قد لا اخفي تعاطفي مع تركيا واردوغانها ، ولكن بنفس الوقت قد لا يهمني بشكل مطلق من يحكم تركيا ، سواء كان اردوغان او العلمانيين او العسكر او حتى الشياطين ، طالما أني لا اعيش فيها ولا انا احد مواطنيها ، ولكن الحق يجب أن لا نحيد عنه وننظر إليه فقط من زاوية أهوائنا وتوجهاتنا الفكرية والسياسية .
لكل من يهاجم الرئيس اردوغان وما يقوم به اقول ، لكل زمان دولة ورجال ، كمال أتاتورك العلماني جدا جدا ، صنع تركيا كما أرادها علمانية بحتة ، حتى باتت تركيا تعرف ب تركيا الأتاتوركية ، وما كان أتاتورك ليستطيع أن يفعل ما فعل بتركيا لولا استخدامه أجهزة القمع والتنكيل بالمواطنين الذين كانوا في تلك الأيام على قدر كبير من التدين والالتزام الديني الإسلامي .
في البدء لم يظهر أتاتورك أي مظاهر معادية للدين والإسلام ، لأنه يعرف جيدا أن الشعب كله يدين بالإسلام ، بل إنه قام بممارسات ذات طابع ديني محض حيث ألقى خطبة جمعة في مدينة بالي كسير، وعندما ترأس المجلس الوطني الكبير عين مساعدين له من المشايخ ورجال الدين ، وذلك قبل أن يتمكن من تنفيذ أجنداته العلمانية وإقصاء الإسلام كله عن تركيا ، تماما كما يفعل الآن الرئيس اردوغان ، حين يتحدث عن علمانية تركيا وضرورة المحافظة عليها ، ايضا ليتمكن من تنفيذ أجنداته الخاصة بحزبه وإعادة تركيا إلى مسارها الصحيح ودينها الذي تدين بها ، واليكم ما قام به أتاتورك من قمع وتنكيل بالشعب التركي ليثبت على الأرض علمانيته التي لم تنازعه عليها حتى اوروبا نفسها:
إغلاق جميع المراكز الدينية الإسلامية وجمعيات التكايا في الدولة .
إلغاء كل انواع الطرق الدينية ومشايخها .
حظر ارتداء اللباس الذي يدل على انه إسلامي .
منع تعدد الزوجات للمسلمين ومنح المرأة المسلمة حق الزواج من غير المسلم .
حظر على النساء لبس الحجاب الشرعي وألزمهن بلبس الفساتين ، وإلا قدّم أزواجهن وأبائهن وأقربائهن للمحاكمة .
والأهم في كل ذلك أن مفهوم العلمانية في تركيا لم يقتصر على تحييد دور الدين وفصله عن الدولة كما هو في الغرب مثلا ، لكنه يمضي أبعد من ذلك بإجبار الناس على المفهوم الذي يراه اتاتورك نفسه لممارسات الدين في الحياة العامة بل وفي أداء العبادات ، حيث عمل اتباع اتاتورك على إجبار الأئمة في المساجد على قراءة الفاتحة في الصلاة باللغة التركية ومنع الأئمة من الدعاء باللغة العربية ومنع رفع الأذان باللغة العربية ، وكل من يعترض على ذلك كانت أجهزة القمع الأتاتوركية لهم بالمرصاد .
من الواضح جدا ، أن الرئيس أردوغان هو تلميذ اتاتورك مع اختلاف التوجهات الفكرية تماما ، ومن الواضح جدا أيضا قرب إنتهاء تركيا الأتاتوركية ودخول عهد ألأردوغانية والسؤال هنا ، لماذا حق ويحق ل أتاتورك وأتباعه القمع لتنفيذ أجنداتهم العلمانية ، ولا يحق ل أردوغان , والإجابة لدي بالطبع واضحة جدا ..