللغة والدين والأخلاق والقيم والأهداف، وبالعادات والتقاليد والمشاعر وبعلاقات نسب وقربى، ويؤدي جلّ العمل ذاك إلى تدمير الدولة ونسقها السياسي بأبنائها وأبناء دول جوارها، والحال هذا خير مثال عليه ما يجري بالحدث السوري ومستنقعاته وتشعباته المختلفة، عبر إحداث انحراف بجهاز مناعة الدولة المستهدفة ونسقها، لكي يقوم جهاز المناعة الخاص بالدولة بمهاجمة الأنسجة السليمة، بعبارة أخرى كيف يتم جعل الدولة تدمر نفسها بنفسها وعبر مساندة من محيطها؟!
وهذا ما يجري في الحدث الاحتجاجي السوري وعبر وكلاء السي أي إيه من بعض العرب، ومن الغرب ومن بعض الداخل والخارج السوري. انّه أسلوب حرب العصابات، استخدام القتلة، المتمردين، المخربين، حرب بالكمائن بدلاً من المواجهة، عبر التسلل بدلاً من الهجوم، انّه نصر عبر تقويض العدو وإنهاكه بدلاً من الاشتباك معه، حرب تترصد الاضطرابات وإحداث فوضى خلاّقة وغير خلاّقة. ويؤكد جلّ الخبراء النفسيين الإعلاميين الأستخباريين، والذين يعملون في أجهزة الاستخبار العسكرية والمدنية – المخابراتية – الشرطيّة، أنّ اللجوء إلى أكاذيب التعذيب والاغتصاب كبنى تحتية لأي عملية بروبوغندا، وعبر وكلاء حربيين لتخدم هدف محدد، وهو خلق بيئة تساعد على خلق ظروف تقود في النهاية إلى الحرب. نعم عندما تحدد الإمبريالية الأمريكية الأهداف المستهدفة، تصبح مفاهيم الاغتصاب والتعذيب وقتل الأطفال عبر ارتكاب مجازر، وفقاً لجداول زمنية وديمغرافية وفي الوقت المناسب، تصبح مفاهيم لمكنونات أدوات التشويه السياسي للنسق السياسي المستهدف، ليصار إلى إضفاء ملاذات شرعية آمنة لأي عدوان يقرر من قبل ما يسمّى "بالمجتمع الدولي"( أمريكا وكلابها الإفرنجية المنبوذة في أوروبا وفي منطقتنا).
رأينا كيف تمّ تشريع احتلال أفغانستان وتحت مسمّى الحرب على الإرهاب الدولي، ثم تشريع احتلال العراق وتحت مسمى أسلحة دمار شامل لم تظهر حتّى اللحظة، ثم احتلال ليبيا وإسقاط نظام الزعيم البدوي العربي معمّر القذّافي، والان جل الجهود تصب في تشريع وتوظيف كل شيء لاستهداف سوريا ونسقها السياسي، واستهداف النهج الأموي في عبادة الخالق، بل استهداف الإسلام الشامي مقابل التمسك بالإسلام الوهابي.
وسورية بديكتاتورية جغرافيتها السياسية، وموردها البشري ونسقها السياسي وجوهره "توليفة" حكمها السياسي، تعد بالنسبة للغرب بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية وعبر حلف الناتو الحربي، المدخل الأستراتيجي للسيطرة وبتفوق على المنظومة العسكرية الأممية الجديدة المتشكّلة بفعل المسألة السورية، ولأحتواء الصعود المتفاقم للنفوذ الروسي الأممي، والساعي الى عالم متعدد الأقطاب عبر فعل ومفاعيل الحدث الدمشقي، وصلابة مؤسسات نواة الدولة الفدرالية الروسية ازاء ما يجري في الشام من صراع فيها وعليها وحولها، فالروس يصحون وينامون ويتسامرون على وقع أوتار ما يجري في سورية، والآن صاروا في البحر والجو حماية وصيانة لأمنهم القومي، حيث استقرار سورية وبقاء نسقها والحفاظ على الشرعية فيها، يشكل مفصل هام من مفاصل وهياكل أمن الفدرالية الروسية.
