زاد الاردن الاخباري -
عبد الله الشوبكي - ينطلق الأحد رسميا الترشح لانتخابات المجلس النيابي السادس عشر، المزمع عقدها في التاسع من تشرين ثاني المقبل، وسط أجواء مشوبة بالحذر؛ إثر دعوة قوى سياسية وحزبية وشعبية بمقاطعة الانتخابات(ترشحا وانتخابا)، ومطالبتها بتأجيل إجراء الانتخابات، حيث انضوى تحت دعوة التأجيل قوى نقابية.
العرس الوطني الذي يجري الشهر المقبل، يأت بعد تجربة برلمانية كانت الأكثر جدلا في مسيرة الحياة الديمقراطية في البلاد؛ من حيث الخارطة الانتخابية، والتزوير، وشراء الأصوات المعروف "بالمال السياسي"، مما أفرز مجلسا نيابيا لا زال يعرف بـ"مجلس التجار والمقاولين"، كما تم تحجيم وجود قوى سياسية معارضة في البرلمان. الأمر الذي أوجد حالة من الإحباط لدى الشارع الأردني والقواعد الانتخابية من جدوى المشاركة السياسية؛ ودعم المسيرة الديمقراطية. وكانت النهاية معروفة للجميع إذ أقدم صاحب القرار على حل ذلك المجلس "الذي لا يعبر عن طموحات أوساط قيادية".
محللون وكتاب صحفيون يرون أن اللامبالاة بالانتخابات، والعزوف الشعبي عن الاهتمام بسير العملية الانتخابية، وخيبة الأمل من الانتخابات السابقة، وشعور الناخبين بعدم جدوى البرلمان والعملية الانتخابية برمتها، أجواء مسيطرة على الشارع الأردني.
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي د. محمد أبو رمان يرى أن هاجس التحديات التي تواجه الانتخابات القادمة هو المسيطر على الأداء الحكومي حتى اللحظة. ويشير إلى أن السؤال المحوري الدائر في الأروقة الحكومية في الوقت الراهن، هو: كيف يمكن زيادة نسبة الاقتراع الشعبي، وتجنيب العملية الانتخابية الإخفاق في جذب الناخبين؟.
تحدي جذب الناخبين يتركز –وفق أبو رمان- في المدن الأردنية الكبرى(العاصمة، إربد، الزرقاء)، ويضيف العزوف الشعبي الحاصل في الوقت الراهن مرده إلى "التراكمات السابقة، وخيبة الأمل الشعبية من جدوى المشاركة البرلمانية". وأصبح البرلمان في نظر المواطنين "مؤسسة نفعية لأشخاص محددين، ليس له أثر إيجابي على حياتهم"، بحسب أبو رمان. وأضاف الحرج الحقيقي للحكومة في جذب الناخبين يزداد مع اقتراب موعد الاقتراع، مؤكدا أن مقاطعة "الإخوان" ستؤثر بشكل كبير على مشاركة المواطنين بالانتخابات؛ ويرى بان وعود الحكومة بالنزاهة والمصداقية في إجراء الانتخابات، وعدم تدخلها لصالح رفع نسب المشاركة في أي شكل من الأشكال "سيكشف حجم المشاركة الشعبية المتدنية في الانتخابات القادمة".
في ظل القراءة السياسية للمشهد الانتخابي، يطرح أبو رمان تساؤلا حول شرعية المجلس النيابي المقبل؛ بسبب مقاطعة قوى سياسية في البلاد ذات قاعدة شعبية عريضة، لافتا إلى أن" شرعية المجلس النيابي القادم مرتبط بنسبة المشاركة الشعبية".
"غياب الشعور الشعبي بالموسم الانتخابي، واسترخاء المواطنين حيث نقترب من يوم الانتخاب، الانطباع السائد في البلاد"؛ وفق المحلل السياسي ومدير مركز القدس للدراسات الإستراتيجية عريب الرنتاوي.
الرنتاوي يرى أن ذلك مرده إلى "اهتزاز ثقة الناخبين بالبرلمان". ويتوقع سؤالا لدى المواطنين مفاده، ما الذي يمكن أن يحدثه مجلس النواب السادس عشر؟. ويجيب بأن التدافع العشائري الحاصل للوصول إلى البرلمان، وغياب معارضة حقيقية عن المجلس القادم، وإخلاء الساحة لمرشحين دون برامج كفيل بالإجابة على هذا السؤال.
