زاد الاردن الاخباري -
شكلت مشاركة القوات المسلحة الاردنية الباسلة / الجيش العربي في حرب السادس من تشرين الاول عام 1973 اهمية كبيرة وفاعلة على المستويات الاستراتيجية والتعبوية والمعنوية في مساندة القوات المصرية والسورية في حربهما ضد القوات الاسرائيلية ما كان له الاثر في تحقيق النصر العربي المؤزر . وفي الحرب التي اعادت الروح المعنوية للعمل العسكري العربي المشترك تمكنت قوات الجيش العربي من منع العدو الاسرائيلي من الإلتفاف حول الجناح الأيسر للقوات السورية من خلال تأمين القوات الأردنية الحماية لمحور ( درعا - دمشق ) , والجناح الأيسر للقوات السورية , اضافة الى اشغال قواتنا الباسلة لجزء من القوات الاسرائيلية على طول امتداد الجبهة الأردنية وحرمانها من تعزيز القوات على الجبهتين السورية والمصرية .
واستطاعت قواتنا المسلحة تثبيت القوات الاسرائيلية في الجولان بمساعدة القوات العراقية ومنعها من تطوير عملياتها الهجومية وإجبارها على التحول إلى وضعية الدفاع .
وفي تلك الحرب التي شكلت منعطفا مهما في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي تمكن اللواء المدرع /40 من قواتنا الباسلة من التدخل في أحرج اللحظات في الحرب حيث منع قوات العدو من التقدم باتجاه دمشق مقدما اروع صور التضحيات والفداء في نموذج هو الامثل للتعاون العربي العسكري المشترك في الدفاع عن الاراضي العربية .
وكانت الحرب بدأت في تمام الساعة ( 1405 ) بتوقيت القاهرة يوم السادس من تشرين ألاول 1973 الموافق للعاشر من رمضان المبارك , حيث قام الجيشان المصري والسوري بالتعرض المفاجىء في آن واحد على الجبهتين ضد اسرائيل . وقام الاردن بوضع قواته تحت درجة الاستعداد القصوى اعتبارا من الساعة (1500 ) يوم 6 تشرين الأول 1973، كما صدرت الأوامر لجميع التشكيلات والوحدات بأخذ مواقعها حسب خطة الدفاع المقررة.
وكان على القوات الأردنية أن تمنع اختراق القوات الاسرائيلية للجبهة الأردنية، وبالتالي تمنع الالتفاف على القوات السورية من الخلف، كما كان عليها الاستعداد للتحرك إلى الأراضي السورية أو التعرض غرب النهر لاستعادة الأراضي العربية المحتلة في حال استعادة الجولان وسيناء من قبل القوات السورية والمصرية.
وأدت هذه الاجراءات إلى مشاغلة قوات العدو الإسرائيلي ، فالجبهة الأردنية من أخطر الجبهات وأقربها إلى العمق الاسرائيلي، هذا الأمر دفع إسرائيل إلى الإبقاء على جانب كبير من قواتها تحسبا لتطور الموقف على الواجهة الأردنية.
وتحرك اللواء المدرع /40 بأمر من المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه إلى الجبهة السورية، فاكتمل وصوله يوم 14 تشرين الأول 1973 وخاض أولى معاركه يوم 16 تشرين الأول ، حيث وضع تحت إمرة الفرقة المدرعة /3 العراقية، فعمل إلى جانب الألوية العراقية .
وفي يوم 16 تشرين الأول تحرك اللواء المدرع/40 من مواقعه في نوى وتل الحارة إلى تل المسحرة ليجتازه , وأجبر العدو الإسرائيلي على التراجع مسافة عشرة كيلو مترات تاركا خلفه تل مسحرة وجبا، وأمام هذا التوغل الأردني السريع وبطء وصول القوات العراقية إلى مواقعها كشفت أجنحة اللواء ، فتأثر بسبب ذلك وبسبب استخدام العدو لسلاح (التو) المضاد للدروع ولأول مرة في العمليات العسكرية اضطر اللواء إلى التراجع بعد أن دمر للعدو عشر دبابات، كما تعرض الهجوم العراقي إلى هجوم معاكس عنيف على جناحه الأيمن اضطره إلى التراجع إلى كفر شمس ثم إلى تل الذيبان .
وفي الساعة 1000 يوم 19 تشرين الأول قام اللواء المدرع /40 بالهجوم مرة أخرى على تل مسحرة وجبا في الوقت الذي كانت تهاجم فيه الفرقة المدرعة/3 العراقية تل عنتر، فتقدم اللواء المدرع/40 وتغلغل مرة أخرى بعمق 6 - 7 كيلو مترات بعد أن تجاوز تل مسحرة ووصل إلى الشمال الغربي منه، ونتيجة لضغط العدو وانكشاف أجنحة اللواء المدرع/40 مرة أخرى للهجمات الإسرائيلية المعاكسة اضطر إلى التراجع بعد أن خسر بعض جنوده ومعداته.