تقول المعلومات، بأنّ بعض العرب المرتهن(وهم معرفون للعامة من الناس)والمنخرط انخراطاً عاموديّاً وعرضياً، بمفاعيل وتفاعلات ورؤى محور - واشنطن تل أبيب - الغرب، يسعون الى استهدافات جديدة لبعض أشقائهم من الدول العربية، كما استهدفوا سورية قبل سنوات وما زالوا حتّى اللحظة ولم ينجحوا ولن ينجحوا، بفعل التماسك الدولاتي للجيش العربي السوري العقائدي وقطاعاته العسكرية، وتماسك مجتمع المخابرات السوري والدولة الوطنية السورية وصلابة قطاعها العام، والذي ما زال الأخير يقوم بدوره ازاء المجتمعات المحلية السورية رغم الحرب والمؤامرة، في نموذج فريد من نوعه حتّى اللحظة في التاريخ القديم والمعاصر، بجانب فعل ومفاعيل وتفاعلات الفعل العسكري الروسي المتصاعد بالمعنى الرأسي والعرضي. فتصعيد الذرائع المتعلقة بملف المحكمة الدولية في لبنان، واشتراكات حزب الله اللبناني في الحدث الأحتجاجي العسكري في سورية، ومساندته العسكرية العميقة الآن للجيش العربي السوري، مع باقي القرارات الدولية السابقة بخصوص لبنان وأي قرار لاحق، سوف تشكل مجتمعة عناصر الملف الذي سوف تتم عملية بنائه لاستهداف لبنان، واستخدامات التطورات المتعلقة بتصاعد العدوان على اليمن(المفاوضات اليمنية اليمنية التي تجري في الكويت عبثيه وسريالية بامتياز نتيجتها صفر، وولد الشيخ احمد تم احتوائه سعودياً من باب الورقة الزرقاء والورقة الحمراء)، كوسيلة لبناء ملف استهداف اليمن وتقسيمه من جديد عبر الأقاليم السته، وتجري حالياً فعاليات إدخال الجماعات والعناصر المسلحة إلى الداخل الجزائري، وعندما تنفجر الأوضاع سوف يتم استخدام ملف العنف السياسي كوسيلة لاستهدافها من قبل المحور الأمريكي الأسرائيلي البعض العربي، والأخير(البعض العربي المرتهن)سيصار الى استهدافه لاحقاً، كل ذلك من أجل تحقيق التفوق العسكري الأستراتيجي الأمريكي الغربي عبر الناتو لأستهدافات للنفوذ الروسي المتفاقم وعلى الأقل لأحتوائه، مع اتباع حملات بروباغندا عدائية ازاء موسكو، قد تتطور الى استراتيجيات أمريكية جديدة في غير مكان غير سورية بدءً من أوكرانيا وما بعدها.
ولا يخفى على أحد في العالم تلك العلاقات المؤسسية والقوية مع البنتاغون(وزارة الحرب الأمريكية)وحلف الناتو لدول الخليج مجتمعة إضافة إلى المملكة الأردنية الهاشمية ـ المملكة المغربية، حيث دخل الجميع مع كل أسف في شراكات عملية عسكرية مع حلف الناتو، وحالياً تساهم الغالبية من هذه الدول بالقوات في بعثة الناتو العسكرية في أفغانستان، وحتّى ليبيا والتي في طريقها الى التقسيم عبر الفوضى وحالة عدم الأستقرار المستمرة، تم الاتفاق على قيام الروابط وعلاقات التعاون بين حلف الناتو وليبيا، وسيصار الى تفعيل ادخال ليبيا رغم حالة عدم الأستقرار التي تعاني منها، عبر برامج عسكرية خاصة للناتو بالإشراف الكامل على تأهيل وتدريب وتسليح قوات الجيش الليبي، وفق برامج إعداد على غرار برامج الناتو العسكرية إزاء قوات الجيش العراقي، وقوات الجيش الأفغاني، مع ادخال ليبيا كطرف في ما يطلق عليه تسمية "حوار الناتو المتوسطي"، وهو الشراكة التي تضم كل من المغرب ـ مصر ـ تونس ـ الجزائر ـ موريتانيا ـ الأردن وإسرائيل وآخرين، ضمن إطار حلف الناتو الحربي.
