بقلم: *محمود أبوالرز- مؤسس لجنة الزكاة ومستوصف البقعة الخيري
يمثل مخيم البقعة ، بحسب الإحصائيات الرسمية الأردنية والدولية ، وبغض النظر عن التباين الطفيف في سائر التقديرات الديمغرافية، حالة تمثيلية وتعبيرية فريدة ، ليس فقط من حيث كونه أكبر المخيمات حجماً داخل الأردن وخارجه ، سواء لجهة عدد اللاجئين والنازحين المقيمين فيه أو المرتبطين به معيشياُ واجتماعياً واقتصادياً ، والذين يتراوح تقديرهم بين ثمانين ألفاً ومئة وثلاثين ألفاً، أولجهة اتساع وتنوع جذور وتفرعات وتغيرات انتماءات وولاءات وميول مجاميعه السكانية وشرائحه السياسية والمهنية، ولكن بموازاة ذلك ، من حيث تفاعل أهله اليومي النشط من خارج عمان مع سياسات وانشغالات العاصمة كأنهم فيها ، واندماجهم الفاعل في هموم محافظة البلقاء و منطقة لواء عين الباشا كأنهم لا يغادرونهما ، وكذلك انخراطهم الدؤوب في متابعة القضايا والهموم العامة أردنياً وفلسطينياً ثم عربياً وعالمياً بنفس حرصهم على جنى اليوم و قوت العيال ؟.
وقد حرص المخيم ، في المجمل ، أن يسجل حضوراً متفاعلاً ومستمراً في جميع الدورات الانتخابية لمجلس النواب منذ استئناف المسيرة النيابية الديمقراطية في المملكة الأردنية الهاشمية عام 1989، ، على الرغم من تفاوت أداء من انتخبهم للمجلس ، وانحصار وانحسار المجال الحيوي الذين بتحركون فيه للتأثير على الإتجاه العام لقرارات المجلس وإقراراته تشريعياً وسياسياً، ضمن تركيبة المجلس التقليدية وعلى ضوء قانون انتخابي خلافي ، لم يدع للمخيم ولواء عين الباشا بأ سره مؤخراً سوى مقعداُ يتيماً واحداً، على الرغم من كل الشواهد القاطعة على أحقية اللواء ، والمخيم ركنه الركين، في ثلاثة مقاعد أو مقعدين على أقل تقدير، مما يحقق ويعزز ،إن حصل، مقصدالتوازن والتلاحم الإجتماعي بين المخيم ومحيطه من العشائر الكريمة : العدوان ، الفواعير ، العواملة والخرابشة وغيرهم من أبناء الأردن الأخيار في كل البلدات والقري المجاورة في نطاق لواء عين الباشا وحوض البقعة ؟
وفي عام 1989 ، عندما كان المخيم جزءاً من دائرة البلقاء الرابعة ، أحجمت فعالياته بشكل لافت عن دعم أي من أبناء المخيم للتنافس على مقاعد البلقاء ، وانصب ثقل التصويت على دعم مرشحي السلط الأقرب إلى تبني توجهات المخيم السياسية ومطالبه الخدمية. ولعل هذا الموقف الحذر، المنخرط بفعالية في عملية الإنتخاب والمحجم بروية عن الترشيح ، كان ناجماً في حينها عن إظلالات المرحلة العرفية ومحاولة تجنب النزاعات الانتخابية مع المحيط وعدم توفر الثقة بأن قوى السلطة التنفيذية ستستجيب بنفس القدر سياسياً وخدمياً لنواب من أبنا ء المخيم ،أو تكف عن تدجينهم ولو حصلوا على أعلى الأصوات في المملكة ،أو حتى أن تأخذهم في البرلمان على محمل الجد عبر إبداء التفاعل الإيجابي مع طروحاتهم ومطالبهم الشعبية ، سياسية كانت أم خدمية ؟
في ذلك الوقت ، وفي خضم تداعيات الإنتفاضة الأولى ، وقفت حركة فتح كبرى التنظيمات الفلسطينية رسمياً على الحياد وتركت لأنصارها حرية الاختيارفردياً ، مما أفسح المجال لصب كم ترجيحي من الثقل الانتخابي البقعاوي لصالح اثنين من مرشحي الحركة الإسلامية من قصبة السلط،هما الدكتور عبد اللطيف عربيات والأستاذ إبراهيم خريسات،اللذان ظلا وللامانة حافظين للجميل ،محافظين على تواصل ايجابي مع البقعة وأهلها إلى الآن، برغم تبدل الظروف وتغير طبيعة التوجهات الانتخابية في الدورات اللاحقة !
