جوهر الخطاب الذي القاه الملك يوم الاحد, امام حشد كبير من الاردنيين من مختلف المحافظات, هو تحديده لعناوين هذه المرحلة; وهي "الشفافية والنزاهة والمساءلة والشراكة الحقيقية بين الجميع من اجل المصلحة الوطنية".
هذا الكلام, وفي هذا العام, من قائد الوطن, مهم جدا. ليس فقط لان الحكومة جديدة. ولكن لان هذه الحكومة ستعمل لمدة عام في غياب وجود مجلس النواب. فاذا كانت الشفافية والنزاهة هما ما قطعتهما الحكومة على نفسها استجابة لتوجيهات كتاب التكليف فان مسألة المحاسبة والمساءلة تحتاج الى مرجعيات, وهو ما اراد جلالته توضيحه يوم الاحد في لقاءالبحر الميت.
هناك اليات للمساءلة جاءت في كتاب التكليف للحكومة الجديدة مثل ضرورة وضع خطط للعمل, ثم مراجعتها باستمرار بما يوفر للحكومة ان تحاسب نفسها بنفسها ثم ان تحاسب امام الملك.
وهناك تعهدات واضحة قطعتها هذه الحكومة على نفسها تعبيرا عن التزامها بالشفافية والنزاهة, وكانت قد بدأت فعلا بـ "المساءلة والمحاسبة" من خلال فتح عدد من ملفات الفساد في دوائر حكومية ووزارات. غير انه من المبكر الحكم على النتائج وتأثيراتها على الوضع الداخلي, فلقد صاحب بعض التعيينات والتغييرات الاخيرة قدر ضئيل جدا من الشفافية وهو امر لمسه الصحافيون قبل غيرهم.
هنا يأتي دور وسائل الاعلام وفي مقدمتها الصحافة في القيام بواجبها في هذه المرحلة, ووضع عناوينها, أجندة عمل لها, كما حددها الملك, خاصة في غياب مجلس النواب, فلم يعد باقيا على المسرح خارج السلطة التنفيذية من سلطة تراقب وتحاسب وتُسائل غير السلطة الرابعة (الاعلام والصحافة) التي يفترض ان تكون عين الملك والدولة في هذه المرحلة.
يدعو الملك الى "شراكة حقيقية بين الجميع من اجل المصلحة الوطنية". والآلية الوحيدة المتوفرة لاستنهاض هذه الشراكة هي الاعلام والصحافة وقوى المجتمع المدني, التي يفترض ان تنشط جميعا لتعبر عن رأيها في قضايا اساسية في عام استثنائي اختير ان يكون عام الاصلاح السياسي.
شراكة حقيقية من اجل المصلحة الوطنية, وليس بهدف زرع المزيد من حقول النفاق والاسفاف في مدح انجازات قبل ان تحصل, ان المصلحة الوطنية كما يقول جلالته معناها "المساءلة والمحاسبة ومعناها سيادة القانون على الجميع, وتحقيق العدالة للجميع".
ولا يكون للاعلام دور في المساءلة والمحاسبة ان سمح للحملات الاعلامية "المكارثية" ان تستفحل في الصحافة بحجة الدفاع عن المصالح الوطنية. تُخدم هذه المصالح في خبر جريء يكشف الحقيقة, ويوفر المعلومة الصحيحة لصاحب القرار والمواطنين. وابعد ما يكون عن المصلحة الوطنية صاحب مقالة مترعة بالاكاذيب والنفاق يريد صاحبها من خلفها مكسبا شخصيا, بل ان من يحرص على المصلحة الوطنية هو من يشعر الناس انه يؤيد القرارات الحكومية بقناعة وموضوعية, او من يكتب رأيا آخر ونقدا صريحا صادقا مجردا من اجل التنبيه الى خطأ في القرارات او من اجل الدفع باتجاه قرارات تخدم المصلحة الوطنية.
حتى ينجح الاردن حكومة وشعبا في مواجهة تحديات المرحلة كما اشار الملك, وفي ظل عناوين الشفافية والنزاهة والمساءلة والشراكة للجميع. لا بد للاعلام ان يكون في مقدمة العاملين لحشد الجهد الوطني على اسس سليمة. وهذا لا يكون من دون التمترس الاعلامي والصحافي حول ما تحقق من انجازات للحرية الصحافية والاعلامية والتمسك بها, والتصدي (لرغبات وهفوات) تصدر هنا وهناك من قوى مهمتها حرمان البلد من كل نسمة هواء, بما يشير الى انه لا يزال يوجد في اردن القرن الحادي والعشرين قرارات تمنع كتابا من التداول, او تضطهد كاتباً, او تلاحق اصحاب الرأي بصكوك الانتماء والولاء, وكأننا امام تشكل مناخات انقرضت من "الثقافة العرفية" البائسة ولا يتصور احد انه في عهد الملك عبدالله الثاني سيكون لها اي فرصة في الانبعاث من جديد.