ومن أجل أن تتحق هذه النتائج واشتقاق رؤى سياسية جديدة، ليصار الى اكتمالات عميقة للحياكة الأقليمية في المنطقة وقلب الشرق سورية، يتوقف نجاح كل ما ذكر على مدى قدرة المحور الأمريكي الأسرائيلي عبر أدواته من البعض العربي المرتهن، وقدرة حلف الناتو من القضاء على الثغرة الأستراتيجية(سورية ولبنان)في هذه المشروع المتجدد للشرق الأوسط، لذلك وفي المعلومات تتمركز سفن حلف الناتو الحربية وسفن أمريكية وفرنسية وأخرى على مواقع من سطح الماء باتجاه السواحل اللبنانية والسورية، مع تصعيدات قادمة في الجنوب السوري وفق رؤية فرنسية أمريكية سعودية مشتركة وعلى الحدود السورية التركية(الأردن ابتعد عن الموك وفي طريقه الى نصف استدارة ازاء دمشق، فهل تفشل السعودية ذلك بفعل الورقة الأقتصادية؟)، وذلك على أمل أن يتم حسم الاحتجاجات السورية باتجاه انهيار دمشق ثم القضاء على المقاومة اللبنانية، وضم سوريا ولبنان إلى حلقات حلف الناتو، ومن ثم يكون البحر الأبيض المتوسط قد أصبح بحيرة حصرية لحلف الناتو خالياً من الروس مثلاً، وهنا ستضعف الحلقة الأيرانية كخاصرة ضعيفة للفدرالية الروسية بعد استهداف الحلقة السورية ككل وبالتالي القضاء على الثغرة السورية اللبنانية الأستراتيجية، والسؤال هنا: هل تسمح موسكو بحدوث تلك الحياكة الأقليمية للمنطقة؟!.
ففي سايكس بيكو 2016 العرب المرتهن وغير المرتهن أنفسهم من سيشرف على تقسيم حالهم، وتقسيم المقسّم أصلاً وتجزئة المجزّاء كذلك، وهذا سيكون نتاج ربيعاتهم والتي هي بالأساس مع كل أسف وحزن وبكاء ربيعات صهيونية في فكرتها ونتائجها بعد الشرارة التونسية، والأخيرة كانت خارج حسابات الفكر الصهيوني لجنين الحكومة الأممية البلدربيرغ الأمريكي. انّ للثغرة السورية اللبنانية الأستراتيجية، تأثيرات عميقة لجل المنظومة العسكرية الدولية الجديدة، حيث الفدرالية الروسية تسعى الى التوازن مع تلك المنظومة الدولية العسكرية المستحدثة بفعل المسألة السورية، وعدم السماح للطرف الآخر بجعل البحر الأبيض المتوسط بحيرة أمريكية نيتويّة بامتياز.
فجغرافية الجمهورية العربية السورية تتموضع وتتمفصل في منطقة تقاطع القيادات العسكرية الأمريكية الإقليمية الأكثر حساسية، وهي: القيادة الأوروبية ـ القيادة الوسطى ـ القيادة الأفريقية. وجميع خطوط حلف الناتو وأيضاً الخطوط الأمريكية، تقوم على أساس اعتبارات أن الممر الاستراتيجي السوري، هو العامل الحاسم لجهة تحقيق التفوق العسكري الجيو ـ استراتيجي في كافة مسارح العمليات، في مناطق الشرق الأدنى وشرق المتوسط وشمال أفريقيا، والبحر الأحمر وصولاً إلى القرن الأفريقي حيث الدور الصهيوني المتصاعد فيه، إضافة إلى مناطق الجزيرة العربية والخليج حيث يصار الى تسخين ساحات بعضها هذا الأوان وجعلها(سورية 2) لاحقاً، وآسيا الوسطى والبحر الأسود، ومناطق القوقاز الجنوبي والقوقاز الشمالي وصولاً لكل مناطق نفوذ المجال الحيوي الروسي، وهذا استهداف صارخ للآمن القومي الروسي، لذلك يتم عقد اجتماعات طارئة وغير عاديه برئاسة الرئيس بوتين لمجلس الأمن القومي الروسي في شكل مستمر، ويتم بحث كل تفاصيل المسألة السورية وما لدى مجتمع المخابرات الروسي من معلومات مختلفة، لعودة فكرة خيارات عسكرية أمريكية وفرنسية وبريطانية(رغم خروجها عبر التصويت من الأتحاد الأوروبي)وبعض عربية لدمشق، عبر عناوين انسانية لمشاريع قرارات دولية( يجري تسيسها لتشويه الموقف الروسي من ما يجري في سورية)قد تتطور لاحقاً لأفعال حربية عبر حلف الناتو الحربي، حيث تدرك موسكو ومعها الصين أنّ أي قرار دولي بععنوان انساني، لأنشاء ممرات انسانية آمنة بالداخل السوري، يجب أن يرفض ويقاوم كونه يؤسس لاحقاً وعلى دفعات للتدخل العسكري الخارجي، عبر الطرف الثالث في الحدث السوري في أشكال مختلفة.
