تصدر محكمة العدل العليا الكثير من الاحكام التي تلغي قرارات ادارية صادرة عن مجلس الوزراء أو عن وزير ما.
وبطبيعة الحال فان الحكومة تحترم القرارات القضائية وتنفذ مضمونها، وليس هذا موضوعنا، وانما الموضوع هو تكرار صدور القرارات غير القانونية من قبل مسؤولين لعدم المعرفة بأن القرار مشروع أو غير مشروع، وبالذات القرارات التي تخرج على مبادىء المساواة وتكافؤ الفرص وتتضمن تعسفا في استعمال الحق، وغالبا ما يكون سبب انحراف القرار عن تلك المبادىء ضعف الدوائر القانونية في الادارات العامة أو تخاذل المستشار القانوني وعدم رغبته بمصارحة صاحب القرار بحقيقة عدم مشروعية القرار الذي ينوي اتخاذه بل وأحيانا البحث عن أسانيد قانونية ضعيفة لتأييد القرار الاداري للمسؤول وتصوير المسؤول وكأنه نبع الحكمة والشفافية.
وهذا التكرار في اتخاذ قرارات ادارية مخالفة للقانون سببه بالاضافة الى عدم تفعيل ورفع كفاءة الدوائر القانونية في الوزارات والمؤسسات العامة غياب مؤسسة أو جهة تنسيق تتولى دراسة كل حكم صادر عن محكمة العدل العليا لتستخلص النتيجة وتقوم بتعميمها على الوزراء والمسؤولين كافة لتفادي الوقوع في نفس الخطأ، وليس سرا القول بأن تكرار صدور أحكام الغاء لقرارات ادارية متشابهة دليل على حياد محكمة العدل العليا واستقلالها عن أي تأثير من أي جهة كانت ولكنه أيضا دليل على تراجع المعرفة الادارية القانونية في الادارة الحكومية، فليس مطلوبا ولا من مهمة محكمة العدل العليا أن تنبه المسؤول الاداري الى تكرار أخطاء قراراته، ولا من مهمتها توزيع المبادىء التي قررتها في أحكامها على الوزراء والمدراء، ولا من مهمتها عقد دورات تثقيف قانوني لهم، وانما هي مهمة وزارة العدل ومهمة مؤسسات أخرى مثل ديوان الخدمة المدنية - إذا جاز التعبير -.
ولعل أحدث قرار صدر عن محكمة العدل العليا و يشكل في مضمونه درسا في أصول مراعاة الشفافية والحياد عند اتخاذ القرارات الحكومة هو القرار 301 الصادر بتاريخ 4/1/2010 والذي قررت فيه المحكمة إلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر في شهر حزيران 2009 بتعيين أحد الاشخاص مديرا لصندوق إدارة المخاطر الزراعية، وخلاصته أن المادة السابعة من قانون صندوق إدارة المخاطر الزراعية نصت على أن يعين مجلس الوزراء مدير الصندوق بتنسيب من وزير الزراعة، وهذه صلاحية غير مقيدة للوزير، الا أن معاليه في حينه ولمزيد من الشفافية وتكافؤ الفرص وبصفته رئيسا لمجلس إدارة الصندوق أتخذ قرارا من مجلس الادارة بتشكيل لجنة لوضع أسس اختيار مدير للصندوق واجراء امتحان ومقابلات للمتقدمين والتنسيب للوزير بالنتيجة.
وضعت اللجنة أسس الاختيار التنافسي فتقدم للمنافسة على المنصب 29 شخصا وتم حصر التنافس وفق الاسس بين 16 متنافسا أستنكف عن الامتحان والمقابلة منهم سبعة وتقدم له تسعة، ورفعت اللجنة النتيجة الى معالي الوزير حيث حصل الاول ويحمل شهادة الدكتوراه على 85 علامة من 100 ، الا أن وزير الزراعة نسب الى حكومة الرئيس نادر الذهبي بتعيين المهندس (...... ) الحاصل على 77 علامة وجاء في الترتيب الثالث فصدر قرار مجلس الوزراء بتعيينه استناداً لتنسيب الوزير، فتوجه الفائز الاول الى محكمة العدل العليا طالبا إلغاء قرار مجلس الوزراء.
محكمة العدل العليا قالت (.. وحيث أن الوزير هو رئيس مجلس إدارة الصندوق الذي قرر تشكيل لجنة لوضع الاسس المشار اليها فكان لابد أن يتقيد بما تتوصل اليه اللجنة وأن يصدر تنسيبه الى مجلس الوزراء مراعيا الترتيب الوارد اليه من اللجنة، وحيث لم يراع ذلك وخالف ما توصلت اليه اللجنة مما يشكل مخالفة للأسس المقررة ولنتائج الامتحان، وحيث أن مجلس الوزراء استند في قراره الى هذا التنسيب الباطل فان ما ينبني عليه بطلان القرار الامر الذي يتعين معه الغاؤه، وتأسيسا على ما تقدم نقرر الغاء القرار المشكو منه وتضمين المستدعى ضده (مجلس الوزراء) الرسوم والمصاريف وعشرة دنانير أتعاب محاماة).