عندما تصبح الدماء وأشلاء البشر غذاء أساسيا ووجبة دسمة لفئة ضلّت طريقها ، فتلك مصيبة عظمى تواجهها البشرية ليس في بقعة معينة وإنما على كل الأرض ، وإذا كان الإرهاب سيتحول إلى مهنة لمن لا مهنة له ، واعتقد انه قد أصبح كذلك فعلا ، فذلك يستدعي من الشعوب وقفة حقيقية ضد هذه المهنة القاتلة للبشر وتقدمها وتطلعاتها نحو المستقبل ، ولا يجب بحال من الأحوال أن تقف الشعوب وخاصة العربية موقف المتفرج على مشاهد استباحة الأرواح وسفك الدماء وتطاير الأشلاء ، فمحاولة القضاء على هذه المهنة المتنامية ليست مسؤولية أجهزة الدول فقط ، وعندما اخص الشعوب العربية بالوقوف ضد الإرهاب المتنامي بحيث أصبح من الأدبيات والاهتمامات الدولية الأولية ، فذلك لأن غالبية أصحاب الأحزمة النارية في وقتنا الحالي ، هم من العرب والمسلمين دون غيرهم ، وهذا لا يعني بحال من الأحوال ، أن دين الإرهاب هو الإسلام ، أو انه مقتصر فقط على العرب والمسلمين ، ف الإرهاب ظاهرة قديمة قدم الإنسان ذاته ، ولكنه تغير وتطور حسب المتغيرات البيئية والسياسية الدولية ، ووصل إلى ما وصل إليه اليوم .
إن مفهوم الإرهاب لغة ، هو ترويع الناس وإفقادهم لأمنهم وأمانهم بقصد تحقيق منافع معينة ، بينما هو في المفهوم السياسي الدولي ، اعتداء يصل إلى حد الفعل الإجرامي ، وقد فسر علم الاجتماع السياسي الإرهاب بأنه كل سلوك يلحق الأذى الجسدي بالناس من خلال استخدام السلاح غير المشروع أو تقنيات التعذيب تقليدية كانت أو حديثة وكلها بطبيعة الحال مخالفة لحقوق الإنسان ، ومهما كانت مفاهيم الإرهاب وتفاسيره ، فان تداعياته تبقى اكبر بكثير من تلك المفاهيم والتفاسير .
ربما نختلف مع بعضنا في الرأي حول أسباب تنامي مهنة الإرهاب ، ولكنها تبقى أسباب موزعة على ميادبن مختلفة ، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو دينية أو أسباب مجتمعية وحتى نفسية ، ولا يمكن أن يكون الإرهاب مرتبط بمفهوم دون آخر ، بمعنى انه لا يمكن أن يكون دينيا منفردا دون أن يرتبط بالسياسة والاقتصاد أو الحالة النفسية ، ومسألة الوقوف على الأسباب الحقيقة الكامنة ليست بالمسألة الهينة ، ولا بد من تضافر كل الجهود رسمية كانت أو شعبية للوقوف صفا واحدا ضد هذه المهنة المدمرة لكل القيم الإنسانية بمفهومها الشامل ، ولا يجب أن يكون الاختلاف بالرأي حول تلك الأسباب عائقا على محاربة هذه المهنة ، لأنها في النهاية ستطال كل الناس باختلاف آرائهم وتوجهاتهم ، حيث أن جوهر الإرهاب واحد ، والعمل على وقفه واستئصاله من جذوره ، هو منفعة عامة ، وبناء مستقبل أكثر أمنا وطمأنينة ..