ومن هنا فإنّ عدم إدماج الممر الاستراتيجي السوري ضمن خارطة السيطرة العسكرية الجيو ـ استراتيجية الأمريكية ـ الغربية، سوف يخلق ثغرة ونافذة انكشاف بالغة الخطورة في كافة الحسابات المتعلقة بالتوازن الاستراتيجي العسكري العالمي، وذلك لأن الممر الاستراتيجي السوري، يتيح الوصول السريع إلى كافة المناطق الاستراتيجية المحيطة به. ورغم الأتفاق الروسي الأمريكي الكيميائي لنزع السلاح الكيميائي السوري( يجري العمل الآن على تسيسه من جديد أمريكياً)والذي جاء بمبادرة سورية روسية مشتركة، والذي كان من نتائجه الغاء الضربة العسكرية الأمريكية لدمشق ولقطاعات القوى الصاروخية السورية ومصانع انتاجها، ثم جاء توقيع جنيف ايران فالأتفاق النووي بين ايران والغرب، فجنيف سورية الثاني والثالث بجولتيه والذي صار يصيح بالجميع: استروا عورتي وانتظروا اخوتي، فانّ جلّ الضغوط المكثفة سوف تستمر رأسيّاً وأفقيّاً بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان حلف الناتو، وشركائهما الشرق أوسطيين والخليجيين، من أجل إنجاز سيناريو انهيار دمشق مع التصعيد في الجنوب السوري والشمال السوري، وعمليات سريّة مخابراتية تستهدف القيادة السياسية للنسق السياسي السوري وعلى رأسه الرئيس بشّار الأسد، بما سوف يؤدي بالضرورة إلى جعل الممر السوري متاحاً لحلف الناتو ومن يدور في فلكه، وفي هذا الخصوص تتحدث المعلومات بأن الممر السوري سوف لن يشمل أراضي الجمهورية العربية السورية والجمهورية اللبنانية وحسب.
وإنما سوف يشمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وفي هذا السياق سمعنا حديث الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن قبوله ودعوته لتواجد قوّات لحلف الناتو على المعابر، وفي الغور الأردني والفلسطيني في اطار ما تسمّى بخطة جون كيري التوطينية، نعم أبو مازن مع كل أسف قد انخرط في تفاهمات أكد من خلالها موافقته بأن تتولى قوات حلف الناتو المسؤولية عن ما أسماه بـ"حماية الأراضي الفلسطينية"، الأمر الذي يعني بكلمات أخرى نشر الحلف لقواته وقدراته العسكرية في الأراضي الفلسطينية، وأدوار قادمة للحلف في الصراع العربي – الأسرائيلي، حيث تم اختزال الأخير من بعض العرب بالمسار الفلسطيني – الأسرائيلي. فسورية مركز الكون وتوازنه ومنها يبدأ تشكل عالم متعدد الأقطاب، والصراع الروسي وحلفائه من جهة، مع الأمريكي وحلفائه من جهة أخرى، يتأرجح بين العداء والتنافسية المطلقة، فان سقطت دمشق سقطت موسكو وبكين وطهران، هذه هي المعادلة بكل بساطة، وما يجري في دمشق وجلّ الجغرافيا السورية يجري في شوارع وأزقة موسكو وبكين وطهران، بالنسبة لرؤوس المثلث المقاوم الروسي الصيني الأيراني لأستراتيجيات العبث الأنجلوسكسونية، وتصرفات العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي تشبه تصرفات الرايخ الثالث، هكذا يعتبرها بطرس فلادمير بوتين، والوجود الروسي في المتوسط والداخل السوري ليس قعقعة سلاح، لا بل وجود عملياتي جاهز للفعل بأعمق من الحالي ووتيرته عندّ الضرورة، والدولة الوطنية السورية بجانب استهدافات البؤر الحاضنة للأرهاب في الدواخل السورية، تستكمل بناء هياكل الديمقراطية السوريّة الحقيقية المناسبة في المجتمع السوري المقاوم.