وارسل الأردن قوات تعزيز إضافية بهدف إعادة كسب زمام المبادرة والاستعداد للهجوم المعاكس الشامل الذي كان مقررا في 23 تشرين الأول 1973 . وفي يوم 20 تشرين الأول ارسل الاردن قيادة الفرقة المدرعة/3 الملكية مع مدفعيتها إلى الجبهة السورية وتكامل وصولها يوم 22 تشرين الأول ، إلا أن تطورا شاملا حدث بسبب قبول سوريا وقف إطلاق النار ما أدى إلى إلغاء العملية، فبقيت القوات الأردنية هناك إلى أن تم سحبها في بداية كانون الأول 1973. ومنذ اندلاع المعارك بدأ الأردن مراقبتها والاستعداد لها ومواصلة الاتصالات مع القيادات العربية , وقرر القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه دخول القوات الأردنية إلى الجبهة السورية لتشارك في الحرب . لقد أمضى المغفور له جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه طوال يوم السبت الموافق للثالث عشر من تشرين الاول متفقدا جميع المرتبات الأردنية وفي الوقت ذاته زار جلالته جميع التشكيلات المرابطة على خط وقف إطلاق النار ، ووقف جلالته رحمه الله وخاطب رجاله وهم في الطريق إلى سوريا قائلا " أعددتكم جندا كما أراد الحسين بن علي اليوم تعلون فيه فوق الهضاب الوعرة كونوا كما عهدتكم وكما أرادكم الشعب الأردنـي " .
وكان الموقف الأردني منذ البداية مع أي عمل عربي موحد وهو موقف تجسد في موافقته على تعيين قائد للقوات العربية هو الفريق أحمد اسماعيل , وفيما قاله المغفور له جلالة الملك الحسين للأمين العام لجامعة الدول العربية انذاك محمود رياض وقبل الحرب بأيام قليلة عندما عرض عليه طلب الرئيسين المصري والسوري بأن يمنع الأردن الالتفاف على سوريا عبر الأردن فرد عليه جلالته قائلا " إن ما تطلب مني ليس إلا واجبي .. " وهكذا كان موقف الأردن مبدئيا من حيث المشاركة في الحرب وإن لم يكن قد اطلع على الخطة أو اشترك فيها، الامر الذي أثبتته الأحداث بعد اندلاع الحرب بأسبوع حيث تجاوز الدور الأردني حماية الجناح السوري عبر الحدود إلى مشاركة فعّالة في المعارك على الجبهة السورية . وحول سير عمليات القوات الأردنية على الواجهة السورية فقد وضعت القوات المسلحة الأردنية/ الجيش العربي في حالة الاستعداد القصوى نتيجة لنشوب القتال بين القوات المصرية والسورية من جهة والقوات الإسرائيلية من جهة أخرى وصدرت الأوامر للقوات المسلحة الأردنية بالاستعداد لأي طارىء أو واجب يسند إلى التشكيلات مع أخذ المراكز حسب الخطة. وكان الجيش السوري احرز في الأيام الأولى من القتال انتصارات جيدة، إلاّ أن العدو بدأ يضغط بشكل ملموس على القوات السورية كونها الأكثر خطرا عليه والأقرب إلى مواصلاته وقواعده بقوات كبيرة ما اضطر الجيش السوري إلى التراجع وطلب الإمدادات من الدول العربية ومن ضمنها الأردن فوافق على إرسال قواته إلى الجبهة السورية رغم الواجب الكبير الذي كانت تشغله على الحدود مع اسرائيل ، وقرر إرسال اللواء المدرع/40، وكان قائد اللواء آنذاك يقوم بالكشف لاختراق الجبهة الإسرائيلية عندما تكتمل نجاحات القوات السورية والمصرية . وفي يوم 13 تشرين الأول حضر المغفور له جلالة الملك الحسين لقيادة اللواء على الحدود السورية مبديا إرشاداته وتوجيهاته ومودعا للقوات حيث أشرف بنفسه على عملية دخول اللواء إلى الأراضي السورية ، وتابع اللواء تقدمه إلى منطقة الشيخ مسكين وتكاملت القوة يوم 14 تشرين الأول مع وصول أوامر القيادة السورية والتي تنص على تكليف اللواء بمهام عدة ابرزها صد هجمات العدو بالتعاون مع القوات السورية والعراقية (وقف الخرق) والاشتراك في الهجوم المعاكس العام مع القوات السورية .
ومنذ بداية ليل 13/14 تشرين الاول كان الجانبان المصري والسوري يقومان بإعادة التزويد والتعويض للوحدات والتهيؤ لعمليات الهجوم حيث بدأ قتال شديد مع الضوء الأول عندما حاولت قوات العدو توسيع الخرق باتجاه دمشق والصنمين واستطاعت على هذا المحور إحراز قليل من التقدم، أما باتجاه دمشق فكان التقدم بطيئا جدا .
وتميز يوم 15 تشرين الاول بهدوء نسبي واقتصرت نشاطات الجانبين على الإخلاء والإنقاذ وإعادة التزويد حتى ظهر ذلك اليوم حيث نشط القتال في ساعات ما بعد الظهر وكان معظمه رمايات مدفعية ونشاطا جويا .
