الكاتب : فيصل تايه
إننا ونحن نطرح هذا الموضوع المهم والذي يلامس حياه كل فرد منا.. ما أردنا من خلاله إلا طرح واقع يفرض نفسه .. ليحاكي ضمائرنا جميعاً .. فكيف لنا التحلي بالمواطنة الحقة ؟ بعد قناعتنا بأن ثقافتها تعني لنا الكثير .. وأكثر ما تعنيه التقيد بقيم أصيلة... هذه القيم هي التي تعطي أبعاداً أخرى للعيش .. فتميزنا عن غيرنا من موجودات هذا الكون الواسع الرحب .. المليء بالتفاعلات والتوافقات..والتناقضات..
فإذا كانت مواطنتنا .. ذات بُعد جوهري في حياة كل فرد منا .. فحتميتها تتوسد بالعلاقات الاجتماعية الموشحة بطابع تتجسد من خلاله لغة واعية أساسها الترابط والتعاضد لنصل بذلك لديمومة مصيرية حتميه .. تتعمق في نفس كل فرد منا .. نتخلص من خلالها من أعقد الإشكالات التي قد تعترض طريق مواطنتنا الحقة ..فالإحساس بالأمن والأمان الاجتماعي مطلب لدى جميع أفراد التكوين الاجتماعي الواحد الذي يسعى إلى العيش الرغيد .. وهو إحساس مُلح بالحرية لإثبات الذات .. وإدراك تطلعاته للبقاء والاستمرار .. ضمن النظرة المستقبلية المتأملة.. فأمن المواطن مسعى حتمي على الدولة توفيره في كل الظروف والأحوال.. وهذا الأمان إن وَجَد التربة الخصبة التي تتجذر فيه .. والظروف التي تتعهده بالرعاية نمى وسمق وأينعت ثماره في النفوس والعقول.. لتسود الطمأنينة.. وتتحرك دوافع العمل والإنتاج.. وتنطلق الطاقات لبناء الوطن ضمن منظومة تفاعلية تشاركية يتحمل مسؤوليتها جميع الشركاء في الانتماء الحقيقي .. وبذلك تصبح حرية الفرد الذي هو جزء من هذا المجتمع مصونة يكفلها الدستور وتتعهدها القوانين ويحافظ عليها كل منتمٍ خلوص .. وتصبح \"الحرية الشخصية\" جزءاً لا يتجزأ من \"حرية المجتمع\".. في التعبير عن الرأي والمكنون وتنمية القدرات التي تسعى إلى الرفعة والتطور .. وبذلك تنزرع ثقافة الحياة في مجتمع متناغم بأفكاره الراقية القادرة على تقبل بعضه بعضاً بكل جرأة وموضوعية ..فتتشكل العلاقات الاجتماعية على أساس من الوعي والإدراك والإخاء .. فما دمت مؤمن بقيم الحياة المعاصرة فعليك الالتزام بثقافتها ولا تدعوا إلا للخير والصلاح ونبذ التلاسن والتخاصم و استبدالها بالتعاضد والتكافل من أجل ثقافة مجتمعية قائمة على صون كرامة الفرد والمساواة بألوانها المختلفة .. لكافة فئات المجتمع الواحد .. وبين جميع الأفراد و الجماعات .
من خلال ذلك يمكن القول إن الضمانات اللازمة لاستمرار نعمة الأمن والاستقرار .. هو التحلي بمقومات المواطنة الصالحة ويقصد بذلك تلك الصفات والسجايا اللازم توافرها في أفراد مجتمع يعرفون واجباتهم نحو أنفسهم وذويهم ومجتمعهم وأمتهم ..وبذلك وجب علينا العمل بوعي وتعقل لنبذ السلوك العصبي بمختلف أشكاله وأنواعه لأن العصبية تؤدي إلى الحقد.. والحقد عدو من يريد حياة آمنه ...فالعصبية بمختلف ألوانها وأطيافها تعمم ثقافة الكراهية والضغينة .. فلسنا بحاجة لها .. ولا إلى من يدور حولها .. بل ويجب أن تعزز ثقافة الحب والتراحم والتواصل الطيب المبارك بين كافة أفراد مجتمعنا على اختلاف أهوائهم وأمزجتهم ومشاربهم.. فنعترف بالآخر ونحترم خلافنا معه لأن الحياة تنوع وتعدد وتمازج وتفاعل بين كل مكونات المجتمع الواحد فنشعر بأننا نضحي من أجل الآخرين .. ونؤسس لوعي مجتمعي نترجمه بالسلوك السوي والممارسة الحياتية اليومية السامية .. فالأردن وطن الجميع .. وطن الوحدة والحرية والحياة الفضلى.. وطن الفكر التنموي المنبثق من إيديولوجية الثورة العربية الكبرى المنطلقة من المبادئ التي أرادت الخير للعرب جميعاً .. فكانت وستبقى عهد الأوفياء لمن ضحوا من آبائنا وأجدادنا .. ونبراس خير وبركة وأمل للأجيال القادمة .