فبعد البدء في تنفيذ قرارات هذه المروحة العسكرية الروسية الواسعة ازاء دمشق لمكافحة مجاميع الأرهاب المدخل والمتعاظم في الداخل السوري، بسبب الصفاقات السياسية للولايات المتحدة الأمريكية ومصفوفات الأدوات من أتباعها في المنطقة، وما تبعها من اسنادات ايرانية مماثلة واسنادات صينية ماليّة ودبلوماسية تقود الى اسنادات عسكرية صينية في الداخل السوري ومتأهبة، ازاء مجاميع الأيغور التي تمّ احلالها في قرية(الزنبقي)وغيرها مكان السكّان الأصليين، خفّ نعيق الأسرائيلي الصهيوني، وصارت انقطاعات هنا وهناك لعواءات للطرف الثالث بالحدث السوري، ولم نعد نسمع فحيح أفاعي البعض العربي المتقاطع مع الطرف الثالث في المؤامرة على سورية ونسقها السياسي.
وها هي لحظة الحقيقة لمفاعيل الفعل العسكري الروسي تتفاعل من جديد في البؤر الساخنة في الداخل السوري، تشمل تلك الضربات النوعية والكمية الروسية السورية المشتركة، الجماعات الشيشانية والشركسية التي أدخلتها الأستخبارات التركية منذ بدء الحدث السوري وتفاعلاته وعقابيله، حيث تلك الجماعات دخلت لتفعل فعلها وتتمرن في الجغرافيا السورية، وتستبيح ديمغرافية تلك الجغرافيا واللعب بالمكونات للشعب السوري، بما فيهم المكون الشركسي السوري الوطني الذي وقف بجانب دولته الوطنية، حيث تم الأدخال ليكون الأخراج لها كأثر في القوقاز الروسي كمجال حيوي عميق وذو أثر لجهة ايلام روسيّا(تفجيرات مطار أتاتورك في اسطنبول، الأنتحاريون من الفضاء الحيوي الروسي من قرقيزستان وجوارها).
كما تشترك الصين مع الروسي لجهة استهدافات آلاف الأيغور الصينيين الذين تمّ ادخالهم ودخلوا عبر تركيا الى سورية، وخاصة من المكونات السياسية ومنظومات المورد البشري للحزب التركستاني الأسلامي والذي يجنح باستمرار لجهة التطرف نتيجة عمليات التعبئة الفكرية السلبية، فهناك أكثر من عشرين ألف فرد من الأيغور تحديداً مع عائلاتهم تم استيطانهم في سورية، واحلالهم في قرية(الزنبقي)المجانبة والمحاذية للحدود مع تركيا، بعد أن تم تهجير سكانها بفعل داعش والنصرة وكافة أدوات المصفوفة الأرهابية المدخلة الى الداخل السوري.
ومن هنا نرى أنّ الصين والتي تملك أكبر شبكة تجسس استخباراتية بمجال التكنولوجيا الألكترونية الدقيقة، بجانب مصفوفات استخباراتية أخرى ذات حس استخباري كبير وعالي، حيث مسارات التعاون مع المصفوفات الأستخباراتية الروسية والأيرانية على شكل(اتوستراد)واسع وطويل، تتشارك مع الفدرالية الروسية في المواقف والمخاوف ازاء المسألة السورية وحدثها ومفاصل جلّ المؤامرة على دمشق، لذلك بدأت كل من موسكو والصين وطهران وعبر ميكانيزميات دبلوماسياتهم النشطة في تحديد اطار عمل دولي وقانوني لعمل بعثاتهم العسكرية في سورية، ومنذ فترات ليست بالطويلة، ولا أحد يعرف كيف تفكر دمشق.
فلادمير بوتين الذي أيقظ الشعور القومي الروسي المتعاظم والمتصاعد في وجدان ونفوس سكّان الجغرافيا الروسية، وتصالح بعمق مع الكنيسة الأرثوذكسية والتي موطنها سورية قلب الشرق ومفتاح البيت الروسي، يدرك بامتياز عميق أنّ روسيّا بدون سورية وديكتاتورية جغرافيتها ستخرج من المعادلة البحرية العسكرية في أيّة مواجهات مع الغرب والأمريكي، فالأسطول الروسي الذي يحتاج الى قطع مسافات شاسعة في البحار بين البلطيق والمتوسط سيضطر للعودة الى البلطيق اذا احتاج الى ملائة وفرشاة أسنان ومعجون لأحد جنوده. اذاً: اذا خرجت روسيّا من معادلات القوّة العسكرية في البحر مع خروجها من معركة الطاقة وخاصةً الغاز مهزومة، بانتصارات خطوط الغاز الأوروبية القطرية السعودية مع احتكار تركيا على خطوط الأمداد، وتحول تركيا الى دولة ترانزيت ثرية بفعل الأستيلاء على خطوط الأمدادات، وستكون تركيا(ومن الزاوية الروسية)أكثر استعداداً وشراسةً لدعم جلّ سفلة سلّة الزبالة هذه من الأرهابيين والتكفيريين في العمق الروسي لتمزيق مفاصل وأحشاء روسيّا، عندّها وهنا فقط ستخرج موسكو وربما الى الأبد من المعادلة العسكرية والسياسية والأقتصادية الأممية.
