العلقات هي جمع علقة، والعلقة تعرف بأنها كائن طفيلي يتغذى وينمو على امتصاص الدماء بكافة أنواعه وزمره، لا تفرق بين إنسان أو حيوان، كبير أو صغير، وفي معجم اللغة نجدها كلمة مشتقة من علق وهو الالتصاق والتعلق بشيء ما.
أما وجه الشبه بين صفات هذه الكائنات وصفات جزء كبير من مسؤولينا وأبنائهم وأقربائهم السابقين والحاليين والقادمين إن بقي الحال على ما هو عليه يكمن في طريقة غذائهم واسترزاقهم، فكلاهم يعتمد على الغير ويأخذ ما ليس له فيه حق.
هؤلاء العلقات البشرية تشعر بأنها الأحق بكل شيء، ومن حقها الحصول على ما تريد في أي وقت وزمان تريد، وليس للبلد أو لأحد أي جميل في ما يكتسبوه ويحصلوه من منافع ومصالح من الدولة، فمنهم من ورث هذا الحق من أبائه وأجداده كونهم بنظره قدموا خدمات جليلة للوطن لم يقدمها أحد غيرهم ومن حقه الاستفادة من هذا الماضي العريق، ومنهم من اكتسبه بحكم قوة عائلته وتاريخها المجيد، وبعضهم بحكم سلطته الحالية أو سلطة أقربائه.
هذه الطفيليات الآدمية لا تشبع أو تكتفي فهي دائماً تريد المزيد، وهي دائمة الشعور بالظلم والاضطهاد ونقصان الحقوق وأنهم يستحقون أكثر وأكثر، وغالباً ما تنكر هذه الحشرات حقوق الآخرين أو تسمح للبقية مشاركتهم حصصهم حتى لو أخذوا الجمل ولم يبقى إلا أذنه، فباقي الشعب بالنسبة لهم هم أناس لا يستحقون أكثر من ما يحصلون علية من الفتات.
أمثلة كثيرة وصور كثيرة ومجالات واسعة استباحتها هذه العلقات واصبحت كالسرطان واسع الانتشار، فتجد الواحد منهم قد بدأ حياته الطفيلية منذ الصغر، فبعد أن يحصل على معدل متدني يفوز ببعثة جامعية خارجية وتنفق عليه الدولة من جيوب الشعب مبالغ طائلة دون وجه حق أو استحقاق و دون أن يعترف بفضل بلده عليه أو أنه سلب حق غيره، فهذه البعثة بالنسبة إليه حق شرعي استحقه بفضل عامل من العوامل التي ذكرتها، وبالتالي هو غير مطالب بأي تبريرات لهذه السرقة، وعندما تواجهه بما قدمت له البلد يبدأ بالبكاء والتذمر من أنه مظلوم مقارنة مع غيره من العلقات الأكبر حجماً، وهولا يقارن نفسه ببقية الشعب فهذه الكعكة له ولأمثاله من الحشرات، وما إن يتخرج هذا اللص بغض النظر عن الأساليب المتبعة في النجاح يتابع هوايته في الاكتساب والتطفل فيعين بوظيفة وراتب ومكان يبذل المواطن العادي نصف عمره الوظيفي إن لم يكن أكثر للوصول إليه، وكلنا نرى ونسمع عن تعيين مستشارين وخبراء ومدراء أعمارهم لا تتجاوز العقد الثالث.
هؤلاء كما أسلفت لا يشبعون وليس لجوعهم نهاية فما إن يعينون في وظائفهم حتى تبدأ مرحلة الاكتساب تأخذ مجدها وتستشري، فتنفتح شهيتهم على كل ما هو متاح وغير متاح، دورات داخلية وخارجية تفصل بالمقاس وحسب حاجات العلقة ورغباته وما يناسبه من زمان ومكان دون أدنى درجة اكتراث بحقوق وأدوار البقية، وكيف يكترث وهو يعتبر نفسه الأحق فهو خريج جامعات أوروبية وأمريكية بأموال أردنية، يتقن الطريقة الغربية في فن الإدارة والحياة العملية، ترفيعاته استثنائية بفترات قياسية، فيقفز ويحلق فوق رقاب ورؤوس من قبله الأكثر خبرة وجدارة فلا يكاد المرء يغمض جفن ويفتحه إلا وأصبح هذا المتسلق مديراً يأمر وينهي متفاخراً بذكائه ومجهوده الذي أهله لهذا المنصب، متمنن على البلد كونه لا يزال يعمل فيه مع أنه مطلوب للخارج وبعقود خيالية كونه يحمل شهادات ودورات وخبرات اكتسبها على ظهور الشعب، ولكن انتمائه يحتم عليه البقاء قليلاً ليحصد ما تبقى من الفرص والحقوق.
منهم من يبقى في مكانه محاولاً تحصيل أقصى ما يمكن تحصيله ومحاولة زرع نبتات فاسدة من أبنائه ومحسوبيه ليبقى مسلسل الطفيليات مستمر، فتصبح الوزارات والدوائر الحكومية أشبه بالمزارع الخاصة تورث جيل بعد جيل، فأنا عملت في السابق في مؤسسة حكومية كان المدير و ابنه وابنته وزوجة ابنه و ابن أخته وكثير من أقاربه يعملون معه وبذلك يقوي الرابطة الأسرية.
قسم من هذه الطفيليات يتجه للنيابة ليمتطي صهوة الشعب ،فبعد أن سرق حقوقه جاء الآن يحمل لواء الدفاع عنه، متسلحاً بما قدمه من خدمات وهبات، محاولاً إنهاء مسيرته القذرة و تاريخه المشين في مجلس وجد لخدمة الشعب ومراقبة الحكومة و تحول بوجود هؤلاء إلى ساحة جديدة لتحقيق وجني المكاسب، فاستغلوا ثقة الشعب في ابتزاز الحكومة ولوي ذراعها لا ليخدموا بلدهم بل ليزيدوا من غناهم من هذه البلد التي يعتبرونها بقرة حلوب تدر الحليب بلا انقطاع وليس غريب عليهم هذا فهم كما وصفتهم علقات بشرية تمارس نشاطها في أي مكان وزمان، غذائهم المال الفاسد المنهوب والامتيازات والمكاسب المسروقة من أصحابها، هذان مثلان أسوقهما على هذه الطفيليات المنتشرة بيننا وهناك الكثير من المجالات والجهات والتي يطول الحديث عنها.
وفي الختام أقدم اعتذاري للعلقات لأني استعرت اسمهم لوصف هؤلاء الفاسدون ، لأن العلقات مفيدة وتمتص الدم الفاسد فتعالج الإنسان ، أما هؤلاء فأنهم فاسدون يمتصون حقوق الاخرين.