بالنظرالى حصيلة التغيّرات التي طرأت على الاردن خلال العقود الماضية يبدو التباين شديد الوضوح بين ما أحرزته الدولة في بعض الجوانب العلمية والطبية والرعاية الشبابية ورعاية المرأة والاطفال، في مقابل وجود جوانب أخرى كان التغييربطيئا مثل عدم المساواة بين المحافظات في مكتسبات التنمية والمشاريع الكبرى التي ترعاها وتمولها الدولة وتفاوت انماط حياة الاردنيين حسب موقع سكنهم من جهة والمستوى المادي لهم من جهة اخرى كما هو التفاوت بينهم في فرص العمل لاسباب غير الكفاءة والمؤهل العلمي ، وهذا يحتاج إلى وقفة فاحصة تحاول الإجابة عن السؤال الطبيعي الذي يتبادر إلى الذهن: كيف استطاع التغييرُ التسربَ إلى جوانب وإغفال جوانب أخرى؟؛ فالدولة تحتلّ، على الصعيد السياسي مثلا، مكانة عالية بين دول العالم، وذلك بمواقفها السياسية التي تميزت بها من الاعتدال والوسطية المتوازنة والتي تجمع بين إرث تليد من حكمة وفراسة القيادة الهاشمية، ومكتَسَبات من المنجَزالعلمي والتميز الذي اتصف بة الاردنيين على المستوى النظري والتطبيقي من كفاءة واقتدار.
وعلى المستوى الاقتصادي تعيش الدولة منذ سنوات محاولات جادة بتوجيهات القائد لتحقيق انتعاشًا اقتصاديًا يؤثر ايجابيا على المستوى المعيشي للمواطنين جميعا فيها على حدٍّ سواء الا ان العمل والحاجة ما زالت بحاجة للمزيد من الجهود لتخفيف الاثار السلبية لمشاكل الفقر والبطالة .
ولكن في المقابل نجد أننا عجزنا عن الوصول في جوانب أخرى، كالجانب الثقافي والاجتماعي المنشود على الرغم من الجهود في هذا المجال ، إلى المستوى الذي وصلنا إليه في الجوانب السابقة. ويمكن إرجاء الحديث عن الجانب الثقافي إلى وقت آخر، والتوقّف عند الجانب الاجتماعي الذي لا بد له من التأثر بالتغيرات التي حدثت على الجوانب السياسية والاقتصادية، لأن هذه الجوانب كلها تشكّل منظومة متكاملة، غير منفصلة عن بعضها، بل إنها شديدة الحساسية لبعضها، وأي تغير في جانب منها غالبًا ما يكون ذا أثر في بقية الجوانب.
ولأن الجانب الاجتماعي يشمل كثيرًا من القضايا الفرعية التي يصعب الخوض فيها كلها دفعة واحدة، سأتوقف عند واحدة منها، تحتاج إلى تسليط الضوء عليها، وتتعلق باستمرارية تكثيف سعي وطلب الشباب والشابات للوصول الى الوظائف العامة وعدم وجود اتجاهات ايجابية عامة لديهم في عمل المشاريع المدرة للدخل والمحسنة لة في حين ان هناك توسع في مجالات دعم وتمويل وخدمات مجانية مختلفة توفرها الدولة وبرامجها
الخاصة المشجعة للقيام بهذة المشاريع . وهنا تكون الثقافة الواجبة لتحرك هؤلاء الشباب نحو عمل المشاريع واخذ الدور الوطني والايجابي لتكتمل عناصر الانتاج لخدمة الوطن في مخرجات المشاريع ونواتجها ومكافحة البطالة ولتوسيع مشاركة الشباب والقطاع الخاص ولياخذ اصحاب المهن ادوارهم ومكانتهم الاجتماعية ولتقليل الفجوة بين فئات الشعب وقطاعات الانتاج لتحقيق واقع افضل ورخاء الحياة ولوطن متلاحم متكامل في عناصر الانتاج بما يحقق رؤى جلالة الملك في دور المواطنين والشباب ومشاركتهم لدفع شراع الوطن صوب جزر السلام ومواجهه فاعلة للتحديات الوطنية .
وإذا كان من الطبيعي أن تظلّ ثقافة (العيب) مسيطرة على تفكير فئة معينة من فئات المجتمع، لم تُهيَّأ لها سبل إكمال التعليم وفرص العمل، ، والاحتكاك الحي والمباشر بمختلف الثقافات والحضارات، فإنه من العجب أن تظلّ مثل هذه الثقافة، وهذه الطريقة في التفكير، وفي النظر إلى الأمور ومعالجتها، سائدة بين الفئة المتعلمة والمثقفة في المجتمع تجاة العمل وانواعة ؛ فإذا كانت نخبة المجتمع لا تزال متمسكة بهذا المنطق في التفكير، فكيف يمكن أن نلوم فئات المجتمع الأخرى ذوات الحظّ الأقل منها، علمًا وثقافة. Aliyos6@yahoo.com