نواة الدولة الوطنية الروسية رأت أنّ الدولة الوحيدة في المنطقة والتي لم تبدّل السلاح الروسي هي سورية، وأدركت أيضاً ومنذ أن بدأت الأخطار تتهدّد أهم محركات الأقتصاد الروسي(النفط والغاز)، وجدت منظومة الحكم في موسكو أنّ الرصاصة القاتلة لمشاريع الطاقة الروسية تأتي من مشروعات النفط والغاز الأوروبية الأمريكية الخليجية من قلب جزيرة العرب لتصب في سواحل البحر الأبيض المتوسط، وخاصةً على الساحل السوري عبر الأراضي السورية الى تركيا.
الروسي والسوري والأيراني والصيني، لديهم قراءات دقيقة لمعطيات تتقاطع مع معلومات مؤكدة، أنّ عناصر الطرف الثالث في المسألة السورية وبعد صناعة الرأي العام في أوروبا(والأخير تم خلقه وتشكله بعد عاصفة اللاجئين السوريين والتركيز عليها ببعدها الأنساني العاطفي بشكل استثنائي)وجعله يؤيد تدخلاً عسكرياً غربيّاً في سورية لأنهاء عصابة داعش، قرّرت كل من واشنطن وفرنسا وبريطانيا واستراليا محاربة داعش للتغطية والتظليل عن الهدف الرئيس وهو اسقاط النظام في سورية وبالقوّة العسكرية وعبر الجبهة الشمالية السورية، حيث عمّان وفي المعلومات رفضت أي تحركات عبر حدودها لا بل واستبقت ذلك من خلال الأبتعاد عن غرفة الموك، ومساعدة الروسي لها في نصف استدارة ازاء دمشق بعد زيارة الملك الأخيرة لموسكو(راجع تحليلنا: الملك الى موسكو لترتيب ستاتيكو سياسي جديد وليس لأنتاج 14 أذار سوري)، فدفعت الى اعلان فشل ما سميّت بعاصفة الجنوب السوري وعلى لسان أحد البيادق العملاء.
هنا جاءت القرارات الروسية الأخيرة ومسارات ترسيمها على أرض الواقع والميدان، عبر مروحة مساعدات عسكرية بما فيها السوخوي سي 35، حيث ذهب الأسرائيلي(في الكواليس)لفك ارتباطاته مع زبالة الأرهابيين ودفعهم نحو الأردن(الأقليم الشمالي)، وبدأ هذا الأسرائيلي الصهيوني ببناء جدار الكتروني عازل على طول الحدود الأردنية الأسرائلية الصهيونية من العقبة الى تمناع بطول 30 كم، على أن يستكمل بناء الباقي والبالغ 230 كم لاحقاً لحماية نفسه من الأرتدادات الداعشية الى الداخل الأردني، نتيجة لبدئه في دفع زبالة الأرهابيين، الذين تحالف معهم منذ بدء المؤامرة على سورية، وفرنسا أرسلت برنارد باجوليه رئيس الفرع الخارجي لجهاز الأستخبارات الفرنسي أكثر من مرة الى موسكو، لمقايضة سورية بأوكرانيا ورفع العقوبات عنها، ولندن قدّمت طرحاً لدمشق يسلّم ببقاء الرئيس الأسد لفترة ستة أشهر ثم المغادرة بضمانات دولية(قطعاً رفضته دمشق وفوراً وبصورة واضحة كونها تعلم خبث ولعانة الأنجليزي). فدمشق استطاعت أن تفرض تغييراً متدرجاً في السياسة الغربية اتجاه سورية من مرحلة(مطلب رحيل الأسد السدّ المنيع في وجه المؤامرة، فتمسّك هذا الأسد البشّار بشّار الأسد بالسلطة أسمى تجليات الوطنية والقداسة)الى مرحلة(بقاء الأسد بشروط لا بل ما هو أبعد من ذلك)، ونجحت باعادة الربط بين دمشق والقاهرة، وما يجري هذا الأوان على طول خطوط العلاقات المصرية السورية أكبر من تنسيق مشترك في الأمن وسيتبعه خطوات سياسية، حتّى لا تبدو السماء كفروة خاروف.
