أبو صفوح) هو شخصية درامية أردنية لعبها باقتدار الفنان الأردني المتميز جميل عواد إلى جانب كوكبة طيبة من الممثلين بمسلسل الكف و المخرز. ولقد كان (أبو صفوح) هذا إقطاعيا كبيرا يتحكم بقرية صغيرة الحجم ويعمل أهلها عند (أبو صفوح) بالسخرة, أي بدون مقابل. وكان يؤمن لهم مقابل هذا العمل الشاق ما تحتاجه عائلاتهم حسب مقياسه هو طبعا من مئونة.
لكن دوام الحال من المحال, فانتفض أهل القرية بزعامة أحدهم بعد أن فتح الله عليه فتحا ليكتشف أن أهل القرية مظلومين فأخذ على نفسه قيادة مظاهرات (لم تكن الإضرابات والاعتصامات معروفة تلك الأيام) أمام بيت (أبو صفوح) للمطالبة بالأجرة عن ما يعملون وشعارهم(ما نعمل بالسخرة ونريد إلنا أجرة). فغضب (أبو صفوح) وأخذ بندقيته ليقمع هذه المظاهرات. ولكن زوجته الأولى أشارت عليه بأن يخضع لمطالب الجماهير ويعطيهم الأجرة فبهت (أبو صفوح) من هذا ولكنها قالت له أيضا أعطيهم الأجرة وافتح لهم دكان ليبيعهم ما كان يعطيهم إياه ببلاش. فرح المتظاهرون وقد تحققت مطالبهم وأصبحوا يأخذون الأجرة, ولكن حدث متغير لم يأخذونه بالحسبان وهو انقطاع المئونة, فلم تصل ذالك اليوم. وعندما جاؤوا يسألون قال لهم أنتم اليوم عمال بأجرة ولم يعد مسئولا عنهم, لكن وحرصا منه على توفير المواد لهم فقد قرر أن يفتح لهم دكانه.
سارت الأمور بحذر في البداية ولكنهم اكتشفوا أنهم عادوا إلى نقطة ما قبل الصفر, لأن مرحلة الصفر كانت هي عندما كان (أبو صفوح) يزودهم بما يحتاجون. وانتقل مجتمع القرية إلى نمط آخر وهو استهلاكي يئن تحت وطأة الدين, لأن الأجرة بقيت ثابتة وأسعار (أبو صفوح) بارتفاع. كثرت الاجتماعات للخروج من هذا المأزق ولكن خلص المسلسل ولم تنحل مشكلة أهل القرية.
كعادة المسلسلات والأفلام العربية , فقد انتهى هذا العمل بانتصار الخير على الشر, فزُج ((أبو صفوح)) بالسجن ولكن بعد أن خلف ولدا مشوهاً , ولهذا كان يجب أن نتوقع استمرارية (أبو صفوح) من خلال هذا الولد المشوه, شبيه الإنسان. لا بل أننا كان يجب أن نتوقع الأسوأ من عصر (أبو صفوح).
تذكرت أو صفوح هذا وأنا أتابع ارتفاع الأسعار الحاد على كل السلع حتى الأساسية التي كانت طعام من لا طعام عنده كالبندورة. كانت الأمور أيام مرحلة الطفر نأكل قلاية البندورة باللحمة, ثم اقتربنا من مرحلة الصفر فصرنا نأكلها بدون لحمة بناء على توصيات لجان المستهلك, ثم وصلنا مرحلة الصفر وأخشى أن يطلبوا منا أن نأكل قلاية البندورة بدون بندورة..
تذكرت (أبو صفوح) وأنا أشاهد لهاث الشعوب لتأمين ما يسد رمقهم ليس في الأردن فحسب ولكن في معظم بقاع العالم. لأن (أبو صفوح) الدولي ينشط في كل المجتمعات ليفتح على كل مجتمع فتحاً يستنزف أمواله, فكلما كثرت الأموال زادت عبقريات (أبو صفوح) وتفننه لسلب هذا الدخل: فمن رفع للأسعار إلى نهب لأموال الناس عن طريق شركات وهمية كالبورصات. هناك إصرار من قبل مجموعة ((أبو صفوح)) الدولية أن تبقي هذه الشعوب لاهثة وراء لقمة عيشها.
فماذا يريد (أبو صفوح) من كل هذا؟ هل يريدنا أن نعود لنعمل عنده بالسخرة بدون مقابل؟ لا باس في ذلك إذا تعهد لنا بـتأمين عيشنا وعلاجنا وتدريس أولادنا, أصبحنا نحلم بذلك فقط, لا نريده أن يأخذنا برحلات ترفيهية إلى العقبة, ولا نطالب بأي مطلب شغل جخه. فهل هناك من يوصل الرسالة إلى (أبو صفوح)؟
قرأت مقالا للأستاذ أحمد حسن الزعبي يقول فيه أن كل خسارة مقابلها ربح وسأل سؤالا مهما (فمن هو الرابح من كل ما يجري) وها أننا أجيبه أن الرابح هو (أبو صفوح) ولا أحد غيره.
لهذا نرى أن نسل (أبو صفوح) لم ينقطع , فإذا كان جده الأكبر (أبو صفوح) قد اتخذ من قرية صغيرة مكانا له, فإن أحفاده قد اتخذوا من عواصم أوروبية مكانا لهم ليديروا العالم بواسطة شياطينهم أولاد (أبو صفوح) هنا وهناك, فأصبحوا كالشياطين يعيشون معنا كمجرى الدم, ويلعّبون العالم بأطراف أصابعهم كعرائس المولد, في حين يجلس كبيرهم الذي علمهم السحر بقصره ليستمتع بمشاهدة شقاء الشعوب وهي تموت جوعا أو تلهث لالتقاط ما يرمي به من فتات لها تحت مسمى المساعدات أو المعونات, أو يحاربون عدوا وهميا اخترعه هو لهم. وبعد كل هذا هل نستطيع القول أن الخير انتصر!! لقد تطور (أبو صفوح) وأصبح نسخا متعددة, فمنا (أبو صفوح) الاقتصادي,والسياسي, والاجتماعي.....الخ.
في الختام, نريد أن نفهم ماذا يريد منا هذا ال((أبو صفوح))؟ ألم يكفه ما حلّ بالعالم من خراب؟ باعتقادي أنه لا يهدأ له بال إلا عندما يرانا عدنا إلى عهد السخرة كالتي كانت أيام جده. وأخشى أن يكون بعضنا يعمل لحساب ((أبو صفوح)) دون أن يعلم وهذه مصيبة أو أن يكون يعلم وهنا تكون المصيبة أعظم.
alkhatatbeh@hotmail.com
alkhatatbah.maktoobblog.com