المشاركة الشعبية في الدورات السابقة
تطمح الحكومة إلى أن تزيد نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات المقبلة عن 75 بالمائة من مجموع من يحق لهم الانتخاب، وهي نسبة لم تصل إليها أي انتخابات سابقة، حيث بلغت نسبة الاقتراع في انتخابات عام 2007 إلى 59.3 بالمائة، وفي انتخابات عام 2003 بلغت 58 بالمائة، وفي انتخابات عام 1997 بلغت نسبة التصويت نحو 53 بالمائة، (وهي انتخابات قاطعتها الحركة الإسلامية)، وفي انتخابات عام 1993 بلغت نحو 61.6 بالمائة، (انتخابات شاركت بها الحركة الإسلامية).
الرنتاوي يرى أن نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات السابقة كان أقل مما أعلن عنه، ولم تشهد إقبالا من الناخبين. وهو ما ذهب إليه مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية د. محمد المصري، وقال:" انتخابات عام 2007 افتقدت تماما للحرية والنزاهة والمصداقية، لذا فإن نسبة المشاركة الشعبية المعلن عنها غير صحيحة". ووافقه أبو رمان بأن"نسبة المشاركة عام 2007 قبل إغلاق صناديق الاقتراع كانت ضعيفة".
اعتراضات ضخمة ومدلولات انتخابية
تداعى مواطنون إلى دوائر الأحوال المدنية المنتشرة في المحافظات إلى ممارسة حقهم في الاعتراض على جداول الناخبين، حيث وصل عدد الطعون نحو 165 ألف طعن اتخذت الصفة القطعية، وتم إرجاعها إلى مناطقها الأصلية.
عدد الطعون الكبير يثير تساءلات عدة، أهمها: لماذا هذا العدد الضخم من الطعونات؟ ومن كان وراء نقل الأصوات عام 2007؟ ولماذا تم التساهل مع ناقلي الأصوات؟ وهل تم محاسبة من اعتدى على الديمقراطية والنزاهة آنذاك؟.
وبالطبع فإن عمان –الكعكة المفضلة- احتلت العدد الأكبر من الاعتراضات، واحتلت الدائرة الثالثة بالعاصمة المرتبة الأولى بحجم الاعتراضات، تلتها الدائرتان السادسة والسابعة، وفق تصريحات صحفية سابقة.
استطلاع
بدا تشاؤم المواطنين جليا في استطلاع للرأي تجريه "السبيل"، وتساءل الاستطلاع، هل تتوقع مشاركة واسعة في الانتخابات البرلمانية القادمة؟ فأجاب 76.2 بالمائة(لا)، و8.9 بالمائة(نعم)، أما الشريحة المتبقية في الاستطلاع فأجابت بأنها (غير مهتمة).
"نتائج استطلاعات الرأي لا تعكس بالضرورة توجهات الناخبين، لكن الأجواء العامة في البلاد تعطي انطباعا بان الناخبين عازفين عن المشاركة بالانتخابات" يقول الرنتاوي. ويعزو المصري نتائج الاستطلاع إلى أن المواطن لم يرى خلال الدورات البرلمانية الماضية أن إرادته مؤثرة في القرار، أو أن له دور في مجال صناعة السياسات العامة؛ من جهة أخرى مجلس النواب لم يقم بالأدوار الدستورية المنوطة به، ولو قام بذلك فإن أداءه لم يصل إلى المواطنين.
يشار إلى أن النسب المئوية التي أظهرها الاستطلاع ليست نهائية، إذ سيبقى الاستطلاع جار إلى عشية يوم الاقتراع.
مجلس هزيل
الحكومة لن تستطيع أن تصنع مجلسا قويا وممثلا لأطياف الشعب الأردني بمثل القانون الانتخابي الحالي، ويعتبر القانون العقبة الكأداء في وجه أي إصلاح سياسي. هذا ما يرجحه أبو رمان ويقول:" البرلمان القادم لن يكون قويا بالشكل المأمول، لأنه جاء وفق قانون غير قادر على صنع مجلس نواب فاعل". وبدا تشاؤمه جليا حين قال:"نحن أمام استمرار للمجلس النيابي القادم، ولن يكون هناك تغيير نوعي". واستطرد قائلا:" الاختلاف الجوهري بين الدورة السابقة والقادمة وهو أن التزوير لن يكون فاضحا كما كان سابقا". أما المصري فيرى أن المشاركة الشعبية القادمة حدد شكلها القانون الانتخابي، إذ ساهم في إيصال نواب يمثلون قوى تقليدية في البلاد مثل العشائر، والروابط العائلية، وفق قوله. وأضاف النواب أصبحوا"زعامات محلية تمثل تكتلات عشائرية وعائلية محدودة، مما لعب دورا في تهميش دور المجلس التشريعي والرقابي". لافتا إلى أن "التركبية المجزوءة للمجلس ستدفع النواب إلى الاهتمام بالمصالح الشخصية، إضافة إلى المصالح الضيقة كتوظيف مواطنين في دوائر الدولة".