كل ما سبق يؤشّر الى حقيقة واضحة وهي أنّ عقيدة الفدرالية الروسيّة تختلف عن عقيدة الأتحاد السوفياتي السابق، وهي أنّ موسكو الآن وبزعامة فلادمير بوتين تدافع عن حلفائها، وهي رسالة الى مصر المترددة للدخول بجانب الدولة الوطنية السورية صيانةً للآمن القومي العربي.
روسيّا عزيزي القارىء، هي رأس حربة المنظومة الأسيوية الجديدة، والتي تمثل الثقل السياسي والعسكري والأقتصادي والمالي والأستخباري الصاعد في العالم، ومعها ايران وحلفائها في محور المقاومة كشركاء على الأرض، ومعها الصين ودول البريكس ومنظمة شنغهاي المعادل المدني والسياسي والعسكري والأقتصادي للآتحاد الأوروبي(هذا في طريقه الى التلاشي بعد خروج حصان طروادة الأمريكي والأسرائيلي، وأقصد بريطانيا)، هؤلاء الداعمين لأستراتيجيات روسيّا في العالم.
الأستراتيجية الروسيّة في سورية تقوم بحدها الأدنى، بتولي قوّاتها الفضاء السوري والبحر السوري، في حين يتولّى الجيش العربي السوري العقائدي، والحرس الثوري وحزب الله والمقاومات الشعبوية السورية، والحشد الشعبي في العراق تطهير الأرض السورية والعراقية من سفلة الأرهاب وزبالته، وموسكو أعلنت لمن زارها مؤخراً أنّها لن تسمح بتسهيل دخول الأرهابيين الى سورية من دول الجوار السوري كما كان الحال من قبل، وهذا ما تم افهامه للتركي، فسقف وعمق تطبيع العلاقات الروسية التركية محكوم بسقف تغيير أنقرة لسياساتها ازاء سورية وغلق الحدود.
وكما قلنا أنفاً أنّ الأسرائيلي الصهيوني قبل بالتخلي عن زبالة الأرهابيين، مقابل ترتيبات أمنية على الحدود في الشمال مع الأردن، والأردن قبل بالأجراء الروسي الأخير وابتعد عن الموك، ورفض فتح حدوده للطرف الثالث بالحدث السوري، وهو في طريقه نحو نصف استدارة ازاء دمشق بمساعدة الروسي، وفي حالة أن رفض التحالف العربي الذي يقوده السعودي والأماراتي والقطري، لجل الرؤية الروسية الجديّة الآن والتي بدأت تترسم على أرض الواقع والميدان، فانّ الجغرافيا اليمنية ستكون مقبرة لجنود هذا التحالف غير الشرعي، وخارج قرارات الشرعية الدولية والعربية أيضاً، لذلك قد نرى ثمة انحراف سعودي مفاجىء نحو اجتراح الحلول وبشكل سري حتّى اللحظة ازاء المسألة السورية واليمنية والعراقية، وان كان مصدره الرعب.
الخطر على سورية لم يعد من الجنوب السوري بفعل الجيش العربي السوري، وحزب الله، والحرس الثوري، والمقاومات الشعبوية السورية، بجانب الدور الأيجابي لعمّان غير المعلن والذي هو في طريقه الى التحالف مع دمشق بمساعدة الروسي، وانما الخطر يأتي من الشمال السوري حتّى اللحظة، وفخامة الرئيس التركي منغمس بعمق حتّى العنق في الحرب ضد حزب العمّال الكردستاني والذي تعتبره واشنطن وتركيا منظمة ارهابية، كما هو منخرط بالأستراتيجية الأمريكية بدرجة الثمالة والهذيان، لذلك الحشود الغربية لأسقاط الأسد ونسقه السياسي سيكون من الجانب التركي ان حدثت، من هنا جاء الفعل الروسي العسكري الجديّ الأخير والمتفاقم من جديد.