كان من المتوقع ان يخرج علينا من يحاول فك شيفرة المتناقضة التي اطلقتها صحيفة نيويورك تايمز بما يتعلق بالتناقضات العملية في اسلوب تعامل الحكومة السورية مع فيما يسمى ( المقاومة الاسلامية ) وبين التعامل مع اسلام الشعب السوري .
في حين ان هذا الامر شكل مفارقة عجيبة للبعض كان الامر يبدو للبعض الاخر بديهيا كنوع من التقاء المصالح ..... ولكن جاء التفسير من واجهة احد اطراف التناقض ... كما يقال في المثل العام ( كاد المريب ان يقول خذوني ) .
فحين كان البعض لا يحاول ان يربط او الاستغراب لذلك جاء الرد من محلل سياسي محسوب على حماس كناطق اعلامي غير مباشر عن حماس ...هذا الكاتب اماط اللثام عن الاستراتيجة الاعلامية الخاصة بحماس حيث اختصر المقال بعنوانه حيث حاول ارسال الوصية والضريبة المستحقة على حماس بالنتيجة المطلوب تلقينها لنا كما تلقنها هو وهي ان (سوريا مع المقاومة الإسلامية وضد الأسلمة ) .
هذا الكاتب والذي يدعى الاستاذ ياسر الزعاترة قام بالبداية بوضع كلمة (أسلمة) لتخفيف وقع كلمة (اسلام ) ثم قام باستخدام عبارة (تصدي الحكومة للظاهرة الاسلامية ) ، والمقصود ضمنيا بالظاهرة هو ممارسة الشعب السوري المسلم لدينه ، وكذلك سمى رفض الحكومة السورية لممارسة الشعب السوري لإسلامه باجراءات متوالية ضد الظاهرة .
بالتالي هنا الكاتب يعتبر ان ممارسة الاسلام في سوريا يعتبر ظاهرة فقط وهذا ليس رأيه بالتأكيد لوحده بل الرأي الرسمي لمكاتب حماس في دمشق وطهران وغزة باسم إسلام أهل فلسطين والذي يختلف فيما يبدو حسب رأي حماس عن إسلام أهل سوريا .
اذا الكاتب لا يقوم فقط بغض النظر عن العلمانية التي يسير فيها النظام السوري شؤون البلد بل هو يعمل لتسويقها ايضا وتبريرها وفي موضوعنا هذا لا تعنينا نحن ، بل يعنينا القضية الاخلاقية التي تفرض نفسها على الموضوع لفصيل اسلامي ( مفترض حسب الاسم ) يحاول ان يظهر بالمخلص الرباني والمدعوم بالنص القراني لشعب فلسطين الذي ابتلاه الله بأعداء كثر .
ثم يوحي الكاتب بل يجزم بان المقاومة الاسلامية محصورة بين لبنان وفلسطين اي حزب الله وحماس ويعتبر ان دعم سوريا لهذه ( المقاومة ) هو دفاع عن أمن قومي ( وتعريف القومي هنا العروبي ) ويتعبر ان ذلك بديهية ( كتب الاستاذ الزعاترة ( لا يبدو الامر عصيا عن التفسير... دلالة الاجبار على الاقتناع ) ) ويجب علينا جميعا ان نؤمن بان حرص سوريا على الامن العربي بالنهاية هو بالمحافظة على ( المقاومة الاسلامية ) والتي هي حزب الله وحماس .
اذا النرجسية الغريبة التي يحاول ان يفرضها الكاتب والقاعدة التي لا تقبل النقاش هي ان راعية الامن العربي هي دولة عربية واحدة فقط ( وهي بالمناسبة لم تطلق رصاصة واحدة باتجاه العدو من اكثر من سبع وثلاثون عاما بينما على بعد كيلومترات من حدودها وتواجد قواتها قامت ( اسرائيل ) بأكثر من 4 حروب و192 اعتداء بري ) وان ( المقاومة الاسلامية ) هي فقط تتمثل في حزب الله وحماس وبهذه المتلازمة يجب ان نرى حالة المقاومة التي نعيشها ...!
ثم يقوم الكاتب باعتبار ان اية تصريحات حول علاقة النظام السوري بالولايات المتحدة هي مقولات تآمرية علينا ان نأخذها بالبديهة وهنا موضوعنا فقط ينحصر بأن الكاتب اسقط هذه الدفوع عن سوريا في المقال دون اي مبرر موضوعي حيث ان النص الاساسي للمقالة يهدف الى تفسير التناقض المطروح من قبل صحيفة نيويورك تايمز ، هذا يدفعنا بتفسير ان الكاتب يقوم بدور الحامي الاعلامي عن منظومة كاملة هي دمشق وحماس وحزب الله بشكل كتلة كاملة دون الرجوع المفترض كمحلل اسلامي محايد ، حيث ينتهز الفرصة لرسم منظومة ( المقاومة ) بالاطراف الثلاث .