أما في الدورة التي تلتها عام 1993، فقد شهدت الساحة تنامياً ملحوظاً فيما يشبه الإجماع في منسوب الثقة بقدرة وحق أبناء المخيم أنفسهم أن يصعدوا أبناءهم للبرلمان، رغم أن المخيم في حينها كان لا يزال امتداداُ للصوت السلطي البلقاوي. وقد استطاع المخيم إنجاح كل من المرحوم المحامي إبراهيم شحدة زيادة ، المناضل الفتحاوي العريق رئيس نادي البقعة والرمز الإسلامي المعروف الدكتور محمد عويضة ، رغم أنهما أصلاُ من بلدة واحدة هي الفالوجة، مما أشر بوضوح إلى غلبة التوجهات السياسية والمناقب الفردية على العوامل العشائرية والمنفعية في الدفع بهما إلى مجلس النواب! غير أن هاوية الخيبات والإحباطات تجلت في انتخابات عام 1997 التي قاطعتها الحركة الإسلامية، عندما اندفع الجمهور البقعاوي، تحت شعارات دينية سلفية متشددة لكنها خداج في المراس السياسي، إلى انتخاب السيد محمد رأفت المعلم في مدرسة صافوط الأساسية ، بكم لافت من الأصوات تجاوز الثمانية ألاف واحتل معه المرتبة الثالة على مستوى المملكة وتلاه في أصوات أهالي المخيم تحديداً المرحوم المهندس غالب أبوعرابي الذي حظي بينهم ولا يزال بمحبة وشعبية غامرة ؟ غير أن الجمهور البقعاوي ما لبث أن فوجئ بعدفترة وجيزة بصدمة كارثية على الصعيد السياسي ، عندما فضحت بعض الجهات، بالصوت والصورة، زيارة النائب ( الإسلامي المتشدد في ظن جمهور منتخبيه) إلى رئيس الكنيست الإسرائيلي بصحبة النائب ( اليساري ) المسيس السيد حمادة فراعنة!! مما أثار موجات واسعة من السخط والتبرؤ والإستهجان لا تزال تتفاعل بتداعياتها القاسية على المشهد الإنتخابي البقعاوي ألى يومنا هذا، طارحة أسئلة صعبة لجهة ضمان مرجعية موثوقة ومؤثرة تكبح تفرد وتفلت من ينتخب من التزاماته السياسية والأخلاقية تجاه قاعدته الإنتخابية ؟
وفي الدورتين التاليتين ، تم فصل لواء عين الباشا ،بما فيه المخيم عن السلط ، حيث جرى تخصيص مقعد واحد فقط للواء كاملاُ، وكان أن فاز للنيابة في الدورتين الأخيرتين الأستاذ محمد عقل رئيس نادي البقعة عن الحركة الأسلامية ،. وقد عزا بعض المحللين فوزه لدماثته الشخصية في جانب و انشداد الناس ، على العموم ، للخطاب الإسلامي المعارض الذي ينفس عن إحباطات الشارع سياسياً وخدمياً ، على ضوء إخفاقات وعود السلام الموهوم وازدياد الضغوط الإقتصادية والإجتماعية على مجمل عوائل المخيم التي لا يكاد سوادها يجد حيلة أو وسيلة لتدبير لقمة العيش أو حبة الدواء أو كتب الدراسة لأولادها ومعاليها،خصوصاً في ظل التراجع المستمر في مستوى الخدمات العامة من وكالة الغوث لأسباب أبرزها تمويلية؟
ورغم أن الصوت الواحد والمقعد اليتيم لا يزالان يلقيان بظلال قاتمة على مشاعر غالبية جمهور المخيم واللواء، إلا أن هناك توافق جلي ، باستثناء الإسلاميين الحزبيين ، على ضرورة المشاركة الفاعلة في الإنتخابات العتيدة القادمة ، حيث تشهد الساحة الإنتخابية في حوض البقعة عموماً منذ أسابيع حراكاً ملموساً في عدة اتجاهات من قبل سائر العازمين على الترشح. ومن الإنصاف أن نذكر أن من بين المرشحين لهذه الدورة شخصيات ريادية وقيادية في العمل العام والتطوعي على مستوى عال من الخبرة والمراس والعطاء في الجانبين السياسي والخدمي ، ممن يتوفرون في الوقت نفسه على ثقافة قانونية وتشريعية رفيعة ، يؤمل إن تم اختيار أحدهم أن يشكل إضافة نوعية للعمل البرلماني وإعادة بل زيادة في الإعتبار والتقدير لوزن وثقل المخيم واسهاماته المميزة في رفع سوية العملية البرلمانية بخاصة وتعزيز المسيرة الديمقراطية في المملكة بعامة .
ومع عدم التقليل من أهمية التحالفات العشائرية والعلاقات الإجتماعية والفصائلية/الحزبية ، إلا أنه يتوقع أن يتعرض المرشحون لأسئلة قاسية وتدقيقية في السيا سة أولاُ : حول مواقفهم من معاهدتي أوسلو ووادي عربة وتداعياتهما أردنياً وفلسطينياً ، وحول حق العودة، وحول التطبيع وربما حول ملف الجنسيات/ الأرقام الوطنية المثير للجدل؟ وستسلط الأضواء على قدرات المرشح الخطابية والقانونية وخبراته في ميدان السياسة والعمل العام مع التركيز على إنجازاته ،إن وجدت ، في الخدمة العامة التطوعية ، دون إغفال مناقبه الشخصية من حيث الحس والتفاعل الإجتماعي والأمانة والتواضع وخدمة عموم الناس مع نكران الذات !
ولعل هذا الإستعراض الوجيز يثبت، بما يدحض كل ريبة، اعتزاز أهالي المخيمات بوطنيتهم ومواطنتهم الأردنية في مختلف مواقع البناء والعطاء ، ومن أبرزها تفاعلهم الإيجابي الموصول ترشيحاُ وانتخاباُ، مع الإنتخابات البرلمانية في سائر دوراتها وتعزيزاً وتطويراً لمسيرة الأردن الديمقراطية في كافة مراحلها ، دون أن يروا في هذا أدني إخلال أو انتقاص أوتخل عن حقوقهم التاريخية والقانونية في أرض فلسطين، وعلى رأسها حق العودة والتعويض ( وليس أو التعويض؟) ، و لا يزال اللاجئون والتازحون أوفياء للأردن وملتزمين بوثيقة الوحدة الخالدة في نيسان 1950 بين الضفتين ، التي نصت بكل قوة وجلاء على أن دولة الوحدة( المملكة الأردتية الهاشمية) بضفتيها ،ستعمل وبكل قوة على الحفاظ على الحقوق التاريخية والقانونية للا جئين في أرضهم وممتلكاتهم في فلسطين، دون إجحاف بحق العودة والتعويض !
malruzz@yahoo.com