خيارات الحكومة
في ظل التدافع الدائر بين الداعين لمقاطعة الانتخابات، والمنادين بالمشاركة بها تبقى خيارات الحكومة محدودة، خصوصا وأن الثقل الشعبي للمقاطعين كبير.
ويتوقع أبو رمان يتوقع إجراءات حكومية لتفعيل المشاركة الشعبية منها، التركيز الكبير للحملة الإعلامية، ومنح المرشحين مساحات واسعة عبر الفضائيات الحكومية في البلاد، ووسائل الإعلام الأخرى؛ كما ستعمد الحكومة إلى "تشجيع" مرشحين من أصول فلسطينية خصوصا في المدن الأردنية الكبرى، بحسب رأيه.
وجود الصوت الإسلامي في البرلمان أمر تحرص عليه الحكومة، لذا فإنها تفكر مليا في انتاجه. أبو رمان يوافق على هذا الطرح ويتوقع خيارات عدة لصنع الصوت الإسلامي في البرلمان؛ عبر "تشجيع" إسلاميين مستقلين، أو إسلاميين خالفوا قرار جماعة الإخوان المسلمين مقاطعة الانتخابات، وترشحوا للمجلس بصفتهم الشخصية، إضافة إلى وجود حزب الوسط الإسلامي في البرلمان.
حجم "الإسلاميين" الانتخابي
وكانت تقارير صحفية تحدثت في وقت سابق عن مشاركة جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات، وأشارت التقارير إلى أنه في عام 1997 شاركت الحركة الإسلامية بـ30 مرشحا، تركزوا في 26 دائرة انتخابية، نجح منهم 17 مرشحا، فازوا في 15 دائرة انتخابية. حصل الإسلاميون في جميع الدوائر الـ15 على نحو 166 ألف صوت، وبنسبة 16 بالمائة من مجموع الأصوات التي حصل عليه جميع المرشحين في تلك الدوائر.
أما الفائزون من حزب جبهة العمل الإسلامي فقد حصلوا (139229 )صوتا، من (719917 )صوتا حصل عليها مجموع المرشحين في الدوائر التي فاز الإسلاميون فيها، وبنسبة بلغت 19.3%.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن عدد المقترعين الذين شاركوا في انتخابات 2003 على مستوى المملكة بلغ" 1368894 ناخبا"، كانت حصة المشاركين منهم في الدوائر الانتخابية الـ 26 التي شارك فيها الإسلاميون(1034626) أي ما نسبته"75.5 %" من مجموع المقترعين في المملكة، مما يدل على أن مرشحي الحركة الإسلامية نافسوا في دوائر انتخابية يبلغ عدد المقترعين فيها ما نسبته ثلاثة أرباع عدد المقترعين الإجمالي على مستوى المملكة.
أما في المجلس النيابي الخامس عشر فتشير الأرقام إلى أن مجموع ما حصل عليه مرشحو الحركة الإسلامية"22" مرشحا بلغ"93339" صوتا.
وبلغ عدد الأصوات التي حصل عليها الفائزون الستة "26138 صوتا"، بينما حصل المرشحون الخاسرون على ما مجموعه "67201"صوتا، بينما حصل جميع أعضاء مجلس النواب الخامس عشر بما فيهم نواب الكوتا النسائية على مجموعه "559584" صوتا بما فيها الأصوات التي حصل نواب الحركة الإسلامية الست، حيث تم إسقاط 16 مرشحا للحركة الإسلامية، والسماح لـ6 فقط بالفوز.
أليس من الأولى أن يجري على الساحة السياسية حوار وطني، تشارك في جميع القوى الوطنية، وتتخلى الحكومة عن سياسة "البراشوت"؟ ألا يستحق المواطنون قانوانا انتخابيا يعبر عن إرادتهم، يسمح لجميع الشرائح الوطنية المشاركة الفاعلة والتعبير عن حقيقة قاعدتها الشعبية؟ لماذا تلجأ جهات حكومية إلى لغة التطمينات والوعود اللفظية، في منح المواطنين حقهم الدستوري بإجراء انتخابات نزيهة؟ وتبقى هناك أسئلة أخرى مفتوحة موجهة للحكومة؛ وللقوى السياسية في البلاد.
السبيل