ثم يتطرق الكاتب الى تحليل السياق الداخلي للدولة الحاضنة له في يتعلق بالتناقض على انه منطقي حيث يشير بان السياق الداخلي هو جزء من منطق الانظمة التقليدي في التعامل مع الظواهر السياسية والدينية اي بالتالي يعطي نوعا من التجانس الكامل للدولة مع المحيط ، وهنا نجد ان الكاتب هنا اسقط او اغفل متعمدا الدور المفترض لاي تيار اسلامي او نخبة اسلامية او مجتمع اسلامي بقيام مبدء الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكذلك قام الكاتب بمفاضلة نظام الدولة الحاضنة للحركة عن دول عربية قائمة وعاملة بالاسلام مثل السودان والمملكة العربية السعودية .
بل يتجرأ الكاتب بالقفز عن كل القيم المفترضة بفصيل اسلامي ( افتراضا حسب الاعلام الخاص به ) ليقوم بوضع المملكة العربية السعودية بنفس الميزان للدولة العلمانية الحاضنه له بل يطرح الاتهام بالنص الصريح بحق المملكة بانها تقوم بتحجيم الصحوة الدينية ...، والمعروف عن سياسة المملكة العربية السعودية بانها رائدة الصحوة الدينية ورأس الحربة بالمحافظة على الشريعة الاسلامية المتزنة والمتطابقة مع الكتاب والسنة ، ولا احد من المفكرين يستطيع ان ينكر الدور الكبير الذي تلعبه المملكة في ارساء الحضارة الاسلامية بالطريقة المثلى مع اسقاط كل المضافات الغريبة عن الدين ، ولكن يبدو ان التوجهات الخاصة بحركة حماس اخذت بفكر الابتزاز الاعلامي الرخيص حين عمدت على الترويج ضد المملكة .
ثم لا يكتفي الكاتب بما سبق لتبرير التناقض بل يطرح لوم واضح على طلب الشعب السوري لممارسة الدين بحيث يتهم الشعب السوري بتوسعة الظاهرة الاسلامية وبشكل لافت حيث يشرح ان اهمية معادة ( الظاهرة الاسلامية ) كما سماها هو الخطاب الطائفي الذي تستبطنه .. اي بالتالي تبدو فكرة معادة النظام لظاهرة اسلام الشعب من باب القضاء على الطائفية .
وبالتالي يختم الكاتب مقالته بالتبرير للسياسة الخارجية الحاضنة لحماس وان الوضع كما هو من ناحية مقاومة الدولة السورية لاسلمة الشعب هو الاسلم حيث المطلوب هو مواجهة الاستهداف الخارجي .. ليقوم هنا الكاتب بمحاولة ترسيخ فكرة الدولة الراعية للمقاومة بالاجبار والايحاء والالتفاف على المصطلحات لايصال فكرة عنوان المقال له .
بالمقابل نقف نحن امام حيرة من سياسة حماس العقائدية فأن كانت حماس فعلا تعمل بالعقيدة الاسلامية كشريعة وايدولوجية فأننا هنا نقع في خلاف ايدولوجي معها باعتبار ان مفاهيمها لشمول الاسلام يصطدم بالقناعات التي يتعايش معها مليار مسلم ينتهجون سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
اما اذا كانت حماس تشتري لنفسها مكانا في الارض مقابل الجنة بالاخرة فهنا نرى بأن على حماس من اعادة النظر بالميكافيلية التي تعتمدها لنذكرها بأن اية مصالح دنيوية او سلطوية لا تغنيها عن العمل بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو على الاقل بالقلب .
كما نستهجن من الكاتب وصف تحرك المملكة العربية السعودية بانه تحجيم للصحوة الاسلامية حيث لا يوجد اي مبرر مفترض من حماس او من كاتب اسلامي بالطعن في سياسة المملكة العربية السعودية وهي الراعية والحاضنة للصحوة والتوعية الاسلامية وكذلك الداعمة للشعب الفلسطيني منذ بداية محنته وما زالت ... الا اذا كان يقصد الكاتب بالصحوة الاسلامية ... صحوة حماس التي جعلتها ترضى بتكفير الصحابة رضوان الله عليهم وتبرر لاتهام امهات المؤمنين .
جرير خلف