إن بنية مجتمعنا ودرجة تطوره تشكل ابرز التحديات أمام الرقي والتقدم ..فالأمن والأمان بمعانيه الشمولية الواسعة... تشكل أساس البنيان الذي نهضت عليه الشعوب وقامت عليها العلاقات الاجتماعية.. فنحن شعب ندخر من موروثها الثقافي الكثير من التقاليد والمفاهيم التي تعود في جذورها إلى مئات السنين.. ولا تخلو هذه الثقافة من التشديد على هذا الموروث .. رغم كل ما تحمله من دعوات .. فما ندعو له هو إيجاد صيغ جديدة للعيش الكريم ضمن مشروع وطني اجتماعي لتحديث النظم الاجتماعية ودمجها في إطار بنيوي معصرن .. تمكننا من التحول من عقلية الماضي ليتحرر الفرد من أي سلوك عصبي .. وبذلك ننجح سوياً في محاولة منا لتكوين مجتمع متنامٍ متطور تسوده العلاقات الاجتماعية الطيبة المباركة.. فنقضي على ثقافة المواجهة مع الآخر بشكل يدفعنا إلى التحاور المنطقي الذي يوصلنا إلى قناعات تنمو وترتقي بمجتمعنا .. تمتلك القدرة على نبذ التصادم واستيعاب الأفراد بعضهم بعضاً بمنطق وديّ طيب.. وبذلك ننمّي ثقافة الحياة المعاصرة القائمة على الحوار والتفاهم .. فلن نقف عاجزين عن مواجهة التحديات المجتمعية .. بل ونسعى إلى تهيئة جيل يسعى للبحث عن بدائل تمنحه سعة الصدر والتروي والتمعن والصبر على أي فورة عصبية تودي بنا إلى التشاحن والمواجهة الصِدامية التي لا مبرر لها في زمن أصبح فيه الفرد محورا أساسيا في تنمية المجتمعات المتقدمة.. فنحول الموروثات العصبية إلى قيم نبيلة نسعى إلى الفخار بها لتكون ملاذ للمواطنة الحقة.
إن أشكالاً من الفورات القائمة على أفكار تخبطية لا ضابط لها.. بسبب أو بدون سبب .. هي التي دفعتني للكتابة .. حين نسمع جميعا أو نقرأ أو نشاهد بين الحين والآخر أخباراً عن حوادث ومشاجرات ومشاحنات بين بعض من أفراد مجتمعنا .. فنراها قد امتدت إلى ما أشبه بحرب الشوارع لينتج عنها ما لا يحمد عقباه .. وتؤدي إلى عنف مجتمعي غير مبرر ... تلك الفورات التي تعمل على تصاعد عناصر النبذ والتناحر بين مختلف الفئات في مجتمعنا.. مما أدى ويؤدي إلى غياب ثقافة التضامن المشترك والاعتراف بالآخر.
فهل ينقصنا الوعي والثقافة المجتمعية التي هي طريقنا إلى الاستقامة وحل مشكلاتنا وفوراتنا وعصبياتنا المدمرة والتي هي بحق أحد الأسباب التي تؤدي إلى الفوضى الاجتماعية المؤدية إلى انفلات حبل الأمن واضطراب الأحوال .
إننا بحاجة ملحة وفهم صريح لمضامين رسالة عمان المبنية على الفهم الواضح لمنطق الحياة المعاصرة .. فمنذ أن أطلقها جلالة الملك عبدا لله الثاني ابن الحسين قبل عدة سنوات جاءت لتكون قاعدة للعمل .. انطلاقا من الحرص على ترسيخ مفاهيم الوسطية والاعتدال وتأكيد قيم التسامح والحوار وقبول الآخر ..بشكل يسهم في تنمية مجمعنا الأردني وتطوره .
ولن تأتي النتيجة المرجوة إلا بتكريس وتعميق مفاهيم القيم الإنسانية ومفاهيم الحرية الحقة عند جميع مكونات مجتمعنا .. مع ضرورة تأكيد تبني منظومة القيم التي يحل فيها الإيثار بدل الاستئثار .. وروح التسامح بدل العصبية.. والحوار والتفاهم والقبول بالآخر بدل الاختلاف والتزمت والإقصاء ..
وهذا يتطلب تضافر كل الجهود لإيجاد مرجعيات ثقافية مجتمعية مبنية على أساس واضح في تنظيم العلاقات داخل الخلية الأساسية في المجتمع وهي الأسرة.. فإن حرص الجميع على خلق روح المودة والارتقاء إلى الأفضل.. والجرأة التي يتطلبها مجتمع آمن يسعى إلى حياة رغيدة خالية من العنف والتنافر .. لتحمل تلك الآليات والمرجعيات في مكنونها مكتسبات هامة تصب في صالح المجتمع الأردني .. نتاجها مدونة أسرية تلزم الجميع بالتقيد ببنودها ، لنخرج من التشدد في الرأي والغلو والتعصب.. وعدم قبول مبدأ الحوار والقناعة.. إلى عكس ذلك جملةً وتفصيلا .
وبالرغم من أن الاهتداء إلى فضيلة هذا الخيار.. ما زالت تعترضه عدة صعوبات وعوائق.. إلا أن انتشار الثقافة الديمقراطية وتجسيد معناها الحقيقي .. والتي تدفع للتعامل بأسلوب حضاري.. ينبني على حسن الإنصات للآخر.. واحترام الرأي المخالف.. كبديل قوي للتعصب والإقصاء.. حينما سيصبح الجميع مقتنعا ومتشبعا بتلك القيم .. وسيترجم ذلك بتلقائية في سلوكه اليومي.. وسيكون الاختلاف رحمة بالنسبة للجميع.. وليس نقمة عليهم .. وسنعول على مجتمعنا خيراً .. فلا نعمم السلوك العصبي بل سنشخصه تشخيصا علاجياً ونجتثه فلن يعود أبداً ذلك الورم الكامن في موجود الجسم المجتمعي والى الأبد .. بهمه الخيرين الطيبين الذين حملوا .. وما زالوا يحملون الرسالة بكل أمانة وإخلاص
هدانا الله عز وجل جميعا إلى سواء السبيل وأكرمنا في دُنيانا وآخرتنا
مع تحياتي
الكاتب : فيصل تايه
البريد الالكتروني : Fsltyh@yahoo.com
الموقع الخاص بالكاتب : http://sites.google.com/site/faisaltayeh/home