وفي معارك يوم 16 تشرين الأول بدأ الهجوم العربي من الجنوب والشرق باتجاه القنيطرة دمشق وباستقامة بلدة خان أرنبة، وكان توزيع القوات العربية على الشكل الآتي : من الغرب إلى الشرق - لواء/52 سوري محاذٍ لخط وقف إطلاق النار - اللواء المدرع/40
الأردني إنطلق من جنوب تل الحارة باتجاه الشمال الغربي - لواء دروع عراقي باتجاه الشمال وقوات سورية من الشرق باتجاه الغرب .
واستطاع اللواء المدرع/40 التقدم مسافة عشرة كيلو مترات تقريبا أي حتى شمالي تل مسحرة الذي اعتبره العدو هدفا مهما في الأيام الماضية ودافع عنه بضراوة. وكانت عمليات اللواء تسير بهدوء واتزان وتحت سيطرة قوية من قبل قائد اللواء الذي ركز على ضرورة تمشيط المنطقة بالرشاشات خوفا من صواريخ الـ م/د التي ظهر أنها فعالة تماماً .
ولم تستطع القوات السورية على الجناح الأيسر التقدم بذات السرعة، كما أن القوات العراقية على الجناح الأيمن فقدت الاتجاه وهاجمت هدفا آخر ما أدى إلى كشف جناحي اللواء المدرع/40 الأردني .
ونتيجة لذلك أمرت الوحدات بالتراجع إلى نقاط الإنطلاق في الصباح حيث تعرضت الوحدات إلى مناطق ملغومة ومقاومة من صواريخ م /د المعادية .
واستطاع العدو تمييز القوة الأردنية حيث لوحظ أن عددا من أطقم الصواريخ م /د ولت هاربة أمام إحدى وحدات اللواء المدرع/40 الأردني .
وفي يوم 17 تشرين الأول انفتح اللواء المدرع/40 للسيطرة على منطقة تل مسحرة وتثبت مع الضوء الأخير للأمام من تل الحارة بعد إعادة التنظيم والتزويد حيث اقتصرت العمليات على رمايات متبادلة بالمدفعية واشتباكات جوية .
وفي يوم 18 تشرين الأول تحركت دوريات من الجانب السوري وقوات منقولة جوا لمهاجمة المدافع المعادية واستغلت ساعات النهار بتحسين المواقع من قبل الطرفين .
في حين بدأ العدو يوم 19 تشرين الأول بالتوسع على النقاط البارزة في منطقة الخرق واتخذ موقف الدفاع كما بدأت القوات الأردنية بالهجوم من منطقة تل الحارة باتجاه تل مسحرة وقرية جبا شمالا وكان تقدمها موفقا , وانحرفت القوات اليسرى إلى جهة اليسار إلى بلدة أم باطنة لمساعدة قوات سورية .
وتغلغلت القوات الأردنية مسافة 6 الى 7 كيلو مترات وتجاوزت تل مسحرة إلى الشمال الغربي وكبدت العدو خسائر لا بأس بها ، وفي حوالي الساعة 1600 كانت قد توغلت إلى تل المساحة ما جعل جناحا الهجوم عرضة لهجمات العدو المعاكسة بسبب عدم تقدم القوات العراقية التي كانت على يمينها .
وتحت ضغط العدو وتهديده الجانبي أجبرت قواتنا على التراجع للخلف مع الضوء الأخير لهذا اليوم وقد منيت ببعض الخسائر .
وتميز يوم 20 تشرين الأول بهدوء نسبي بعد عملية الهجوم العربي يوم 19 تشرين الأول واقتصرت النشاطات على تبادل إطلاق النيران بالمدفعية والدبابات من مواقع ثابتة ورصدت حوالي 30 دبابة اسرائيلية وعدد من المجنزرات تعمل بشكل نشط شمال وجنوب تل عنتر .
وفي يوم 21 تشرين الأول انفتحت القوات العربية مع الضوء الأول على نقاط مسيطرة أمامها وحشد العدو قواته تمهيدا لاحتلال مرصد جبل الشيخ ما دفع الى استمرار القتال في يوم 22 تشرين الأول بنيران المدفعية وجوبهت عمليات العدو بدفاع مستميت ما أوقع به خسائر كبيرة .
واستمر القتال عنيفا حتى ساعات ما بعد الظهر حيث تم احتلال الأهداف من قبل العدو وعلى جبل الشيخ .
وفي ساعات المساء هدأ القتال بعد قرار مجلس الأمن المنبثق عن الاتفاق الروسي الاميركي بضرورة إعلان وقف إطلاق النار خلال 12 ساعة وأعلن الأردن عن قبوله بمشروع قرار وقف إطلاق النار إلاّ أن القوات الأردنية في سوريا تبقى بإمرة القيادة السورية .
وفي يوم 23 تشرين الأول اقتصرت النشاطات في بداية النهار على المراقبة وتمرير المعلومات .
وتمثلت خسائر القوات الأردنية على الجبهة السورية ب 24 شهيدا و49 جريحا وتدمير 25 دبابة وآلية مختلفة وتعطيل 29 دبابة .
بترا